السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أحيي القائمين على هذا الموقع الرائع الذي يخدم شريحة كبيرة من الناس، فجزاهم الله خير الجزاء، وجعله في موازين أعمالهم يوم القيامة.
وأدعو الله العلي القدير أن يشفي كل مريض.
مشكلتي مع توهم المرض مدة طويلة منذ حوالي سنتين، وسوف أقص عليكم قصتي من البداية وأرجو أن تتقبلوني بصدر رحب.
منذ حوالي سنتين عزمت بحمد الله على الزواج وطلب مني فحص ما قبل الزواج، ومنذ ذلك الوقت بدأت المشكلة، فما إن قمت بعمل تحليل ما قبل الزواج حتى أصبت بحالة غريبة لأول مرة أصيب بها، وهي الخوف الشديد جدا من نتائج التحاليل، وخوفي أن تكون نتائج التحاليل سلبية -كنت خائفا من مرض الإيدز حمانا الله وإياكم- وعشت في هذا الخوف الشديد ثلاثة أيام إلى أن ظهرت نتائج التحاليل، وكنت في هذه الثلاثة الأيام أعاني من ضيق في الصدر شديد، وتعرق ودوخة وقلة الأكل جدا.
وظهرت نتائج التحاليل سليمة والحمد لله وارتحت بعدها قليلا، ولكن بمجرد علمي أن تحاليل ما قبل الزواج لا يوجد فيها تحليل عن فايروس الإيدز رجعت لي الحالة مرة ثانية، وعزمت بعدها الذهاب إلى مستوصف أهلي وأن أعمل عنده تحليلا شاملا فكانت النتيجة ولله الحمد سليمة وظننت أني بعدها سوف أرجع لما أنا عليه، وفعلا تحسنت حالتي، واختفت بعض الأعراض، وأصبحت أنام أفضل من قبل.
ولكن بعد عدة أيام رجعت لي الحالة مرة ثانية وأصبحت أتوهم كل شيء، فبمجرد أن أحس بدوخة أو صداع تساورني شكوك مزعجة جدا جدا أنني مصاب بمرض معين، وأذهب إلى الإنترنت وأقرأ وتزيد شكوكي أكثر فأكثر، وبعد مراجعتي لعدة أطباء وتأكيدهم لي بعدم وجود شيء عضوي قررت أن أذهب إلى طبيب نفسي، وذهبت إليه بالفعل وشرحت له قصتي بالكامل؛ فوصف لي دواء (الوسترال والبوسبار) واستخدمته لفترة والحمد لله تحسنت كثيرا وتزوجت وعشت حياة جميلة وبعد ستة شهور من استخدم الدواء تركته.
وبعد 6 شهور أخرى من تركه كنت جالسا مع بعض الأصدقاء وتكلمنا في مرض ارتفاع الضغط الدموي، ومن تلك اللحظة بدأت تساورني تلك الشكوك بأنني مصاب بارتفاع الضغط، وذهبت بعدها مباشرة إلى الطوارئ، وكل الطريق وأنا أفكر فيه، وبعد أن وصلت إليهم كان يكاد قلبي يخرج من صدري من شدة الخفقان والنبض، فقاس لي الضغط فوجده مرتفعا 160/95 وعندما أخبرني بأنه مرتفع أحسست ببرودة كاملة في الجسم من شدة الخوف، وتعرق شديد جدا في كامل جسمي، فطلب مني الراحة لمدة 10 دقائق، وبعدها قاس الضغط فوجده أقل من السابق 140/90 .
وبعدها أصبحت حياتي كلها منصبة في ارتفاع الضغط، وأخذت أقرأ كثيرا عنه وعن أعراضه ومخاطره فأصبحت أتردد على عيادة خاصة وأقيس الضغط عندهم، وبعد عدة قراءات نصحني الطبيب بأخذ دواء (أملور 5 ميلجرام) وبالفعل أخذت هذا الدواء من حوالي 6 شهور.
المشكلة - يا دكتور - عندما أقيس الضغط في العيادة أحس بخفقان كبير جدا وسرعة في النبض.
بعدها راجعت طبيبا نفسيا ووصف لي نفس الدواء، بعد ما قلت له أنني أخذته من قبل وتحسنت قليلا، ولكن المشكلة أحس بأنها سوف ترجع لأي سبب.
مع العلم يا دكتور:
- عمري 28 سنة، وطولي 164 سم، ووزني 85 كيلو جراما.
- متزوج ولي ولد ولله الحمد.
