السؤال
السلام عليكم.
أنا فتاة متزوجة وعمري 30 سنة، متعلمة، لدي مشكلة في التواصل مع الناس، فأنا لا أجيد فتح الأحاديث، وليس لدي القدرة على تذكر المواقف والأحداث التي تحصل معي لأعيد ذكرها أمام الناس، كما أنني شديدة النسيان، فكل ما أقرؤه أنساه، وأنا خجولة وأرتبك كثيرا مع أنني أحدث نفسي كثيرا بهذا الموضوع، وأقول لنفسي إنه لا يوجد شيء يجعلني أخاف أو أخجل من أي شيء.
ولدي مشكلتان أحس أن لهما دورا كبيرا في مشكلتي، ولا أعتقد أن لهما حلا.
ـ الأولى هي: أن لدي وسواس النظافة، فأقلل زيارتي للناس وبالتالي تقل زيارتهم لي.
ـ والمشكلة الثانية هي: أني في مجتمع يتباهى بحسبه ونسبه وأصله وفصله، وأنا من أصل لا يرغب الكثير من الناس بمخالطته في المجتمع الذي أعيش فيه، وأسمع كلاما غير لائق عن هذا النسب والأصل، وتغيرات في وجوه الناس عندما يكون بينهم ناس من هذا النسب، ما الحل لكل هذا؟
أرجو مساعدتي.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ميللا ميللو حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،،،
فأريد أن أبدأ بالنقطة الأخيرة وهي ما ذكرته حول مشكلتك الثانية، وهي أنك تعيشين في مجتمع يتباهى بالحسب والنسب وأصله وفصله. هذا أختي الفاضلة حله بسيط جدا وهو تذكر دائما أن (( أكرمكم عند الله أتقاكم ))[الحجرات:13]، هذا أمر محسوم، وأنت يجب أن تبني مشاعرك الداخلية على هذا الأساس القرآني العظيم، وبعد ذلك سوف يهون عليك التعامل مع الآخرين، خاصة الذين يقيمون الناس حسب أنسابهم وأحسابهم.
أختي الفاضلة الكريمة: هذا الأمر من وجهة نظري يجب أن يحقر، هؤلاء الذين ينظرون إلى الناس بهذه المقاييس يجب أن يقابل مثل هذا المنهج من قبلك بكل تحقير.
أنا أعرف أنها قضية اجتماعية، ولكن الإنسان يقيس نفسه قبل أن يقيسه الآخرين، يقيم نفسه قبل أن يقيمه الآخرين، وما دمت تبتعدين عن الترفع دون أن تزكي نفسك بصورة خاطئة، فيجب أن لا يضيرك ما يقوله الآخرون، ويجب أن لا يكون شاغلا لك أبدا.
هذه هي الطريقة الصحيحة للتعامل مع مثل هذه المواقف، ودائما كوني مقدامة، دائما كوني فعالة، دائما قدمي للآخرين، حتى وإن لم تتحصلي على أي مكافأة أو حتى على كلمة طيبة منهم، ولا بد أن الخير سوف يأتي، ولا بد أن المكافأة سوف تأتي، ولا بد أن الشعور سوف يأتيك.
أيتها الفاضلة الكريمة: أنا أعتقد أن القلق العام الذي تعانين منه هو الذي أثر عليك وجعلك حساسة جدا حيال تعاملك مع الآخرين، أو أن وجهة نظرهم فيما يخص الحسب والنسب أخذت حيزا كبيرا في تفكيرك، وذلك نسبة لما تعانيه من القلق، وأنت ذكرت أنك شديدة النسيان وأنك خجولة، وأنك لديك مشكلة في التواصل مع الناس، ولا تجيدين الأحاديث بالرغم من إلمامك المعرفي، هذا كله دليل على القلق النفسي وليس أكثر من ذلك، وهذا القلق أخذ صورة من صور ما نسميه بالخوف أو الرهاب الاجتماعي من الدرجة البسيطة، وحتى وساوس النظافة هي أصلا دليل على الوجود القلق النفسي؛ لأن الوسواس حتى الآن يشخص تحت أمراض القلق النفسي وليس أكثر من ذلك.
أيتها الفاضلة الكريمة: يجب أن تفصلي ما بين مشاعرك وأفعالك، قيسي ما تقدميه لبيتك ولزوجك ولأولادك بالمقاييس المتوازنة، وسوف تجدي أنك قد أنجزت الكثير وأنك تقومين بالكثير، وحتى على النطاق الاجتماعي، حتى على نطاق التواصل مع الآخرين، أنا متأكد أنه توجد إيجابيات كثيرة جدا ولكن القلق هو الذي أنساك هذه الإيجابيات وجعلك تقللين من شأنها، وأعطاك الشعور بأنك غير مركزة، وأن أفكارك متطايرة ومشتتة، وأن النسيان هو الذي يسيطر عليك.
