السؤال
أبلغ من العمر 23 عاما، مشكلتي أن نفسي أمارة بالسوء، بالرغم من محافظتي على الصلوات الخمس والحمد لله، وأنا أحفظ من القرآن البقرة وآل عمران وآخر خمسة أجزاء من القرآن، ولكن بالرغم من تلك الطاعات أنغمس في شهوة النساء، بالرغم من أني خاطب منذ خمسة أشهر، ولكن الزواج سيكون بعد سنتين.
أشعر بالخجل الشديد من رب الأرباب، وهو يشاهدني وأنا أعصيه وأدخل على المواقع الإباحية، وهذا ليس باستمرار. وأتمنى أن أتوب وأرجع لطاعة الله التامة، وأتمنى أن أموت على طاعة الله، وأخاف أن أموت على معصية، كلما دخلت غرفتي وأختلي بنفسي أشاهد تلك المواقع القذرة. أسأل نفسي ماذا استفدت؟ لا شيء، أنا نادم أشد الندم، وكلما أتوب أرجع مرة أخرى. بالله عليكم ماذا أعمل؟
أرجوكم أخبروني ماذا أفعل؟ أتمنى أن أتوب عنها.
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ م ص ع حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يغفر لك، وأن يتوب عليك، وأن يعينك على نفسك الأمارة بالسوء، وأن يوفقك لتحويلها إلى نفس مطمئنة، وأن يجعلنا وإياك من صالح المؤمنين، وأن يرزقنا وإياك خشيته في الغيب والشهادة والسر والعلانية، إنه جواد كريم.
إني لأحمد الله تبارك وتعالى أنه ما زال فيك خير؛ لأن سؤالك واتصالك بهذا الموقع يدل على أن فيك خيرا كثيرا، وأنك لست مستريحا لما تفعله من المحاذير الشرعية، وأنك صادق في البحث عن حل لمشكلتك.
أخي الفاضل! إن الوحدة والغربة من أهم الأسباب التي تمكن الشيطان من الإنسان، ولذلك نهانا النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون الإنسان وحده أو أن يمشي وحده أو أن يسافر وحده، بل إنه قال صلى الله عليه وسلم: (من أراد بحبوحة الجنة فليزم الجماعة؛ فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد). وقال صلى الله عليه وسلم أيضا: (عليكم بالجماعة، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية). أو كما قال صلى الله عليه وسلم، فوحدتك وبعدك عن الناس خاصة في جنح الليل البهيم هو الذي يجعلك تضعف أمام ضربات الشيطان وطعناته القوية المدوية.
ولذلك أحب أن أقول لك بداية: إن حل مشكلتك ليس مستحيلا، ولكنه يحتاج إلى همة وعزيمة وصدق إرادة، لأنك لا يمكن أن تتغير دون أن تكون أنت الراغب في ذلك؛ لأن الله وضع قوانين في دينك، ووضع لنا نصوصا في كتابه، حيث قال سبحانه جل جلاله: (( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ))[الرعد:11]. فإذا لم تسع في تغيير نفسك فلن يمدك الله بعون أو مساعدة؛ لأن الأمر بمقدورك، ولو خرج عن إرادتك ودعوت الله تعالى لاستجاب الله لك، وأما هذا الأمر بمقدورك ومقدور كل أحد، فأنت الذي تدخل على تلك المواقع، وأنت الذي تفتحها بنفسك، وأنت الذي تغلقها بنفسك، فالأمر كله تحت سيطرتك وفي مقدورك، ولذلك حلا لهذه المشكلة أنصحك بالآتي:
الأمر الأول: أن تعلم أنه لن ينقذك أحد إلا نفسك، بمعنى: أنه إذا لم تكن أنت حريصا فعلا على إنقاذ نفسك وإخراجها من هذه الدوامة المؤلمة ومن هذا المستنقع، فثق وتأكد من أنه لن يمكن لأي أحد كائنا من كان أن يساعدك؛ لأن المعاصي التي تفعلها معاص سرية ليست بمعاص علنية، حتى ينكر الناس عليك فيها، وإنما هو أمر أنت تفعله فيما بينك وبين الله، فلابد من قرار شجاع وجريء وقوي بالتوقف والتخلص من هذه الأشياء.
