الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء

808 - ومات آخرا بغير مرية أبو الطفيل مات عام مائة      809 - وقبله السائب بالمدينة
أو سهل او جابر او بمكة      810 - وقيل : الاخر بها ابن عمرا
إن لا أبو الطفيل فيها قبرا      811 - وأنس بن مالك بالبصرة
وابن أبي أوفى قضى بالكوفة      812 - والشام فابن بسر او ذو باهله
خلف وقيل : بدمشق واثله      813 - وأن في حمص ابن بسر قبضا
وأن بالجزيرة العرس قضى      814 - وبفلسطين أبو أبي
ومصر فابن الحارث بن جزي      815 - وقبض الهرماس باليمامة
وقبله رويفع ببرقة      816 - وقيل إفريقية وسلمه
باديا او بطيبة المكرمه

[ من آخر الصحابة موتا ] ( و ) أما الثاني ، وهو مطلق ومقيد ، فـ ( مات ) منهم ( آخرا ) على الإطلاق ( بغير مرية ) بكسر الميم وضمها ; أي : شك ، ( أبو الطفيل ) عامر بن واثلة الليثي ، كما ثبت من قوله حيث قال : ( رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما على وجه الأرض رجل رآه غيري ) . وبذلك جزم مصعب الزبيري وأبو زكريا بن منده وخلق ، بل أجمع عليه أهل الحديث .

وممن جزم به مسلم بن الحجاج ، وإنه ( مات عام مائة ) ; أي : من الهجرة . وكذا قال ابن عبد البر ، لكن قال خليفة : إنه مات بعد سنة مائة . وعن ابن البرقي : سنة اثنتين ومائة . وعن مبارك بن فضالة : سنة سبع . وبه جزم غير واحد . وعن جرير بن حازم : سنة عشر . وصححه الذهبي في ( الوفيات ) ، وشيخنا في ترجمة عكراش من ( التهذيب ) . وكانت وفاته بمكة كما قاله ابن المديني وابن حبان وغيرهما . وقيل : بالكوفة . والأول أصح .

وحينئذ فيكون الصحيح أنه آخر من مات بمكة أيضا من الصحابة كما جزم به ابن [ ص: 129 ] حبان وأبو زكريا بن منده . بل هو آخر المائة التي أشار إليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أواخر عمره كما صح عنه بقوله : ( أرأيتكم ليلتكم هذه ، فإن رأس مائة سنة لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد ) . أخرجه البخاري في السمر في الخبر بعد العشاء من الصلاة ، في السمر أيضا من العلم ، وبه تمسك هو وغيره للقول بموت الخضر .

لكن قال النووي : إن الجمهور على خلافه . وأجابوا عنه أن الخضر كان حينئذ من ساكني البحر ، فلم يدخل في العموم . قالوا : ومعنى الحديث لا يبقى ممن ترونه أو تعرفونه ، فهو عام أريد به الخصوص . وقالوا أيضا : خرج عيسى عليه السلام من ذلك مع كونه حيا ; لأنه في السماء لا في الأرض ، إلى غير ذلك مما له غير هذا المحل . وذكر البيهقي في ( الدلائل ) هذا الحديث فيما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - من الكوائن بعده ، فكان كما أخبر . وأما ما ذكره ابن قتيبة في ( المعارف ) ، وابن دريد في الاشتقاق من أن عكراش بن ذؤيب ، أحد المعدودين في الصحابة ، شهد الجمل مع عائشة ، فقال الأحنف : كأنكم به وقد أتي به قتيلا أو به جراحة لا تفارقه حتى يموت ، قال : فضرب ضربة على أنفه عاش بعدها مائة سنة ، أو أثر الضربة به . فهذه الحكاية كما قال شيخنا إن صحت مع انقطاعها حملت على أنه أكمل المائة من عمره ، لا أنه استأنفها من يومئذ ، وإلا لاقتضى ذلك أن يكون عاش إلى دولة بني العباس ، وهو محال ; إذ المحدثون قد اتفقوا على أن أبا الطفيل آخر الصحابة موتا . وسبقه [ ص: 130 ] شيخه المصنف لنحوه فقال : وهذا إما باطل أو مؤول . وكذا توقف البلقيني في صحته . نعم ، استدرك هو على القول بآخرية أبي الطفيل نافع بن سليمان العبدي ; فقد روى حديثه إسحاق ابن راهويه في مسنده قال : أخبرني سليمان بن نافع العبدي بحلب قال : قال لي أبي : وفد المنذر بن ساوى من البحرين حتى أتى مدينة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ومعه أناس ، وأنا غليم لا أعقل ، أمسك جمالهم ، فذهبوا بسلاحهم فسلموا على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ووضع المنذر سلاحه ولبس ثيابا كانت معه ، ومسح لحيته بدهن ، فأتى نبي الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأنا مع الجمال أنظر إلى نبي الله - صلى الله عليه وسلم - كما أنظر إليك ، ولكن لم أعقل ، فقال المنذر : قال لي النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( رأيت منك ما لم أر من أصحابك ) ، فقلت : أشيء جبلت عليه أم أحدثته ؟ قال : ( لا ، بل جبلت عليه ) . فلما أسلموا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( أسلمت عبد القيس طوعا ، وأسلم الناس كرها ) .