- أستخدم دواء (اللوسترال) نصف حبة في اليوم، ودواء (البوسبار) حبة في اليوم.
- الأعراض: قلق شديد جدا، تعرق، سرعة نبضات القلب، الوخز في أماكن عدة، أحس بنغزات عند قلبي وفي الكتف، وأحس أن عندي مشكلة في قلبي، مع العلم بأنني راجعت الطبيب وطمأنني بأنه لا يوجد شيء.
- يوجد لدي جهاز إلكتروني لقياس الضغط في البيت، وأقيسه في البيت عدة مرات تصل بعض الأحيان إلى 20 مرة في اليوم .
- قراءات البيت تختلف تماما عن قراءات الطبيب، ففي البيت تكون طبيعية 120/65 - 120/70 ونبضي طبيعي جدا 65 أو 70 .
- في أغلب الأحيان تكون قراءة الضغط الإنبساطي طبيعية جدا حوالي 70 ولكن الضغط الانقباضي هو الذي يختلف، فمرة أجده 130 ومرة 140 ومرة 150 ومرة 120 .
- أصبحت أتوهم أنني مريض بكل مرض أسمع عنه.
استفساري يا دكتور:
- هل أنا مصاب بارتفاع ضغط الدم؟
- هل القلق يرفع ضغط الدم؟
- وهل في ذلك خطر على صحتي؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ خالد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فلا شك أنك قد أصبت بما يعرف بالمراء المرضي أو الخوف، أو إذا جاز التعبير (التوهم المرضي) هذا الأمر منتشر لدى الكثير من الناس، وحقيقة دائما تكون البدايات هي أن يطلب من الشخص إجراء فحص، أو يسمع أن شخصا ما قد أصيب بمرض ما، ومن هنا تبدأ دائرة الوساوس للشخص الذي لديه الاستعداد للإصابة بمثل هذه المخاوف، ويظهر أنك رجل حساس وسريع التأثر، مما جعلك تكون عرضة لمثل هذه المخاوف المرضية.
إذن: ففحص ما قبل الزواج هو الذي أدى إلى ما يعرف بالارتباط الشرطي، أي ارتبط إجراء هذا الفحص بالانشغال بالمرض والتخوف منه، وحقيقة كان من المفترض أن يشرح لك أولا الهدف من هذا الفحص، وأنه شيء بسيط، وأنه لمجرد التأكد، هذه هي البداية التي -في رأيي- لم تكن موفقة، ولكن كما ذكرت لك أنت أيضا لديك الاستعداد، لأنك حساس.
أخي العزيز! قبل الإجابة على أسئلتك الثلاثة التي وردت في نهاية الرسالة، أود أن أنصحك بالآتي:
أولا: المرض موجود، والصحة موجودة أيضا، وعليك أن توازن الأمور من هذا المنطلق، وعليك -يا أخي- أن تكون أكثر توكلا، ومن المستحسن للإنسان أن يلجأ في مثل هذه الأحوال، -وفي كل الأحوال حقيقة- إلى الدعاء؛ لأن الدعاء يحمي الإنسان ويشعره بالطمأنينة، ولا شك أنه يصرف عن الإنسان المكروه، هذا ما وددت أن أذكرك به وأذكر نفسي أيضا.
ثانيا: أرجوك وأنصحك ألا تتردد على الأطباء، فالتردد على الأطباء يؤدي إلى مزيد من التوهم، ويجعل الإنسان أكثر انشغالا، ويدخله في حلقة مفرغة؛ لأن كل طبيب ربما يعطيك تفسيرا مختلفا، الشيء الذي أراه هو أن تراجع طبيبا واحدا، وفي مثل هذه الحالة هو الطبيب الباطني الذي تثق به، أرجو أن تراجعه مرة كل ستة أشهر، وذلك من أجل إجراء فحوصات عامة للدم، وللتأكد من وظائف الكبد والكلى، ومستوى الدهنيات في الدم، وهذا يكفي، هذه فحوصات أساسية تطمئنك إن شاء الله، بشرط أن تجبر نفسك ألا تتردد على الأطباء، إلا إذا قام هذا الطبيب الذي تراجعه بتحويلك إلى جهة مختصة، إذا كان هنالك أمر ضروري، هذا الشيء الأساسي للعلاج.
ثالثا: أرجوك وأنصحك ألا تكثر من الاطلاع على الأمور الطبية في المجلات والكتب التي تباع للجمهور، أنا لا أريد أن أحرمك من المعرفة –بالطبع- ولكن كثيرا من الأمور التي ترد في الصحف –بكل أسف- ليست دقيقة، وتؤدي إلى كثير من التوهمات.
رابعا: عليك أن تشد انتباهك إلى أمور الحياة الأخرى، أن تركز على عملك وعلى أسرتك، فهذا -إن شاء الله- يبعد انتباهك عن التركيز على المرض.
خامسا: أرجو أيضا أن تقوم بممارسة الرياضة، فهي -إن شاء الله- تشعرك بكمال الصحة وقوة الجسم وارتياح النفس.
سادسا: بالنسبة لعلاج هذه المخاوف، فـ(اللوسترال) و(البوسبار) أدوية جيدة، ولكن العلاج الأفضل هي الأدوية المضادة للمخاوف، وربما يكون الدواء الذي يعرف باسم (سبرلكس) هو الأفضل، سبرلكس جرعته هي 10 ملجرام ليلا، وهذه جرعة البداية، وتستمر عليها لمدة شهر، ثم ترفع الجرعة إلى 20 ملجرام ليلا، وتستمر عليها لمدة ستة أشهر، ثم خفضها إلى 10 ملجرام ليلا، واستمر عليها لمدة ستة أشهر أخرى، وربما لا يكون هنالك داع لتناول (البوسبار).
إذا كانت الضربات والخفقان تشتد لديك، فلا مانع من أن تأخذ الدواء الذي يعرف باسم (أندرال)، والجرعة هي 10 ملجرام عند اللزوم، وليس أكثر من ذلك.
بالنسبة للتغيير الوجداني الداخلي، أو ما يعرف بـ (التغيير المعرفي) يعتبر ضروريا، عليك أن تتأمل وتتصور وتقنع ذاتك بأنك في كامل الصحة، وهذا أمر ضروري جدا، لأن هذا التغيير المعرفي الداخلي يعتبر مكملا للعلاج.
للإجابة على أسئلتك، أولا -يا أخي- فارتفاع ضغط الدم منتشر، والآن هنالك إجماع كامل وسط الإخوة المتخصصين في علاج ضغط الدم، أن أي ارتفاع لضغط الدم أكثر من 130/80، على أن تكون هذه القراءة عدة مرات، وعلى أن يكون الشخص في أوضاع مختلفة، أي أن يكون في موضع الجلوس مرة، والانبساط مرة أخرى-، إذا كان هذا الارتفاع مستمرا، فهذا الشخص ربما يدخل في فئة الأشخاص الذين لديهم ارتفاع في ضغط الدم، علما بأن هذا الارتفاع يقسم عدة تقسيمات، هنالك منه البسيط، وهنالك المتوسط، وهنالك الشديد، وهنالك الشديد جدا، ولكل واحد منهم علاجه.
ولكن لابد أن أوضح أن هنالك ما يعرف بضغط الدم العصبي، وضغط الدم العصبي حقيقة هو أن بعض الأشخاص الذين لديهم القابلية للعصبية والتوتر والانفعال في مواقف معينة، ربما يرتفع لديهم ضغط الدم، خاصة الضغط الانقباضي، ولذا لابد أن يقاس ضغط الدم في أوقات الهدوء أيضا للتفريق بين الاثنين.
وهذا بالطبع يجيب على سؤالك الثاني، وهو أن القلق والتوتر يؤدي إلى بعض الارتفاع، خاصة في الضغط الانقباضي، ولكن الأشخاص الذين يرتفع لديهم ضغط الدم، نسبة للقلق والتوتر، هم في الأصل لديهم استعداد لأن يحدث لهم ارتفاع في الضغط في المستقبل، أرجو ألا تزعجك هذه النقطة، ولكنها حقيقة علمية لابد أن تطلع عليها.
أيها الأخ الفاضل! حتى وإن كان هنالك ارتفاع في ضغط الدم، فليس في هذا الأمر خطورة، فهو –كما ذكرت لك- أمر منتشر جدا، وعلاجه سهل وبسيط، هنالك بعض الناس يتم علاجه بواسطة تمارين الاسترخاء والهدوء وممارسة الرياضة وتخفيف الوزن، كلها إن شاء الله وسائل طيبة جدا، وإذا احتاج الإنسان للأدوية العلاجية فلا بأس في ذلك أبدا؛ لأن العلاج نعمة من نعم الله علينا، وقد أصبح الآن متطورا وسهلا وسليما.
أخي! لا أرى أن هنالك خطرا مطلقا على صحتك، وأسأل الله لك ولنا جميعا العفو والعافية والمعافاة في الدين والدنيا والآخرة.
وبالله التوفيق.