أخشى على إخوتي الصغار من تربية والدتي

0 441

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أشكركم على إتاحة الفرصة لطرح تساؤلي، وقبل ذلك على إفادتنا من خلال متابعتي منذ فترة طويلة، وجزاكم الله عنا خير الجزاء.

المشكلة أن لدي إخوة أصغر مني، وألاحظ في والدتي أنها تسيء تربيتهم، وذلك باستخدام الكذب، وتجعلهم دائما يعيشون في خوف وقلق، وعندما أنصحها -بتلطف طبعا- تقول لي الخوف طريق السلامة، وغير ذلك من الأمثلة، وعندما يقول لها أحد الصغار أنت تكذبين (بعد كشفها أو معرفتها) تؤنبه وتصفه بالعاق، وأنا استشعرت كل ذلك، لأنني قد عانيت منه في طفولتي، حيث كانت بداية طفولتي بداية انحراف، فكنت أخرج من المنزل بالأسابيع دون معرفة والدي عن مكاني، ولكم أن تتخيلوا الباقي -حتى في حياتي- فقد تعودت أن تكون تعاملاتي مع الأشخاص الصادقين فقط، أولئك الذين أعرفهم من أول نظرة، ويقبضني قلبي عند الحديث مع غيرهم، ولكني -ولله الحمد- تغلبت على كل مخاوفي، وذلك بتقوى الله، ومحاولتي بر والدي، فهما شخصان مؤمنان بالله، ولا أزكي على الله أحدا، ولكن -بفضل من الله- ثم بكونهما قدوة طيبة لإخوتي.

وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ ميسر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبارك فيك، وأن يثبتك على الحق، وأن يهديك صراطه المستقيم، وأن يعينك على التخلص مما لا يرضيه، وأن يوفقك لانتشال إخوانك الصغار من هذه الآفة التي قد يتعرضون لها بسبب تصرفات والدتك -غفر الله لنا ولها-.

أخي -الكريم الفاضل-: إنه مما لا شك فيه أن الكذب من أخطر الآفات، ولذلك سئل النبي صلى الله عليه وسلم: (هل يكون المؤمن جبانا؟ قال: نعم. هل يكون بخيلا؟ قال: نعم. هل يكون كذابا؟ قال: لا)، والنبي -صلى الله عليه وسلم- أيضا وقف أمام هذه الآفة موقفا عظيما وحاسما وقويا، حيث إنه أخبر فقال: (إن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا) إلى غير ذلك مما لا يخفى عليك ولا على أحد من عامة المسلمين.

ولذلك فإن هذا الأسلوب الذي تستعمله والدتك له خطورة عظيمة على مستقبل أبنائها الذين هم إخوانك، فكل من يتأثر بهذا الأسلوب ويتحمل مكروب تلك الآفة التي هي الكذب فإنه سيفقد ثقة الناس فيه مع الزمن، سواء أطال أم قصر، وأول من يفقد الثقة فيه أقرب الناس إليه، فإذا كان زوجا ستفقد زوجته الثقة فيه، وإذا كان أبا سيفقد أبناؤه ثقتهم فيه -كما هو حال إخوتك الآن مع والدتك- وإذا كان مسئولا فسيفقد من يتعامل معهم من المرؤوسين الثقة فيه، وإذا كان زميلا أو صديقا فإن هؤلاء قطعا سيفقدون الثقة فيه، وبالتالي سوف يحاصر محاصرة عظيمة وقوية وشديدة قد تؤدي به إلى التوتر والاكتئاب وانعزال المجتمع بالكلية؛ لأن المجتمع لن يثق فيه بحال، لأن الكذب يجعل صاحبه مذموما من كل من يتعامل معه.

ومن هنا فإني أقول لك: كما أن الله -تبارك وتعالى- قد من عليك بالعافية، فأتمنى أن تسلك مع إخوتك نفس الطريق الذي سلكته، وأن تحاول أن تزودهم بالمهارات والمعارف التي تجعلهم في عافية من التأثر بهذه الآفة المقيتة، وفي الوقت ذاته أيضا تحاول مع والدتك بنصحها بما يليق بمقام الأمومة والحرص على عدم إزعاجها، ولكن تذكيرها بكلام الله تعالى وكلام النبي -صلى الله عليه وسلم-، والآثار المترتبة على ذلك بالنسبة لإخوتك في مستقبلهم وحاضرهم وفي دنياهم وآخرتهم، وعليك أن تتواصل بقوة مع إخوتك، وأن تحتويهم، وأن تضمهم إليك، وأن تحاول أن تزرع فيهم صفة الصدق، وأن تقاوم فيهم الميل إلى آفة الكذب، وأن تبين لهم الآثار المترتبة عليها، وأن تعلمهم ما يستطيعون به أن يميزوا ما بين الصادق والكاذب، كما من الله -تبارك وتعالى- عليك بذلك.

أخي الفاضل: إن عليك مسئولية كبيرة تجاه والدتك -غفر الله لها- وتجاه إخوانك -هدانا الله وإياها صراطه المستقيم- لا تتوقف عن نصيحة الوالدة ولكن بما يليق بمقام الأمومة، ولا تتوقف أيضا عن مساعدة إخوتك بكل ما أوتيت من قوة، وحاول دائما أن تفند لهم تصرفات الوالدة، وأن تبين لهم أن الوالدة معذورة؛ لأنها ضحية تربية كانت هذه هي طبيعتها، وأن أمكم امرأة فاضلة وعلى قدر من التقوى والصلاح، إلا أنها مع الأسف الشديد ضحية تربية خاطئة، نشأت خلالها، وهي ترى أن الكذب والتخويف هو أسلم الطرق وهو أفضل وسائل التربية، وهي معذورة لأنها لا تجيد غير ذلك.

حاول أن تبرر لهم هذا بالتماس العذر لوالدتك، ولكن بعدم الأخذ عنها وعدم التأسي بها في ذلك، وعدم الاقتداء بها فيما تذهب إليه من الكذب أو التخويف، لأن هذا الأمر أولا لا يرضي الله -سبحانه وتعالى-، فهو محرم شرعا، لأنه يخالف أمر الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، وثانيا أنه أمر خطير يؤدي إلى فقدان الثقة في صاحبه من أقرب الناس إليه ومن أبعد الناس إليه، وإن من يتعامل بصفة الكذب فإنه يحمل ثلث صفات المنافقين، وفي نفس الوقت أيضا سوف يأتي عليه يوم يفقد احترام الناس له وتقدير الناس له، بل وقد يؤدي استمراره في الكذب إلى عزلته عزلة اجتماعية قاتلة قد تؤدي به إلى أن يفقد نفسيته ويفقد أسرته ويفقد صحته ومنزلته ومكانته.

حاول -بارك الله- فيك دائما أن تمدح أمامهم الصدق وما يترتب عليه، وأن تبين لهم الآثار العظيمة للصدق والصادقين، وأن تكثر من ذم الكذب، وأن تبين لهم آثاره السيئة التي تجعل صاحبها في أسفل سافلين، وتجعله مذموما ومنبوذا من كل من يتعامل معه.

عليك بالدعوة الدعاء بأن يجعل أهلك وإخوانك من الصادقين ومع الصادقين الذين أمرنا الله بالصدق وبالصادقين فقال: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين}.

هذا وبالله التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات