السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لا أعرف من أين أبدأ؟!
أنا فتاة أبلغ من العمر (22) سنة، شخصية مرحة بشكل عام، أعاني من مشكلة وهي أني عندما أتشاجر مع أحد أو يحدث نقاش حاد جدا لا أعاود مكالمة من تشاجرت معه، حتى يأتي إلي ويكلمني، ولو لم يأت ويكلمني لا أكلمه لفترات طويلة، ولو استمر الموضوع أسابيع وأشهر!
لا أستطيع المبادرة أبدا مهما كان، لأني أشعر بأن هذا ضغط، وجرح لكرامتي, وهذا الموضوع يعتبر أكبر العيوب في شخصيتي، والمشكلة الأكبر أن هذا الموضوع يحدث مع أهلي! أشعر بضيق وأعرف أن هذا حرام، ولا تجوز القطيعة بين المسلمين، فما بالكم بالأهل!
مع العلم أنا لست سريعة الغضب، ولا أطالب بالاعتذار، ولو كان الخطأ من الطرف الآخر، ولا أشعر بالحقد، ليست لدينا في البيت ثقافة الاعتذار أبدا، ربما يكون هذا هو السبب؟ فهل أنا مريضة مغرورة؟ وماذا يسمى هذا في علم النفس؟
شاكرة لكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ gardenia حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فلا أرى أنك مريضة حقيقة، فالذي تشتكين منه هو ظاهرة من الظواهر النفسية، وهذه متعلقة بشخصيتك، فسمات شخصية الإنسان قد تحمل القلق، قد تحمل التوتر، الوساوس، المخاوف، العناد، الاعتمادية، سرعة الانفعال، الغضب، الكتمان... هنالك عدة سمات وعدة أوصاف قد تتصف بها شخصية الناس.
إصرارك على عدم الاعتذار أو أنك لا تحبين أن تأخذي المبادرات في حالة الخصومة والشجار، هذا لا يعتبر نوعا من الغرور، لكنه بالطبع سمة ليست طيبة، فيجب على الإنسان أن يتدارك نفسه ويعرف أن التسامح ويعرف أن الصلة الطيبة بين الناس فيها أجر عظيم، وبجانب ذلك هي تبني شخصية الإنسان بصورة إيجابية جدا.
الحالة هذه - أي إصرارك على أن لا تكلمي من يتشاجر معك لفترة طويلة - ربما تكون ناتجة من بعض خبرات الطفولة السابقة.
هنالك حالة تعرف بالعناد الشارد تصيب الأطفال، أي أن يكون الطفل معاندا، أن يكون الطفل لا يحس بالأمان، أن تكون له قناعات سلبية جدا حول السلطات - أي السلطات الوالدية أو المجتمعية أو حتى سلطة الرفاق - هذا الطفل قد يلجأ إلى العناد، مثل هؤلاء الأطفال، عدد كبير منهم جدا يبدأ يتطور عناده في مرحلة اليفاعة وبدايات الشباب إلى اللجوء إلى سرعة الخصومة، وعدم التنازل كجزء من مقومات الشخصية.
الكلام الذي أقوله لك هو كلام قائم على دراسات، وكلامي كلام افتراضي ربما لا ينطبق عليك أيتها الفاضلة الكريمة، لكن من ناحية أخرى هو الأقرب للتفسير، أي أن عناد الطفولة تحول إلى خصومة في المرحلة العمرية التي تعيشين أنت فيها، وهذه تعتبر أيضا -إن شاء الله- مرحلة عرضية، والإنسان حين يعرف عيوبه ويعرف مشاكله.
هذا يمثل جزءا كبيرا جدا من الحل، ويمكن للإنسان أن يستدرك ويغير من طباعه.
أولا أنا أنصحك أن تكوني مستمعة جيدة؛ لأن الإنسان حينما يكون مستمعا جيدا سوف يكون محاورا جيدا، وحين يكون الإنسان محاورا جيدا غالبا لا يلجأ للخصومة، ولا يلجأ للعناد.
نصيحتي لك هي أن تحاولي أن تتجنبي هذه الخصومات في وقتها، أي قبل أن تقع، إذا اختلفت مع شخص في الرأي يجب أن تحلي معه المشكلة والموضوع في نفس اللحظة؛ ذلك لأنه من طبعك ومن سماتك أن لا تكلمي هذا الشخص إذا رأيت أنه قد أساء إليك أو أنه قد عاملك بصورة غير طيبة وذلك من خلال التشاجر والذي هو أصلا سمة ليست طيبة.
لا تتركي الأمور معلقة، لا تؤجليها، فتأجيلها هو الذي يبني لديك سمة الاستمرار في الخصومة وعدم التنازل، حل الأمور في وقتها وتجنب الاحتقانات هو حل هذه الأشياء.
أنصحك أيضا بأن تغيري نفسك معرفيا، وأقصد بالتغيير المعرفي: أنت مدركة بأن القطيعة لا تجوز بين المسلمين، وأنها سمة ليست طيبة، لكن أعتقد أنه من الناحية المعرفية لم تضعي الأمور في نصابها، لم تعطها حقها الحقيقي.
إذا نظرت إلى هذا الأمر كأمر فظيع وكأمر غير مقبول، ويجب أصلا أن لا يحدث، وإذا حدث يجب أن يتم تداركه وتصحيحه، أعتقد أن ذلك سوف يساعدك.
نصيحتي الأخرى لك هي أن تكوني معبرة عن ذاتك، لا تتركي الأمور البسيطة تتراكم ويحدث لك احتقان داخلي، فالسكوت على الأمور البسيطة التي لا ترضي يؤدي إلى التشاجر ويؤدي إلى التوجهات والمشاعر السلبية حيال الآخرين مما ينتج عنه هذا الذي يحدث لك.
أنصحك بأن تنخرطي في أي عمل خيري، فالأعمال الخيرية تعلم الإنسان التسامح، وتعلمه كيفية التعامل مع الآخرين، مهما كانت أحوالهم، ومهما كانت أخطاءهم، ومهما كانت حاجاتهم، هذه مهمة جدا.
كوني دائما في الصفوف الأولى، احضري المحاضرات، كوني في مراكز تحفيظ القرآن، هنا يلتقي الإنسان -إن شاء الله- بالصحبة الطيبة، وهذا أيضا يؤدي إلى تفكير إيجابي متسامح جدا.
لا أعتقد أنك في أي حاجة إلى أي علاج دوائي، وأنا أقول لك بأنك لست مغرورة وأنت مدركة تماما أن من تواضع لله رفعه.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، ونشكرك على تواصلك مع إسلام ويب.