السؤال
السلام عليكم.
كيف نتعامل مع فتاة تريد الحرية التامة في تصرفاتها مثل الخروج وقتما تشاء والدخول وقتما تشاء، تتحدث إلى الشبان عبر الهاتف والنت، تخرج للنزهة دون علم والديها، وتدخل صديقاتها للبيت رغم رفض والدتها، لا تساعد في عمل البيت الذي جعلته مكانا للنوم والاستحمام والأكل دون بذل أي مجهود فيه، إضافة إلى طلب المصروف كحق من حقوقها، وعندما تتدخل الأم بالنصح تارة واللوم تارة أخرى لا يجدي ذلك نفعا؟
أخيرا قررت الأم المقاطعة النهائية لهذه الفتاة، وتبرأت منها؛ لأن كل الطرق باءت بالفشل معها، وأن هذه الفتاة لا تكترث لذلك، بل قاطعت هي الأخرى أمها ولم تعد تكلمها، وتمادت في تصرفاتها من جعل المنزل مكانا للراحة والاستجمام دون تحمل أية مسئولية أو مشاركة إيجابية لباقي أفراد الأسرة، وهي لا تكلم أمها مطلقا، فما الحل؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخت الفاضلة/ أم نعمان حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، ونسأل الله تعالى أن يصلح لك ابنتك وأن يغفر لها وأن يتوب عليها، وأن يصلح ما بينكما، إنه جواد كريم.
وبخصوص ما ورد برسالتك فإن مما لا شك فيه أن الإقامة في بلاد الغرب لها ضريبتها الفادحة والكبيرة والعظيمة جدا؛ إذ أن هذه البلاد كما لا يخفى عليك تسيطر عليها نزعة العولمة، وفكرة فصل الدين عن الدنيا تماما، ونستطيع أن نقول الآن بأن بلاد الغرب ليسوا على شيء، فهم ليسوا نصارى كما كان أجدادهم وآباؤهم سابقا، وإنما أصبحوا الآن بلا دين، توجههم، تصرفاتهم، وتؤثر فيها تلك النزعات والرغبات البهيمية الشهوانية، البحث عن الطعام، البحث عن الشراب، البحث عن الاستمتاع النفسي والمتنزهات والحفلات، كذلك أيضا البحث عن الجنس بكل صوره وأنواعه المعقولة واللامعقولة.
فهذه الفتاة تريد أن تحيا حياة بعيدة عن ضوابط الشريعة والأخلاقية والقيمية، فهي تريد الحرية التامة في تصرفاتها، حتى ترغب أن تخرج كما تشاء وتدخل وقت ما تشاء، وتتكلم مع الشباب على الهاتف والنت، وتخرج دون إذن والديها، وتدخل صديقاتها البيت رغم رفض والدتها، ولا تساهم في أعمال البيت؛ مما يترتب عليه أن الوالدة تبرأت منها بعد أن باءت كل المحاولات معها بالفشل، فقامت البنت بمقاطعة الأم هي الأخرى ولا تكلمها، وتمادت في تصرفها، وتسألين ما هو الحل في هذه المشكلة؟
أقول أختي الكريمة الفاضلة: إنه مما لا شك فيه أن التربية في الغرب أو الإقامة في الغرب لها ثمنها الفادح، فهذه التصرفات ما كانت لتحدث أبدا في بلاد المسلمين، ولكن النظام في الغرب يقوم على إطلاق الحريات بلا أي قيد، خاصة فيما يتعلق بحرية المرأة، لأنهم ينظرون إليها على أنها ظلمت عبر التاريخ؛ ولذلك أطلقوا لها العنان تفعل ما يروق لها، وهذه التربية مع الأسف الشديد تربية موجهة من كل المؤسسات التربوية الموجودة، فالدولة تحض على ذلك عبر مؤسساتها التعليمية ومؤسساتها الإعلامية ومؤسساتها الاجتماعية أن تطلق العنان لهذه الحرية المسعورة لتفعل ما تشاء وتسامر من تشاء، وكأن القوانين تخدم هذا التوجه.
فهذه الابنة قطعا نشأت في هذه البلاد ولعها وجدت فيها، وبدأت تنظر يمينا ويسارا فوجدت أن هذا هو منهج المدرسة، ومنهج الشارع، ومنهج التعليم، ومنهج الإعلام، فبدأت تتصرف كما يتصرف كثير من أبناء البلاد الأصلية الذين ليسوا من المسلمين، وهذه المشكلة ليست مشكلة لهذه الأسرة وحدها، وإنما مشكلة السواد الأعظم من المسلمين المهاجرين لهذه البلاد؛ حيث إنه يفرض عليهم أن يعيش أبناؤهم بهذه الكيفية وبهذه الطريقة.
نعم هم لا يجبرونهم بالقانون ولكن إذا اشتكت البنت أدنى شكوى حدثت هناك مشاكل كبيرة للأسرة، قد يترتب عليها ما لا تحمد عقباه، وبذلك نجد أن الأسرة المسكينة تحاول أن تلملم جراحاتها وتصبر على مصائبها ولا تتكلم في هذه القضية مع أحد، مخافة أن يتم تفتيتها وتشتيت شملها.
