السؤال
هل يلزم أن تعيش الزوجة مع أم زوجها في سكن واحد؛ من أجل أن يرعاها، ويبر بها ولدها، مع العلم أنها يمكن أن تعيش في منزلها الخاص بها، ولها راتبها الذي يكفيها، وصحتها جيدة، كما أن ابنتها تسكن بجوارها.
أرجوكم، أرشدوني إلى الصواب؛ فأنا على وشك الانهيار؛ بسبب حماتي التي تسكن معنا في الخارج منذ ست سنوات، والمشكلة أنني أتعذب؛ بسبب عدم إحساسي بالخصوصية، وتدخلها المستمر في كل صغيرة وكبيرة، ولا يمكن أن أذهب إلى أي مكان، أو أي صديقة إلا وهي معنا!
زوجي سلبي وعنيد جدا، وقد ربط استمرار حياتي معه بوجودها معنا، أنا الآن أتألم بسبب كراهيتي لها، حيث أنها متكبرة، ولا تعترف بأخطائها، وقد حاولت مؤخرا أن أصارحها بما يضايقني منها؛ حتى تستمر الحياة دون أن أحمل شيئا في قلبي منها؛ ففاجأتني بكبرها وتسلطها، وتأكدت تماما من أنها أم متسلطة، تود لو تستولي على ابنها!
أنا أخاف الله، وأريد الاستمرار مع زوجي حماية لأطفالي من الضياع، ولكني أتعذب وأتألم وأبكي ليل نهار، ولا أدري ما هو مصيري! أخاف أن أتهور وأطلب الطلاق؛ فأنا على حافة الانهيار العصبي والنفسي والجسماني، ولا يمكن أن أعيش معها، أو أسامحها حتى تتخلى عن هذا الكبرياء المقيت، خاصة بعد أن حاولت معها بالحسنى، وقد تمادت، سامحوني لإطالتي والتمسوا لي العذر؛ فأنا في جحيم لا يطاق، وهم بالليل والنهار!
أرشدوني، جزاكم الله خيرا!
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الابنة الفاضلة/ مريم حفظها الله!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نسأل الله أن يصلح لنا ولكم النية والذرية، وأن يلهمنا رشدنا، وأن يعيذنا من شرور أنفسنا، وأن يهيئ لنا من أمرنا رشدا!.
لا شك أن هذه الشريعة بعدلها وجمالها تأمر الرجل بالإحسان إلى أمه، وتدعوه إلى إنصاف زوجته، والابتعاد عن ظلمها، ولا نجاة للرجل إلا إذا أعطى كل ذي حق حقه، وهذه معادلة صعبة على كثير من الرجال؛ لأن الغيرة تكون شديدة بين أم الزوج وزوجته خاصة إذا كان وحيدا ومدللا وهو الأصغر عند أمه، والأم تشعر أن هذه المرأة جاءت لتشاركها في حب ولدها، وتقاسمها ما في جيبه.
مما يزيد في اشتعال نيران العداوة تقصير الولد بعد الزواج في القيام بحق أمه، فتشعر الوالدة أنها أصبحت في الدرجة الثانية، وكذلك إذا كانت شخصية الرجل ضعيفة، كما أن بعض الزوجات لا تقدر أم الزوج، ويؤسفنا أن نقول أن وسائل الإعلام رسمت صورة مشوهة ( للحماة) وهي أم الزوج أو أخواته.
الرجل العاقل إذا دخل على زوجته يرسم معها منهاج الحياة، ويبين لها أن خدمتها لأمه سوف يزيد من منزلتها عنده، وما من امرأة تحسن لأهل زوجها، وتصبر على أذاهم إلا عوضها الله بزوج يقدرها، ويحترم أهلها، وبذرية من البررة، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان.
الصواب أن يكون الرجل عادلا وحازما، ويتجنب الممارسات التي تشعر أمه بانصرافه عنها، كاهتمامه الزائد بزوجته أمام أمه وأخواته، أو الثناء عليها، أو الوقوف دائما في صفها عند الخصومات – وعليه أن يتقي الله ويراقبه، ويحرص على تفادي أسباب الاحتكاك بين زوجته وأهله، ومن الضروري أن يمنح زوجته شيئا من الاستقلالية في حياتها.
قد أعجبني فيك حرصك على الموازنة بين الخيارات، ويسعدني أن تواصلي الصبر؛ فإن عاقبته محمودة، وثواب الصابرين عند الله بلا حساب، وطالبي هذا الزواج برفق وفي الأوقات المناسبة بضرورة أن يحتفظ لك بخصوصية العلاقة كزوجة، وإذا كان هذا الزوج يحبك، وقد رزقك الله منه ذرية؛ فأتمنى أن تحتملي وتصبري لأجلهم، وكبرياء الأم لن يضرك كثيرا، وأرجو أن تؤدي ما عليك، وتسألي الله الذي لك، فإن تقصير تلك المرأة في حقك لا يبيح لك مقابلة الشر بمثله، واحرصي على المعاملة بالحسنى، واشغلي نفسك بالمفيد!.
لا شك أن الأطفال سوف يتضررون كثيرا إذا حدث الفراق، والصواب أن تصبري وتحتسبي، ونسأل الله أن يعينك على التعامل مع زوج عنيد، ولا تنتظري من تلك المرأة الكبيرة أن تعتذر، وإذا شعرت هذه الأم أنك لا تتكلمين عنها عند الجارات، فلن تصر على متابعتك، ولذا فلابد من زرع الثقة، وإشاعة حسن الظن بينك وبينها، ولا تستعجلي في طلب الطلاق؛ فلا خير فيه مع وجود الأطفال الصغار، ولكن كرري طلبك برفق للزوج أن يبحث معك عن حل مناسب، واطلبي مساعدته، وذكريه بالله، ولكن لا تطالبيه أن يقصر في حق والدته، وهو مأمور شرعا بالإحسان والبر بها!.
ونسأل الله لك التوفيق والسداد!.