السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا فتاة أبلغ من عمر (24) سنة، انفصل والداي حين كنت فتاة صغيرة جدا، سكنت عند والدتي ثم تزوج أبي فقامت أمي بالزواج لتنتقم منه، وقامت بالتنازل عن حضانتي لأبي، وكانت جدا باردة من ناحيتي لا تهتم بي، ولا تسأل عني، أنا أعلم أنها تحبني، ولكنها كانت قاسية في تلك الفترة.
عشت مع والدي في حالة من التوتر والنقص لمدة (15) سنة بسبب المشاكل بينه وبين زوجته، وكانت هي تنتقم منه بي! فكانت تسبب مشاكل بيني وبين والدي، فأصبحت أحس أني بلا أب أو أم أو أخت، لا أحد طوال الوقت يهتم بي، وأشعر بنقص عاطفي شديد وحرمان لا أستطيع وصفه، مما أدى ذلك بأن يصبح تفكيري دائما بالزواج، وأنه الحل الوحيد لتعاستي، فبالزواج أستطيع تعويض النقص والحرمان، وتكوين أسرة، والإحساس بالانتماء، فكنت أدعو الله في كل لحظة وحين بأن أتزوج بأسرع ما يمكن، حتى أصبح الزواج هاجسا في حياتي لا أستطيع نزعه من عقلي.
في الفترة الأخيرة -الحمد لله- تحسنت علاقتي مع أمي وأبي، ومن الله علي بوظيفة جيدة وصحبة صالحة، وتقربت من الله كثيرا، والتزمت في الدين، فأصبحت ألبس العباءة، ولا أتبرج، وأحافظ على الصلوات المفروضة وصلاة الضحى وقيام الليل، والصدقات والاستغفار، وتطوعت في المراكز الدينية، ودائما أحضر مجالس الذكر وأشعر فعلا بأن حياتي اكتملت، ما عدا أني لم أتزوج حتى الآن، مع أني أدعو الله وأتذلل إليه في كل وقت.
أنا أعلم بأن الله قدر لي الخير بأن منع عني الزواج حتى الآن؛ لأنه الحكيم الخبير، ولكن كيف أستطيع أن أنزع الزواج من عقلي؟ فأنا أفكر به في كل وقت، لا تمر ساعة لا أفكر بها في الزواج، فهل هذا طبيعي؟ لأني أشعر بحزن شديد أني متعلقة بالزواج إلى هذه الدرجة، مع أن الله من علي بأمور كثيرة، -ولله الحمد-، ولكن عدم تزوجي يشعرني بالحزن.
عندما أفكر بأنه ربما لم يقدر لي الله أن أتزوج لأنه ليس هناك خير في ذلك، أشعر بتعاسة كبيرة وإحباط ويأس؛ لأن عقلي أرتبط منذ الصغر بموضوع الزواج.
ماذا أفعل؟ هل أذهب إلى دكتور نفسي لكي يساعدني أن أنزع التفكير بالزواج من رأسي؟ وهل هناك طريقة تجعلني أنسى أمر الزواج أم هذا كله طبيعي؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ منى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
بارك الله فيك وجزاك الله خيرا، ونشكرك كثيرا على تواصلك مع إسلام ويب.
المراحل الحياتية والتربوية التي مررت بها فيها شيء من السلبية، ولكن -الحمد لله تعالى- استطعت أن تتخطي كل الصعوبات، والآن أرى أنك متوائمة ومتوافقة جدا مع ذاتك، وبالطبع أعجبت كثيرا لمقدرتك على أن تتحسن علاقتك مع أمك وأبيك، وهذا شيء حقيقة يحسب لك، وأسأل الله تعالى أن يجعل ذلك برا من جانبك، وأن تستمر هذه العلاقة في التحسن.
الشيء الإيجابي الآخر والذي يجب أن نثمنه كثيرا هو التزامك بالدين، هذا -إن شاء الله- يفتح لك آفاقا كبيرة في الدنيا والآخرة بإذن الله تعالى.