قال سليمان : وعاش أبي مائة وعشرين سنة . وأخرجه الطبراني في معجميه وابن قانع ، جميعا عن موسى بن هارون عن إسحاق . وكذا أخرجه ابن بشران في أماليه عن دعلج عن موسى . وقال موسى : ليس عند إسحاق أعلى من هذا . انتهى .

لكن قد ذكر شيخنا سليمان في كتابه في ( الضعفاء ) ، وقال : إنه غير معروف . وذكره ابن أبي حاتم عن أبيه ، ولم يذكر فيه جرحا ، قال : وإن صح يكون نافع قد عاش إلى دولة هشام ، إلا أني أظن أن سليمان وهم في سن أبيه ، فمحال أن يبقى أحد رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد سنة عشر ومائة . وقال في موضع آخر : والقصة التي ذكرها للمنذر بن ساوى معروفة للأشج ، واسمه المنذر بن عائذ . قال : وأظن سليمان وهم في ذكر سن أبيه ; لأنه لو كان غلاما سنة الوفود ، وعاش هذا القدر ، لبقي إلى سنة عشرين ومائة ، وهو باطل ، فلعله قال : عاش مائة وعشرا ; لأن أبا الطفيل [ ص: 131 ] آخر من رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - موتا ، وأكثر ما قيل في وفاته كما تقدم : إنها سنة عشر ومائة . وقد ثبت في الصحيحين أنه - صلى الله عليه وسلم - قال في آخر عمره : ( لا يبقى بعد مائة من تلك الليلة على وجه الأرض أحد ) . وأراد بذلك انخرام قرنه ، فكان كذلك . قلت : ودعوى من ادعى الصحبة أو ادعيت له بعد أبي الطفيل ، وهم جبير بن الحارث ، والربيع بن محمود المارديني ، ورتن وسرباتك الهنديان ، ومعمر ، ونسطور أو جعفر بن نسطور الرومي ، ويسر بن عبيد الله ، الذين كان آخرهم رتن ; فإنه فيما قيل : مات سنة اثنتين وثلاثين وستمائة - باطلة . والكلام في شأنهم مبسوط في ( لسان الميزان ) لشيخنا ، وفي غيره من تصانيفه . بل قال ، وقد سئل عن طرق المصافحة إلى المعمر ما نصه : لا يخلو طريق من طرق المعمر عن متوقف فيه حتى المعمر ] نفسه ; فإن من يدعي هذه الرتبة يتوقف على ثبوت العدالة ، وإمكان ثبوت ذلك عناد لا يفيد مع ورود الشرع بنفيه ; فإنه - صلى الله عليه وسلم - أخبر بانخرام قرنه بعد مائة سنة من يوم مقالته .

فمن ادعى الصحبة بعد ذلك لزم أن يكون مخالفا لظاهر الخبر ، فلا يقبل إلا بطريق ينقطع العذر بها ، ويحتاج معها إلى تأويل الحديث المشار إليه .

ومما استظهر به ابن الجزري لبطلان الدعوى في هؤلاء كون الأئمة ; كأحمد والبخاري والدارمي وعبد ، ممن رحل الأقطار ، وجاب الأمصار ، وحرص على الإسناد العالي ، أعلى ما عندهم الثلاثيات مع قلتها جدا ; إذ خفاء الصحابة على مثلهم بعيد مع توفر الهمم على نقله . وبين أن ظهور المسمى بمعمر المغربي المدعى فيه الصحبة ومصافحة النبي - صلى الله عليه وسلم - له ، وقوله له : ( عمرك الله ) ، كان في حدود [ ص: 132 ] السبعمائة أو بعدها ، ثم قال : وكل هؤلاء كذابون دجالون ، لا يشتغل بحديثهم ولا بأمثالهم .

( و ) أما آخرهم موتا بالنسبة إلى النواحي ، فمات ( قبله ) ; أي : قبل أبي الطفيل ; إما ( السائب ) بن يزيد ابن أخت النمر ( بالمدينة ) النبوية ، ( أو سهل ) ، هو ابن سعد الساعدي ، ( او جابر ) بالنقل ، هو ابن عبد الله الأنصاري ; أي : فيها ، كما قيل به في كل واحد من الثلاثة ، فجزم به في الأول أبو بكر بن أبي داود ، وفي الثاني ابن المديني والواقدي وإبراهيم بن المنذر الحزامي وابن حبان وابن قانع وأبو زكريا بن منده وابن سعد ، وادعى نفي الخلاف فيه فقال : ليس بيننا في ذلك اختلاف ، بل أطلق أبو حازم أنه آخر الصحابة موتا ، وكأنه أخذه من قول سهل نفسه : لو مت لم تسمعوا أحدا يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . ولكن الظاهر كما قال المؤلف : إنه أراد أهل المدينة خاصة ; يعني مع احتياجه إلى تأويل أيضا . وفي الثالث أبو نعيم وقتادة فيما رواه أحمد عنه ، وصدر به ابن الصلاح كلامه . والخلاف في ذلك مترتب عليه في وفياتهم .

فأما الأول فقيل : إنها سنة ثمانين أو بعدها باثنتين ، فيما قاله أبو نعيم أو بست أو بثمان . وقال الجعد بن عبد الرحمن والفلاس والواقدي : سنة إحدى وتسعين . وبه جزم ابن حبان . ويتأيد بذكر البخاري له : فصل من مات ما بين التسعين إلى المائة . وقيل : سنة أربع وتسعين . وكان مولده إما في الثانية أو الثالثة من الهجرة . وثبت قوله : حج بي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنا ابن سبع .

[ ص: 133 ] وأما الثاني ، فقيل : سنة ثمان وثمانين ، قاله أبو نعيم . وقيل : إحدى وتسعين ، قاله الواقدي والمدائني ويحيى بن بكير وابن نمير وإبراهيم بن المنذر الحزامي . ورجحه ابن زبر وابن حبان .

لكن مقتضى قول أبي حاتم : إنه عاش مائة سنة أو أكثر ، مع ما ثبت من أن مولده قبل الهجرة بخمس سنين ، أن يكون تأخر إلى سنة ست وتسعين أو بعدها . ونحوه قول الواقدي : إنه عاش مائة سنة . وقيل : ستا وتسعين .

وأما الثالث ، فمات قبل الثمانين . قيل : سنة اثنتين ، كما قاله ابن زبر . أو ثلاث ، كما قاله ابن سعد والهيثم بن عدي . أو أربع ، كما قاله بعضهم . أو سبع ، كما قاله محمد بن يحيى بن حبان وأبو نعيم . أو ثمان ، كما قاله خلق ; منهم يحيى بن بكير والفلاس . أو تسع ، كما قاله خليفة في رواية وغيره . كل ذلك بعد السبعين ، وكلهم أبناء صحابة أيضا . والأشبه أن الثاني آخرهم ، على أنه قد اختلف أيضا في كون وفاة الأخيرين بالمدينة .

فأما أولهما ، فقيل فيه : إنه مات بإسكندرية أو مصر . ولكن قال شيخنا : المشهور أن ذلك ولده عباس ، فلعله اشتبه على حاكيه .

[ ص: 134 ] وأما ثانيهما ، فقيل : إنه مات بقباء ( او بمكة ) بالنقل مع الصرف ; للضرورة ، فيما قاله أبو بكر بن أبي داود : وإنه آخر من مات بها . ولكن الجمهور على المدينة .

وكذا قد تأخر عنهم ممن مات بالمدينة محمود بن لبيد الأشهلي إن مشينا على قول البخاري وابن حبان بصحبته ، وإلا فقد عده مسلم وجماعة في التابعين . ومحمود بن الربيع الذي عقل مجة النبي - صلى الله عليه وسلم - في وجهه وهو ابن خمس سنين . فأما أولهما ، فمات سنة خمس وتسعين أو التي بعدها . وأما ثانيهما ، فمات سنة تسع وتسعين .

( وقيل : الاخر ) بالنقل موتا ( بها ) ; أي : بمكة بعد ما علم من أن الصحيح في جابر أنه لم يمت بمكة ، فضلا عن أن يكون الآخر بها ، ( ابن عمرا ) عبد الله ، فيما قاله قتادة ، وأبو الشيخ ابن حيان في تاريخه ، وابن الجوزي في ( التلقيح ) . وبه صدر ابن الصلاح كلامه . والخلاف فيه أيضا ينشأ عنه في وقت وفاته ، فقيل : إنها سنة اثنتين وسبعين أو ثلاث ، وجزم به أحمد وأبو نعيم ويحيى بن بكير والجمهور . أو أربع ، وبه جزم سعيد بن جبير وخليفة والواقدي ، وصححه ابن زبر ، وقال : إنه أثبت عن سبع وثمانين على الصحيح . واختلف في محل دفنه منها ، فقال ابنه سالم : بفخ ، بالفاء والخاء المعجمة ، وهو فيما قيل وادي الظاهر . وتبعه ابن حبان وابن زبر [ ص: 135 ] وغيرهما .

وقال مصعب الزبيري : بذي طوى ; يعني بمقبرة المهاجرين . وقال غيرهما : بالمحصب . والصحيح أنه بالمقبرة العليا عند ثنية أذاخر ، كما في تاريخ الأزرقي وغيره ، وهو يقرب من القول الثالث . وأما ما يقوله الناس من أنه بالجبل الذي بالمعلاة ، فلا يصح من وجه .

وبالجملة ، فلم يختلفوا في أنه توفي بمكة ، وإنما يكون كل من ابن عمر وجابر على القول المرجوح فيه آخر من مات بمكة .

( إن لا ) ; أي : إن لم يكن ، ( أبو الطفيل ) الماضي أولا ( فيها ) ; أي : في مكة ، قد ( قبرا ) . ولكن الصحيح أنه قبر بها كما قدمته .

( وأنس بن مالك ) الآخر موتا ( بالبصرة ) بتثليث الموحدة ، والكسر أصحها فيما قاله قتادة وأبو هلال والفلاس وابن المديني وابن سعد وأبو زكريا ابن منده وغيرهم .

وكانت وفاته في سنة تسعين أو إحدى أو اثنتين أو ثلاث ، ورجحه النووي والذهبي . والذي قبله ابن الأثير ، وهو قول الواقدي : أو خمس أو ست عن مائة ونيف . بل قيل : وعشر ، وهو عجيب . وقد قال شيخنا : أكثر ما قيل في سنه إذ قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة : عشر سنين . وأقرب ما قيل في وفاته : سنة ثلاث وتسعين . فعلى هذا غاية ما يكون عمره مائة سنة وثلاث سنين . وقد نص على ذلك خليفة بن خياط في تاريخه ، فقال : مات سنة ثلاث وتسعين ، وهو ابن مائة وثلاث سنين . وقول حميد ، وكذا الواقدي : مائة إلا سنة .

قال النووي : إنه شاذ مردود . وقال ابن عبد البر : وما أعلم أحدا مات بعده ممن رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا [ ص: 136 ] أبا الطفيل . وانتقد بمحمود بن الربيع كما تقدمت وفاته ، وبعبد الله بن بسر كما سيأتي في قول عبد الصمد . وكأن مستند ابن عبد البر قول أنس لمن سأله : أأنت آخر الصحابة ؟ : قد بقي قوم من الأعراب ، فأما من أصحابه فأنا آخرهم .

ولكن قوله بخصوصه قابل للتأويل بحمله على صحبة خاصة ، أو إنه ذكر ما علمه ، كما يجاب به عن ابن عبد البر ، وقد أشرت إلى ذلك في تعريف الصحابي .

( وابن أبي أوفى ) ، وهو عبد الله الأسلمي ، ( قضى ) ; أي : مات خاتمتهم ، ( بالكوفة ) فيما قاله قتادة والحسن والفلاس وابن حبان وابن زبر وابن عبد البر وأبو زكريا بن منده وابن الجوزي في ( التلقيح ) . وكانت وفاته في سنة ست وثمانين أو سبع أو ثمان . وقيل : بل آخر أهل الكوفة أبو جحيفة وهب السوائي ، قاله علي بن المديني . والأول أصح ; فإن وفاة أبي جحيفة سنة ثلاث وثمانين ، وقيل : أربع وسبعين .

نعم ، عمرو بن حريث ، وهو قد مات بها ، قد اختلف في وقت وفاته ، فقيل : سنة ثمان وتسعين ، كما رواه الخطيب في ( المتفق والمفترق ) له عن محمد بن الحسن الزعفراني . فعلى هذا هو آخر من مات بها . ولكن توقف شيخنا في كونها بتقديم التاء الفوقانية على السين ، وقال : فيه نظر ، ولعله بتقديم السين على الموحدة ، لا سيما [ ص: 137 ] وقد حكاه خليفة بن خياط كذلك في تاريخه . وكذا جزم شيخنا في ( الإصابة ) بعدم ثبوته .

وحينئذ فابن أبي أوفى بعده ، وكذا يكون بعده على القول بأن عمرا مات سنة خمس وثمانين كما قاله البخاري وغيره ; كابن حبان ، في ثقاته ، وقال : إنها بمكة . وبكل هذا ظهر أن ابن أبي أوفى آخر أهل الكوفة ، بل هو آخر من شهد بيعة الرضوان وفاة .

( و ) أما الآخر منهم موتا بـ ( الشام ) بفتح الشين ثم ألف ; إما مع همزة ساكنة أو بدونها على لغتين من لغاتها ، بأسرها ، ( فـ ) إما ( ابن بسر ) بضم الموحدة ثم سين مهملة ، واسمه عبد الله المازني ، ( او ذو باهله ) ، وهو أبو أمامة صدي بن عجلان الباهلي ، ( خلف ) ; أي : في ذلك اختلاف . فالقائلون بالأول الأحوص بن حكيم وابن المديني وابن سعد تبعا للواقدي ، وابن حبان وابن قانع وابن عبد البر وغيرهم . وبالثاني الحسن البصري وابن عيينة في المروي عنهما ، وبه جزم أبو عبد الله بن منده . والصحيح الأول ; فقد قال البخاري في ( تاريخه الكبير ) : قال علي ; يعني ابن المديني : سمعت سفيان ، هو ابن عيينة ، يقول : قلت للأحوص : كان أبو أمامة آخر من مات عندكم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : كان بعده عبد الله بن بسر قد رأيته . والخلافية مترتبة عليها في وفياتيهما ، فقيل في الأول : إنها سنة ثمان وثمانين . وهو المشهور ، وقيل : ست وتسعين . قاله أبو القاسم عبد الصمد بن سعيد الحمصي القاضي ، وبه جزم أبو عبد الله بن منده وأبو زكريا بن منده وقال : إنه صلى للقبلتين .

فعلى هذا هو آخر من بقي ممن صلى للقبلتين ، وإنه مات عن مائة سنة . وكذا قال أبو نعيم في ( المعرفة ) ، وساق في ترجمته حديث : وضع النبي - صلى الله عليه وسلم - يده على رأسه وقال : ( يعيش هذا الغلام قرنا ) ، فعاش مائة . وقال أبو زرعة : إنها قبل سنة مائة . وقيل في الثاني : إنها سنة إحدى أو ست وثمانين . والثاني أشبه ، [ ص: 138 ] قاله الفلاس والمدائني وخليفة وأبو عبيد . بل عين قتادة وأبو زكريا بن منده والدارقطني - كما سيأتي الإشارة إليه - لوفاة أولهما حمص . وكذا عبد الصمد قال : وقبره في قرية تنوينة .

( وقيل ) مما سلك فيه طريقة أخرى في تفضيل نواح من الشام ، وهي دمشق وحمص والجزيرة وبيت المقدس : إن آخرهم موتا ( بدمشق واثله ) ، هو ابن الأسقع ، فيما قاله سعيد بن بشير عن قتادة . وكذا ذكره أبو زكريا بن منده . ولكن في كونه مات بدمشق اختلاف ، فالقائل به مع هذين دحيم ، وأما أبو حاتم الرازي فقال : ببيت المقدس . وقال ابن قانع : بحمص . وكذا اختلف أيضا في وقته ، فقيل : سنة ثلاث أو خمس أو ست وثمانين . قيل : وهو ابن مائة وخمس سنين . ( وأن في حمص ) كما قيل ( ابن بسر ) الماضي كما سبق ( قبضا ) آخرهم ، و ( أن بالجزيرة ) التي بين دجلة والفرات كما قيل أيضا ( العرس ) بضم العين المهملة ثم راء ساكنة ثم سين مهملة ، ابن عميرة - بفتح أوله - الكندي ، أحد من نزل الشام ، ( قضى ) أو مضى ; أي : مات آخرهم فيما قاله أبو زكريا بن منده . لكن قال أبو بكر الجعابي : إن آخر الصحابة موتا بالجزيرة وابصة بن معبد ، وكان قد نزلها . ونحوه قول هلال بن العلاء : قبر وابصة عند منارة جامع الرقة ; إذ الرقة على جانب الفرات الشمالي [ ص: 139 ] الشرقي ، وهي قاعدة ديار مضر من الجزيرة ، كما أن حران أيضا من ديار مضر ، فالله أعلم أيهما الآخر .

( و ) إن آخر من مات منهم فيما قيل أيضا ( بفلسطين ) بكسر الفاء وفتح اللام وسكون المهملة ، ناحية كبيرة وراء الأردن من أرض الشام ، فيها عدة مدن ، منها : القدس والرملة وعسقلان وغيرها . والمراد هنا أولها ، ( أبو أبي ) فيما قاله أبو زكريا بن منده ثم الدمياطي في ( أربعينه الكبرى ) ، وهو بضم الهمزة مصغر ، أنصاري مشهور بكنيته ، واسمه عبد الله ، ويقال له : ابن أم حرام ، وهي أمه ، وهي خالة أنس بن مالك وامرأة عبادة بن الصامت . وقيل غير ذلك . وفي اسم أبيه اختلاف ، قيل : عمرو بن قيس بن زيد ، كما قاله ابن سعد وخليفة وابن عبد البر . وقيل : أبي . وقيل : كعب . وكذا اختلف في كون وفاته ببيت المقدس ، فقال به ابن سميع . ويتأيد بقول شداد بن عبد الرحمن : كان يسكن ببيت المقدس . وقيل : بدمشق . ففي مقبرة الباب الصغير منها خارج الحظيرة قبر مكتوب عليه بالخط الكوفي القديم : بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا قبر عبد الله ابن أم حرام ، يكنى أبا البراء ، ابن امرأة عبادة بن الصامت ، وبأنه مات بدمشق . جزم الكتاني ، وأرى قبره للأكفاني . فإن صح فيكون آخر من مات بفلسطين قيس بن سعد بن عبادة ; فقد حكى أبو الشيخ بن حيان في تاريخه عن بعض ولد سعد ، أن قيسا توفي بفلسطين في سنة خمس وثمانين في ولاية عبد الملك بن مروان . ولكن المشهور أنه توفي بالمدينة في آخر خلافة معاوية ، قاله الهيثم بن عدي والواقدي وخليفة وغيرهم . بل رأيت في ثقات [ ص: 140 ] ابن حبان مما حكاه شيخنا أيضا أنه هرب من معاوية سنة ثمان وخمسين ، وسكن تفليس ، يعني بفتح المثناة الفوقانية ثم فاء ، وآخره سين مهملة ، أحد بلاد آذربيجان مما يلي الثغر ، ومات بها في ولاية عبد الملك ، فلعل أحدهما تصحف .

