الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        واتل عليهم نبأ نوح إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا إلي ولا تنظرون فإن توليتم فما سألتكم من أجر إن أجري إلا على الله وأمرت أن أكون من المسلمين فكذبوه فنجيناه ومن معه في الفلك وجعلناهم خلائف وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا فانظر كيف كان عاقبة المنذرين

                                                                                                                                                                                                                                        (71) يقول تعالى لنبيه: واتل على قومك نبأ نوح في دعوته لقومه، حين دعاهم إلى الله مدة طويلة، فمكث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما، فلم يزدهم دعاؤه إياهم إلا طغيانا، فتمللوا منه وسئموا، وهو عليه الصلاة والسلام غير متكاسل، ولا متوان في دعوتهم، فقال لهم: يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري [ ص: 722 ] بآيات الله أي: إن كان مقامي عندكم، وتذكيري إياكم ما ينفعهم بآيات الله الأدلة الواضحة البينة، قد شق عليكم وعظم لديكم، وأردتم أن تنالوني بسوء أو تردوا الحق. فعلى الله توكلت أي: اعتمدت على الله، في دفع كل شر يراد بي، وبما أدعو إليه، فهذا جندي وعدتي. وأنتم، فأتوا بما قدرتم عليه من أنواع العدد والعدد.

                                                                                                                                                                                                                                        فأجمعوا أمركم كلكم، بحيث لا يتخلف منكم أحد، ولا تدخروا من مجهودكم شيئا.

                                                                                                                                                                                                                                        ( و ) أحضروا " شركاءكم " الذين كنتم تعبدونهم وتوالونهم من دون الله رب العالمين.

                                                                                                                                                                                                                                        ثم لا يكن أمركم عليكم غمة أي: مشتبها خفيا، بل ليكن ذلك ظاهرا علانية.

                                                                                                                                                                                                                                        ثم اقضوا إلي أي: اقضوا علي بالعقوبة والسوء، الذي في إمكانكم، ولا تنظرون أي: لا تمهلوني ساعة من نهار.

                                                                                                                                                                                                                                        فهذا برهان قاطع، وآية عظيمة على صحة رسالته، وصدق ما جاء به، حيث كان وحده لا عشيرة تحميه، ولا جنود تؤويه.

                                                                                                                                                                                                                                        وقد بادى قومه بتسفيه آرائهم، وفساد دينهم، وعيب آلهتهم. وقد حملوا من بغضه، وعداوته ما هو أعظم من الجبال الرواسي، وهم أهل القدرة والسطوة، وهو يقول لهم: اجتمعوا أنتم وشركاؤكم ومن استطعتم، وأبدوا كل ما تقدرون عليه من الكيد، فأوقعوا بي إن قدرتم على ذلك، فلم يقدروا على شيء من ذلك. فعلم أنه الصادق حقا، وهم الكاذبون فيما يدعون.

                                                                                                                                                                                                                                        (72) ولهذا قال: فإن توليتم عن ما دعوتكم إليه، فلا موجب لتوليكم، لأنه تبين أنكم لا تولون عن باطل إلى حق، وإنما تولون عن حق قامت الأدلة على صحته، إلى باطل قامت الأدلة على فساده.

                                                                                                                                                                                                                                        ومع هذا فما سألتكم من أجر على دعوتي، وعلى إجابتكم، فتقولوا: هذا جاءنا ليأخذ أموالنا، فتمتنعون لأجل ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                        إن أجري إلا على الله أي: لا أريد الثواب والجزاء إلا منه، ( و ) أيضا فإني ما أمرتكم بأمر وأخالفكم إلى ضده، بل " أمرت أن أكون من المسلمين " فأنا أول داخل، وأول فاعل لما أمرتكم به.

                                                                                                                                                                                                                                        (73) فكذبوه بعدما دعاهم ليلا ونهارا وسرا وجهارا، فلم يزدهم دعاؤه إلا [ ص: 724 ] فرارا، فنجيناه ومن معه في الفلك الذي أمرناه أن يصنعه بأعيننا، وقلنا له إذا فار التنور: فاحمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن ففعل ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                        فأمر الله السماء أن تمطر بماء منهمر وفجر الأرض عيونا، فالتقى الماء على أمر قد قدر: وحملناه على ذات ألواح ودسر تجري بأعيننا، وجعلناهم خلائف في الأرض بعد إهلاك المكذبين.

                                                                                                                                                                                                                                        ثم بارك الله في ذريته، وجعل ذريته هم الباقين، ونشرهم في أقطار الأرض، وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا بعد ذلك البيان، وإقامة البرهان، فانظر كيف كان عاقبة المنذرين وهو: الهلاك المخزي، واللعنة المتتابعة عليهم في كل قرن يأتي بعدهم، لا تسمع فيهم إلا لوما، ولا ترى إلا قدحا وذما.

                                                                                                                                                                                                                                        فليحذر هؤلاء المكذبون، أن يحل بهم ما حل بأولئك الأقوام المكذبين من الهلاك والخزي والنكال.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية