السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
أريد أستشير في أمر مهم جدا، وهو: لماذا ينظر المجتمع للإنسان المعاق على أنه هو السبب فيما هو فيه، وأنه ليس له مكان بينهم بصفته إنسان ناقص؟! أنا فتاة في الـ(24) من العمر، حاصلة على ليسانس آداب، وبليت وأنا في الصغر بمرض شلل الأطفال، ومنذ هذه اللحظات وأنا لا أواجه المرض فقط ولكن أواجه نظرات المجتمع لي بأني عضو غير مرغوب فيه، ولابد من بتره!
ولأني أجلس على كرسي متحرك يظن المجتمع أني ليس لي الحق في العيش وأن أحلم مثل أي فتاة عادية بالزواج والأمومة؛ لأنهم يرون أني عاجزة عن ذلك، وقد تمت خطبتي من إنسان كان يحبني بشدة ولكنه بعد تعرضه للإهانة من أهله وغضب والدته عليه تركني بدون أي مقدمات منه كأنني لا شيء!
أنا الآن أريد منكم الرد: هناك إنسان يحبني بشدة، وتكلم مع والدته بشأني ولكنها رفضت بحجة أنه ابنها الوحيد، ولابد أن تفرح به! وأنا ـ والله ـ إنسانة كاملة في كل النواحي، وأستطيع أن أقوم بكل شيء والحمد لله، وعندي يقين أن الله لن يحرمني وأنه سيعوضني ويرضيني، أنا الآن أفكر في هذا الشاب: هو يريد أن يرضي والدته لأنه لا يريد أن يغضبها وبعد ذلك يتزوجني، وهو إنسان يراعي الله ويراعي رضا والدته لأنها مسنة ووالده متوفى، وهو وحيدها، وهو يحبني بشدة فهل أقبل بهذا الحل؟ وهل والدته لها الحق في هذا الموقف تجاهي؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ المعذبة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فنسأل الله أن يقدر لك الخير ويسدد خطاك ويلهمنا جميعا رشدنا ويعيذنا من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا!
فإن الإنسان إذا نال رضا الله فلن يبالي بسخط الناس، ولن يضرك نظر الناس إليك، ونعم الله مقسمة، فقد يعطي الإنسان جسدا كاملا ويحرمه من النجاح والسعادة، والسعيد هو الذي يعرف نعم الله التي يتقلب فيها ليؤدي شكرها، وأنت ـ ولله الحمد ـ ناجحة وموفقة ومثقفة.
والإنسان بثقافته ووعيه وقبل ذلك بطاعته لربه يحدد موقعه في المجتمع، والخلل والنقص في الدين هو الذي يعاب به الإنسان؛ لأن هذا من كسب الإنسان بخلاف الجوانب الخلقية فإنها من الله وحده سبحانه، وقد وصف الله أهل النفاق بأنهم كالخشب المسندة، وعندما تعجب بعض الناس من كمال أجساد بعض الكافرين قال لهم ابن مسعود رضي الله عنه: (أتعجبون من أجساد هؤلاء، والله لو صحت أبدانكم وفسدت أخلاقكم لكنتم أهون وأحقر عند الله من الجعلان) أي: الحشرات الحقيرة.
وأرجو عدم الالتفات لنظرات الناس فكلهم صاحب عيب، وتمثلي بقول الشاعر الحكيم:
وإذا أتتك مذمتي من ناقص فهي الشهادة لي بأني كامل
وقد حرك الشيخ أحمد ياسين وهو على الكرسي مشاعر المسلمين، وأثبت أن القعيد هو الذي قعد عن نصرة الدين، وأن المحبوس من حبس لسانه عن ذكر الله وقول الحق، والمرء بأصغريه قلبه ولسانه.
وسوف يأتيك رزقك الذي قدره لك ربنا في الوقت الذي أراده، فأشغلي نفسك بعبادة الله وطاعته، فإن الله خلقنا لعبادته، فما ينبغي أن نلعب، وتكفل بأرزاقنا فلا ينبغي أن نتعب. ولا تحزني على رجل قراره ليس بيده، ولا تبالي برجل يتأثر بكل كلام يسمعه، ولعل الخير في هذا الذي اختاره لك ربنا سبحانه: ((وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم))[البقرة:216].
وهنيئا لمن امتلأت نفسها بالثقة بالله واليقين بما عنده سبحانه، وخير للفتاة أن تجد رجلا يخاف الله ويحرص على إرضاء والدته، وأرجو أن يجد منك كل تشجيع على البر بوالدته، فوالدته لها أعظم الحقوق، وهي تحتاج لرعايته في كبرها وضعفها.
والناس لا يرفضون المعاق، ولكن لابد أن نعرف أن العقبات تعترض طريق المعاقين وغيرهم، فكثير من الفتيات والشباب تواجههم مشاكل وأزمات في بداية حياتهم الزوجية وقد تستمر المشاكل مع بعضهم، وقد يكون السبب في كثرة المشاكل هو التوسع في العلاقات العاطفية المحرمة، وتبرج الفتيات واختلاطهن بالرجال بالإضافة إلى الآثار السالبة لوسائل الإعلام.
والمرأة العاقلة إذا شعرت أن الشاب يميل إليها تطلب منه الذهاب لأهلها وطلب يدها رسيما وهنا تظهر حقيقة الشاب وصدق رغبته ويتمكن أهل الفتاة من معرفة حقيقة الرجل، فالرجال أعرف بالرجال.
وتذكري أن كثيرا من العظماء كانوا من المعاقين لكن هممهم العالية وإصرارهم على النجاح ومعرفتهم لحقيقة أنفسهم وثقتهم في ربهم جعلت منهم صناع أمجاد لأمتهم، ولابد أن تعرفي حكمة الوهاب الذي إذا سلب نعمة وهب لصاحبها نعما جليلة وعطايا عظيمة، وأرجو أن ترددي في يقين الحمد لله الحمد لله، وانظري إلى من حولك من الناس لتعرفي أنك أفضل وأحسن من الملايين الذين لم يجدوا تعلميا ولا وظيفة، وقد حرم بعضهم نعمة العافية، فانظري إلى من هو أسفل منك ولا تنظري إلى من هم فوقك كي لا تحتقري نعم الله عليك.
سدد الله خطاك ويسر لك الخير حيث كان وأرضاك به.
والله ولي التوفيق والسداد.