( و ) أما الآخر منهم موتا بـ ( مصر فابن الحارث بن جزي ) ; أي : بإبدال الهمزة ياء للضرورة ; فإنه جزء ، وهو الزبيدي بضم الزاء ، مصغر ، نسبة لزبيد ، واسمه عبد الله . وكون موته بمصر وأنه آخرهم قاله ابن عيينة وابن المديني وأبو زكريا بن منده وابن الجوزي في ( تلقيحه ) . وكذا أطلق ابن عبد الحكم أنه مات بمصر . وعن الطحاوي أنه مات بسفط القدور ، وهي التي تعرف اليوم بسفط أبي تراب من الغربية قريبا من سمنود . وقيل : إنه مات باليمامة . حكاه أبو عبد الله بن منده عن ابن يونس ، أنه شهد بدرا . وقال شيخنا : إنه خبط فاحش ، قال : وأظنه عمه محمية بن جزء . وكذا قال المصنف : إنه لا يصح أنه شهد بدرا . فإن صح فهو آخر البدريين موتا . وكذا اختلف في وقت وفاته ، فقيل : سنة خمس أو ست ، وهو المشهور ، أو سبع أو ثمان أو تسع وثمانين .

( وقبض الهرماس ) بكسر الهاء وإسكان الراء المهملة ثم ميم مفتوحة ، وآخره سين مهملة ، ابن زياد الباهلي ، آخرهم ( باليمامة ) فيما قاله أبو زكريا بن منده . وذكر عكرمة بن عمار أنه لقيه في سنة اثنتين ومائة . ( و ) قبض ( قبله رويفع ) بضم الراء وكسر الفاء ، [ ص: 141 ] ابن ثابت الأنصاري المدني ( ببرقة ) بفتح الموحدة الثانية وبالصرف للضرورة ، من بلاد المغرب ، فيما قاله أحمد بن البرقي ، قال : وقد رأيت قبره بها ، وكان أميرا عليها . وكذا قال ابن يونس : إنه كان أميرا عليها لمسلمة بن مخلد ، وإن قبره معروف ببرقة إلى اليوم . وعين وفاته سنة ثلاث وخمسين .

( وقيل ) : إن وفاته كانت بـ ( إفريقية ) بكسر الهمزة وسكون الفاء وكسر الراء ثم ياء ساكنة ، بعدها قاف مكسورة ، ثم ياء تحتانية خفيفة وبالصرف أيضا ، من المغرب أيضا ، فيما قاله أبو زكريا بن منده .

لكن قال ابن الصلاح : إن الثاني لا يصح . وكذا صحح المزي الأول ، ووقع له في حكاية كلام ابن يونس في وفاته سهو ، تبعه عليه شيخنا في ( الإصابة والتهذيب ) ، ومن قبله الذهبي ، والذي في ابن يونس ما قدمته . وفي محل وفاته قول ثالث ، وإنه أنطابلس ، قاله الليث بن سعد . وقد يشهد له كون معاوية ولاه طرابلس المغرب سنة ست وأربعين ، فغزا إفريقية في التي بعدها ، ودخلها ثم انصرف ، وقيل : إنها كانت بالشام .

( و ) قبض ( سلمه ) بن عمرو بن الأكوع الأسلمي إما ( باديا ) ; أي : بالبادية ، فهو آخرهم بها ، قاله أبو زكريا بن منده ، ( او بطيبة ) ; أي : المدينة ، ( المكرمه ) بالرسول - صلى الله عليه وسلم - ، فيما قاله ابنه إياس بن سلمة ويحيى بن بكير وأبو عبد الله بن منده ، ورجحه ابن الصلاح ، وهو الصحيح . وكذا اختلف في وقت وفاته ، فالصحيح أنه سنة أربع وسبعين ، وقيل : سنة أربع وستين .