أقول: هذه المشاكل موجودة - كما ذكرت - وليست خاصة بابنتك، وإنما هي مشاكل عامة، والذي ساعد على ذلك وقواه وأدى إلى وجوده بهذه الطريقة إنما هو عدم اهتمامنا بالتربية في مرحلة الطفولة المبكرة، فمع الأسف الشديد أن معظم المسلمين يرى أن الطفل الصغير هذا لا يحتاج إلى أي توجيه، وإنما يكفي أن يربى تربية تلقائية يتعلم أو لا يتعلم، يتعلم ما يشاء، يتعلم من الإعلام أو من الأسرة أو من غيرها، ولم تقم الأسرة بوضع منهج دقيق لإخراج أولادهم بمواصفات معينة؛ ولذلك أنا أتصور بأن هذا الإهمال الذي تم في مرحلة الطفولة المبكرة هذه الأسرة تدفع ثمنه الآن؛ لأن البنت خرجت والإيمان لديها ضعيف، ولكن الرغبات المسعورة موجودة بكثرة ومدعومة من مؤسسات الدولة، وبذلك انطلقت هذه الانطلاقة، ولن تتوقف إلا أن يشاء الله تبارك وتعالى أمرا.
أما كيفية مواجهة هذا الأمر، فأنا أرى من خلال الرسالة كما فهمت أن الوالد ليس له دور، وهذا خطأ فادح؛ لأن الأطفال وهم في مرحلة الطفولة المبكرة لا يحتاجون إلى تدخل الأب كثيرا، أما في مرحلة المراهقة والآن هذه الفتاة دخلت في مرحلة الأنوثة الكاملة لابد من دور للأب، ولا ينبغي أبدا أن يترك الأب الزوجة وحدها تواجه هذا العنت وهذه المشقة، فلابد له من دور قوي وفعال، وإلا فالأمر ليس بالسهولة التي يتصورها أحد.
ثانيا: أنصح أن تحاول الأم بأن تتواصل مع ابنتها وأن لا تقطعها؛ لأن القطيعة إنما هي دفع لها في الاتجاه المعاكس، فهي الآن تريد أن تتكلم مع أحد، وأنت لا تتكلمين معها، فبالتالي ستبحث عن قريناتها وعن زميلاتها ممن هم في نفس هذه المشاكل، بل وممن يشجعونها على ذلك، وقد يكونون من غير المسلمين، وبذلك ندفع نحن بابنتنا في الاتجاه المعاكس تماما.
أنا بذلك أنصح ضرورة أن يتدخل أحد بين الأم وبين ابنتها، وأن يتكلم معها، وأنه لا ينبغي ولا يجوز وأننا من المسلمين، وأن المسلمين لهم كذا وكذا وكذا، وتحاول أن تأخذها برفق ولين، وأتمنى أن تقبل الأم منها أي اعتذار، وأن تحاول فتح صفحة جديدة معها، وأن تجلس معها إذا قدر الله هذا اللقاء بأن تضمها إلى صدرها وتحتضنها، حتى تشعرها بالعطف والحنان، ولا تعاتبها في ذلك، تقول لها: (تعالي ابنتي نفتح صفحة جديدة مع بعض، ونتعاون مع بعض، وأنا واثق أنك إنسانة رائعة، وإنسانة عظيمة، وإنسانة نظيفة) وتحاول أن تكثر من الثناء عليها حتى تشبع وترضي غرورها.
إذن هذا الأمر سهل، الأمر الأول لابد من تدخل الوالد، والأمر الثاني كما ذكرت نحاول إغلاق ملف القطيعة، وذلك عن طريق تدخل بعض الأفراد؛ لأني أريد أن أحفظ للأم ماء وجهها؛ لأنها إن ذهبت للبنت واعتذرت لها فقد تتمادى البنت أكثر وأكثر، وإنما عندما يتدخل طرف آخر سواء كان أخت البنت أو سواء كانت عمة أو خالة أو جارة البنت، بشرط أن تكون عاقلة تتكلم معها، وتقول لها أنت أخطأت، وكيف أنك تتركين أمك وتقاطعينها، وهي قطعا ستقول أمي قاطعتني، نقول لها حتى وإن قاطعتك أمك أنت لا تقاطعيها، ومحاولة البحث عن بديل أيضا، إذا كان هناك أحد الجارات الصالحات - وقطعا لديكم قدر من الصالحين - تحاول هذه الأم أن تربط هذه البنت بأمثال هؤلاء الفتيات الصالحات؛ لعل الله تبارك وتعالى أن ينتشلها مما هي فيه.
أخيرا الدعاء؛ فإن الدعاء كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يرد القضاء إلا الدعاء) وقال أيضا: (إن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل) فأنا أوصي هذه الأم بالدعاء والإلحاح على الله بالدعاء مع البكاء أن يصلح الله لها ابنتها وأن يعافيها، وأن يذهب عنها كيد شياطين الإنس والجن، وأن يوفقها لاختيار حياة موافقة لشرع الله تعالى وبعيدة عن معصيته، إنه جواد كريم.
وبالله التوفيق.