أمر الزواج هو أمنية لكل امرأة عانس، وأعتقد أن هذه أمنية مشروعة جدا، وأنت بالنسبة لك تصورت أن الأمر هذا قد أصبح شاغلا ومستحوذا على أفكارك، لدرجة سببت لك الضيق والإزعاج والتوتر وعدم الارتياح.
هنالك حالة نفسية نسميها بالاستحواذ القهري، بأن تكون هناك فكرة معينة تسيطر على الإنسان لدرجة الإعاقة، وأنا لا أعتقد أنك وصلت إلى هذه الدرجة، أي لدرجة الاستحواذ القهري، لكن ربما أيضا يكون تفكيرك قد أصبح فوق المعدل الطبيعي الخاص بأمنية كل شابة في الزواج من زوج صالح وطيب.
هنا أدعوك لشيء من التوازن، وقولي لنفسك هذه أمنية، وهي أمنية طيبة جدا، ولكن هذه الفكرة يجب أن لا تستحوذ على أفكاري، الأمور كلها بيد الله تعالى، ومتى شاء الله تعالى سوف يأتيني الزوج الصالح، وأنت الحمد لله تعالى ملتزمة بالتزامك الديني، وإن شاء الله تعالى يكون فاتحة لك لأن يأتيك الخطاب من الرجال الصالحين.
أجري حوارا مع نفسك، لا تغلقي على نفسك وتستسلمي لهذه الفكرة الاستحواذية، وإن كان الاستحواذ أراه هو بنسبة بسيطة، وليس بنسبة مطبقة، إذن ناقشي الفكرة فمناقشة الفكرة وردها هو الوسيلة الأفضل، ونحن هنا لا ندعوك أبدا أن ترفضي الفكرة بل على العكس تماما الذي نريده هو أن تخضعيها لشيء من المنطق، وأنا أقول لا تجعليها تعطل حياتك أبدا، هذا هو العلاج.
أعتقد أن ذلك سوف يكون -إن شاء الله تعالى- مجديا، ولا نريدك أن تنسي أمر الزواج، لماذا تنسي أمر الزواج والزواج أمنية، والزواج أمر طيب، إنما الذي عليك أيضا هو الدعاء والتضرع لله تبارك وتعالى أن يرزقك الزوج الصالح، وأن يجعل لك ما هو خير.
هذا طبيعي جدا من وجهة نظري -أي أن تتمنى الفتاة الزواج، وأن تدعو الله أن يهب لها الزوج الصالح- وهذا لا يخرج أبدا من نطاق سلوك الإنسان الطبيعي، بل السلوك الإنساني المحبب، وفي نفس الوقت أنت الآن رزقت بوظيفة -والحمد لله تعالى- ولديك الكثير الذي تقوم به فاستفيدي من وقتك بصورة إيجابية، واجعلي صحبتك من الصالحات من النساء، وانضمي لمراكز تحفيظ القرآن، وانخرطي في العمل الخيري والتطوعي؛ فهذا كله يزيد من درجة الرضا الداخلي لديك، ويؤدي إلى المزيد من الاستقرار النفسي.
في مثل هذه الحالات أحيانا ننصح بتناول دواء بسيط جدا، دواء يقلل من الدافعية وكثرة التفكير والاستحواذ حول أمر معين.
أعتقد أن في حالتك يمكن تناول عقار بروزاك Prozac، والاسم العلمي هو فلوكستين Fluoxetine وذلك ليقلل هذه الاندفاعات، والدواء يعرف عنه سلامته وفعاليته، وأنه لا يسبب الإدمان، ولا يسبب أي تأثير على الهرمونات النسوية، وأنت محتاجة أن تتناوليه فقط لمدة ثلاثة أشهر، والجرعة كبسولة واحدة يوميا، يفضل تناوله بعد الأكل.
بارك الله فيك وجزاك الله خيرا، ونسأل الله تعالى أن يرزقك الزوج الصالح.
وبالله التوفيق والسداد.