ومما لم يذكره ابن الصلاح مما هو في جزء أبي زكريا بن منده المشار إليه في ذلك ، أن آخر من مات منهم بخراسان بريدة بن الحصيب . قلت : وكان قد غزا [ ص: 142 ] إليها في زمن عثمان ، ثم تحول إلى مرو فسكنها حتى مات في سنة ثلاث وستين . وحينئذ فقد تأخر بعده أبو برزة نضلة بن عبيد الأسلمي ; لقول خليفة : إنه مات بعد سنة أربع وستين . وحقق شيخنا أنه كان حيا في سنة خمس وستين ، وكان بخراسان فمات بها . قال الخطيب : إنه شهد مع علي قتال الخوارج بالنهروان ، وغزا بعد ذلك خراسان فمات بها . وكذا جزم خليفة والواقدي وابن سعد بأنه مات بها . لكن قال أبو علي محمد بن علي بن حمزة المروزي : قيل : إنه مات بنيسابور . وقيل : بالبصرة . وقيل : بمفازة بين سجستان وهراة . حكاه الحاكم في ( تاريخ نيسابور ) . وبالرخج ، وهي بضم الراء ثم خاء معجمة ساكنة ثم جيم ، من أعمال سجستان ، العداء - بوزن العطار - بن خالد بن هوذة العامري . قال شيخنا : وكأنه عمر ; فإن عند أحمد أنه عاش إلى زمن خروج يزيد بن المهلب ، وكان ذلك في سنة إحدى أو اثنتين ومائة . وقال : إنه فيما ذكره ابن سعد وفد على النبي - صلى الله عليه وسلم - فأقطعه مياها كانت لبني عامر يقال لها : الرخيخ ، بخائين معجمتين مصغر ، فكان ينزل بها . ومما ليس في الجزء أيضا أن آخر من مات بأصبهان منهم النابغة الجعدي ; [ ص: 143 ] فقد ذكر وفاته بها أبو الشيخ في ( طبقات الأصبهانيين ) ، وأبو نعيم في ( تاريخ أصبهان ) بعد أن عمر طويلا . وكان معاوية سيره إليها . وبالطائف عبد الله بن عباس ، وقد زرته . ومما لم يذكره المؤلف أيضا : آخر من مات بسمرقند قثم بن العباس شهيدا ، وهذا على الصحيح . وقيل : بل بمرو . وبواسط لبي بلام وموحدة مصغر ، ابن لبى بموحدة خفيفة وزن عصى على المعتمد فيهما كما سيأتي ، وكان يكون بها ، قاله أبو بكر الجعابي في ( تاريخ الطالبيين ) .

وقد جمع الصغاني اللغوي جزءا فيمن عرف أمكنة وفاته من الصحابة ، سماه ( در السحابة ) ، وهو عندي بخطه . واختصره خطيب داريا ، وفيهما فوائد مع احتياجهما إلى تنقيب .

ومما يشبه ما تقدم أن آخر من مات من البدريين بقيد الأنصار أبو أسيد مالك بن ربيعة الساعدي ، فيما قاله المدايني وأبو زكريا بن منده . أو أبو اليسر كعب بن عمرو ، فيما قاله ابن إسحاق ثم ابن الجوزي . وآخرهم بقيد المهاجرين سعد بن أبي وقاص ، وهو أيضا آخر العشرة موتا . وآخر من شهد بيعة الرضوان موتا على ما تقدم عبد الله بن أبي أوفى . وآخر من صلى للقبلتين موتا على ما تقدم أيضا عبد الله بن بسر . وآخر من شهد العقبة موتا فيما قاله ابن الجوزي جابر .

[ ص: 144 ] وآخر موالي النبي - صلى الله عليه وسلم - موتا سفينة . وآخر أزواجه - صلى الله عليه وسلم - موتا ميمونة فيما قاله الواقدي وغيره . وقيل : أم سلمة ، كما رواه يونس عن ابن شهاب . قال شيخنا : وهو الصحيح . وفي صحيح مسلم ما يقويه . وأغرب ابن حزم فزعم أن صفية آخر الزوجات موتا . وقال غيره : سنة خمسين . وقيل : سنة اثنتين وخمسين . وقيل : سنة خمس عشرة .

التالي السابق


الخدمات العلمية