هذه المشكلة دائما نشاهدها مع الذين يعانون من القلق، وأنا أريدك حقيقة أن تصححي مفاهيمك وأن تضعي صورة إيجابية عن نفسك، وأن تديري وقتك بصورة أفضل؛ لأن الفعالية الاجتماعية تأتي من خلال إدارة الوقت بصورة طيبة. هذا إن شاء الله سوف يكون له عائد إيجابي جدا عليك.
لا شك أن حالتك تتطلب العلاج الدوائي، والعلاج الدوائي ذو قيمة كبيرة جدا لعلاج القلق والوساوس والتوترات. من أفضل الأدوية التي تساعد في حالتك دواء يعرف تجاريا باسم (سبرالكس Cipralex)، ويعرف علميا باسم (استالوبرام Escitalopram)، أرجو أن تبدئي في تناوله بجرعة عشرة مليجراما ليلا، يفضل تناولها بعد الأكل، استمري عليها لمدة شهرين، ثم بعد ذلك ارفعي الجرعة إلى عشرين مليجراما يوميا، واستمري عليها لمدة أربعة أشهر، ثم خفضي الجرعة إلى عشرة مليجراما ليلا لمدة ستة أشهر، ثم خفضيها إلى خمسة مليجراما ليلا لمدة شهر، ثم بعد ذلك توقفي عن تناول الدواء.
هذا الدواء دواء طيب واسترخائي ويزيل القلق والتوتر ويساعد في القضاء على الوساوس، ولا شك أنه سوف يشرح صدرك إن شاء الله ويحسن من تركيزك.
بالنسبة للوساوس، وساوس النظافة، هذه لابد أن تقاوميها، سوف أعلمك تمرينا بسيطا جدا: حاولي أن تضعي يدك تحت حذائك. أعرف أن ذلك قد يثير الكثير من الاشمئزاز والقلق، لكنه تمرين مهم وفاعل. وبعد ذلك انظري إلى يدك، ولا تقومي بغسلها مباشرة، انتظري خمسة دقائق، وبعد ذلك حددي كمية من الماء في كوب، وهذا ضروري جدا، ثم اغسلي يدك بصورة معقولة، كرري هذا التمرين بعد نصف ساعة، وهكذا، تكرار هذا التمرين مرتين في اليوم لمدة عشرة أيام يساعد كثيرا فيما يعرف بالوساوس النمطية الطقوسية المتعلقة بالأوساخ والنظافة.
وقومي بعد ذلك بالتطبيق العملي والواقعي في مقاومة هذه الوساوس، قولي لنفسك: (لا، أنا سوف أكون معقولة جدا في نظافتي، ولن أستجيب لهذه الوساوس، وأنا قد قمت بلمس أسفل حذائي قبل ذلك فهل يوجد أقذر من ذلك؟) وهكذا.
هذه التمارين فعالة جدا، وتكون نتائجها رائعة جدا إذا كانت تحت توجيه المعالج والمرشد النفسي، فإذا تيسر لك أن تقابلي أي خبير أو مرشد نفسي لا شك أن ذلك سوف يتأتى منه نتائج رائعة جدا.
هنالك تمارين الاسترخاء أيضا تفيد كثيرا في مثل هذه الحالات، وأنصحك بتطبيقها، ويمكنك أن تتحصلي على كتيب أو شريط أو سي دي يوضح كيفية هذه التمارين.
أيتها الفاضلة الكريمة: احرصي على أداء صلواتك وقراءة القرآن، فالقرآن يبعث الطمأنينة وحسن الذاكرة، (( واذكر ربك إذا نسيت وقل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشدا ))[الكهف:24]، وعليك أيتها الفاضلة الكريمة بالذكر والدعاء، وأن تكوني إيجابية في تفكيرك كما ذكرت لك، ولابد أن يكون هنالك نوع من التجاهل لكثير من مصادر القلق. الإنسان إذا استجاب لأي نوع من صعوبات الحياة التي تواجهه بقلق وتوتر لا شك أنه لن ينجز أي شيء، فنحن نحتاج لشيء من التجاهل، نحتاج لشيء من الصبر، ونحتاج كذلك للتفاعل، وكما ذكرت لك أنا على قناعة كاملة جدا بأن إدارة الوقت بصورة ممتازة تعود على الإنسان بإيجابيات كثيرة فيما يتعلق بصحته النفسية وتواصله الاجتماعي.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، ونشكر لك التواصل مع إسلام ويب.