ثانيا: مما يعينك على ذلك إخراج هذا الجهاز من غرفتك، فما الذي يجعلك تحتفظ بهذا الجهاز وأنت تعلم أنه خطر عليك وعلى دينك؟ خاصة وأنك بالليل قد لا تكون في حاجة إليه، فلو أنك أخرجته ولو على الأقل في فترة الليل من غرفتك حتى إذا ما جاءك الشيطان ليزين لك كان هذا المنفذ إلى المعصية كان بعيدا عنك. وقد تقول: بأن هذا أمر فيه صعوبة، ولكني أقول: رغم أنه صعب إلا أنه ممكن، فمن الممكن أن أخرج هذا الجهاز من غرفتي، حتى أنام وأنا مطمئن، حتى إذا حاولت نفسي الأمارة بالسوء أو الشيطان الرجيم التآمر علي فلن تكون هناك الوسيلة التي من خلالها يتمكنان مني.
إذن: أخرج هذا الجهاز بارك الله فيك من غرفتك حتى على الأقل إذا لم تخرجه بصفة نهائية فأخرجه بالليل، حتى تقضي على حلم الشيطان في إفسادك؛ لأن السلاح الذي يستعمله ضدك لن يكون موجودا، هذا عامل من العوامل وإن كان أقل من العامل الأول في الأهمية، ولكنه مفيد خاصة في المرحلة الأولى؛ لأنك قد تضعف كما ضعفت في المرات السابقة.
ثالثا: حاول أن تستبدل هذا الجهاز بأشياء مفيدة، فما المانع أن تحضر بعض الكتيبات أو الكتب أو القصص الجيدة، تقضي معها الوقت الذي تكون فيه وحدك في غرفتك؛ لأنه مما لا شك فيه قد تكون هناك مساحة من الوقت، وهذه المساحة هي التي يستغلها الشيطان، فلماذا لا تحاول بارك الله فيك أن تستغلها في شيء نافع؟ ولو في قراءة قصص أدبية أو التاريخ، أو السيرة النبوية المباركة، أو سيرة أصحاب النبي الكريم محمد عليه الصلاة والسلام، أو سيرة أي أحد من عظماء العالم، أو غيرهم، المهم أن تقضي وقت فراغك في شيء ليس بحرام، ويعود عليك بفائدة إن لم تكن دينية فهي دنيوية، وأعتقد أنها دينية أيضا؛ لأنك تحفظ بها وقتك من أن يستعمل في معصية الله تعالى.
رابعا أخي الكريم المبارك! لا تدخل إلى غرفتك إلا إذا شعرت بالنوم الشديد، حتى إذا ما وضعت رأسك ذهبت في سبات عميق، لأنك عندما تدخل مبكرا وتكون في نشاط وحيوية فإن النوم لن يأتيك بسهولة، وهذا الذي يسهل وقوعك فريسة للشيطان والنفس والهوى، وأما إذا حرصت ألا تدخل غرفتك إلا عندما تشعر بالحاجة الشديدة فعلا إلى النوم فإنك بذلك ستكون قد قضيت على الوقت الذي كان يستخدمه الشيطان ضدك.
خامسا: عليك بأذكار الصباح والمساء، خاصة أذكار النوم، وحاول أن تنام على وضوء، وأن تعرف هدي النبي عليه الصلاة والسلام في النوم، وأن تحفظ الأذكار، أو تردد الأذكار حتى ولو من ورقة التي وردت في هدي النبي عليه الصلاة والسلام في النوم، فبها يحفظك الله تبارك وتعالى، وتظل ليلك كله آمنا مطمئنا، ولا تأتيك أحلام مزعجة ولا رؤى مؤلمة، لأنك في حماية الله وحفظه، كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام من أن الله يجعل لك ملكا ما بين ثيابك وجلدك.
سادسا: حاول أن تبحث عن صحبة صالحة تتأسى بهم في حياتك وتتعلم منهم؛ لأنه كما يقال: الصاحب ساحب. والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل).
سابعا: عليك باستغلال الفراغ الذي لديك في طلب العلم الشرعي، فإن هذا أمر عظيم وسهل ميسور هنا في قطر للجميع، ولله الحمد والمنة. فلديك إدارة الدعوة لديها الكثير من البرامج الرائعة التي من الممكن أن تستفيد منها فائدة عظيمة في دينك ودنياك، وهناك المؤسسات الخيرية أيضا المنتشرة في قطر التي تقيم دورات شرعية، يقبل عليها عدد كبير من الناس، ويستفيدون منها فائدة عظيمة. فأنا أنصحك بالانضمام إلى مثل هذه الأنشطة الدعوية الكبيرة.
أسأل الله أن يطهر قلبك، ويحصن فرجك، ويحفظ عينك، ويجنبك الفواحش والفتن ما ظهر منها وما بطن.
هذا وبالله التوفيق.