السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
دائما يستهزئ الأطفال والشباب بي؛ لأن رجلي اليسرى شبه معاقة، أي أستطيع المشي عليها لكن بصعوبة، وقد حصلت هذه العلة منذ الصغر، ومنذ ذلك الوقت حتى الآن كل ولد أو بعض الشباب يستهزئون بي أمام المارة.
عندما كنت صغيرا ذهب بي أبي إلى المستشفى، وقال الأطباء أني لن أشفى حتى أكون في عمر 18، وقد ضاق صدري حزنا وألما على معاملتي، وكأنني ضعيف ولا فائدة لي كإنسان وحتى في مدرستي لا أعامل كمعاملة غيري من الطلبة.
والسؤال هو: لماذا يستهزئون الناس بي، وينظرون إلي أنا فقط كشيء لا فائدة فيه؟ وماذا يمكنني أن أفعل؟
ها قد فتحت لكم قلبي راجيا دعاءكم لي، والسلام عليكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، وكم أنا فخور وسعيد جدا باتصالك بنا، وتواصلك مع هذا الموقع الإسلامي المتميز، وذلك إن دل على شيء فإنما يدل على أنك على خير، وأنك صاحب عقل راجح، وأنه من الممكن أن تكون من الشخصيات المتميزة على مستوى العالم العربي والإسلامي، بل والعالم كله بإذن الله تعالى، وأسأل الله تعالى أن يوفقك لكل خير، وأن يجعلك من المتميزين في الدين والدنيا، إنه جواد كريم.
وبخصوص ما ورد برسالتك أن الأطفال دائما يستهزئون بك مع الشباب، وذلك لأن رجلك اليسرى شبه معاقة، وتمشي بصعوبة، وهذا الأمر يؤذيك ويؤلمك كثيرا جدا، وينظر الناس إليك على أنك رجل ليس فيه فائدة، ويستهزئون بك ويسخرون منك.
وأنا أقول لك: ابني الكريم الفاضل (محمد): أولا هذا قدر الله تعالى، وأنت تعلم أن ما قدره الله لابد أن يكون، وأنت تعلم أن الله تبارك وتعالى لا يكره عباده، وإنما يحب عباده المؤمنين على وجه خاص، وهذا الذي ابتلاك الله تبارك وتعالى به إنما هو حدث لك لحكمة يعلمها الله جل جلاله، والحمد لله أن هذه المسألة سوف تنتهي بعد عامين من عمرك، وستصبح إنسانا سويا طبيعيا بإذن الله، وهؤلاء الذين يستهزئون منك ويسخرون بك إنما هم أناس حقيقة ليس لديهم القدر الكافي من العقل، وليس لديهم القدر الكافي من الدين، لأنهم لو عقلوا وعلموا الحقيقة، وتعاملوا بالمنطق لعلموا أنه لا ذنب لك، ولا جريرة في هذا الأمر، وأن هذا قدر الله تعالى، وأنه من الممكن أن يكونوا مثلك وأن يبتلهيم الله بما هو أكبر من ذلك، وأنه لا ينبغي عليهم أن يستهزئوا بك لأن الذي يهزأ بعباد الله تعالى فإن الله قد يبتليه بمثل عاهته أو يزيد.
فهؤلاء الناس ينبغي أن لا تنظر إليهم نظرة اهتمام، لأنهم ليس لهم عقل راجح، وليس لهم أخلاق تردعهم عن مثل هذه التصرفات الصبيانية، وهذا الأمر ليس بمقدور الناس أن يغيروه، وأن هؤلاء الذين يتباهون بسلامة أبدانهم، من الذي أعطاهم هذه السلامة؟ أليس هو الله تعالى؟ ومن الذي أحدث فيك هذه الإعاقة؟ أليس هو الله؟ إذن هذا كله قدر الله سبحانه وتعالى لا ينبغي لأحد أبدا أن يتعالى على أحد بسبب هذا الموضوع، وإنما الواجب عليهم أن يحمدوا الله تعالى أن الله عافاهم من ذلك، وأن يدعوا الله تعالى لك بالشفاء العاجل.
فإذن أقول هذه التصرفات تصرفات صبيانية لا ينبغي أن تقف أمامها طويلا ابني الفاضل محمد.
ثانيا على ذلك: أتمنى أن تجعل هذه الإعاقة حافزا، بمعنى أنك لماذا لا تحاول أن تثبت لهم أنك أفضل منهم؟ فأنت الآن في المدرسة، وفي السادسة عشرة من العمر، يعني بمعنى ذلك أنك في المرحلة الثانوية أو على أبوابها، وهذه مرحلة فاصلة في تاريخ الشباب جميعا، لأنك إن حاولت أن تستفيد من هذه الإعاقة في التركيز وعدم الخروج مثلا للعب مع أقرانك من الشباب والأطفال، ومحاولة استغلال الوقت الكبير الذي أمامك في التركيز على العلم وفي تقوية نفسك علميا وثقافيا، سوف تصبح رائعا، ومن أدراك فقد تكون أنت الأول على مدرستك، بل قد تحصل على مجموع لم يصل إليه أي مواطن على أرض العراق مثلا، ولو نظرت في واقع الناس وجدت أن هناك الكثير من أصحاب الإعاقات كهذه الإعاقة أو شبه إعاقة أصبحوا متميزين في مستوى العالم وتركوا بصماتهم على جبين التاريخ، وجعلوا الكبار والصغار يحترمونهم ويقفون لهم احتراما وتقديرا لجهودهم العلمية والعقلية والثقافية والفكرية، ولو أنك قرأت عن المبدعين من ذوي الإعاقات - والله - لوجدت شيئا مذهلا، وأتمنى أن تكتب هذا الكلام في الإنترنت وتبحث في جوجل مثلا، واقرأ عن المبدعين من أصحاب الإعاقات، وسوف ترى أشياء مذهلة جدا.
فأنا أتمنى منك يا ولدي بارك الله فيك أن تحول هذه الإعاقة إلى حافز، ولعلي قرأت أن هناك رجلا عبر ((((المنش وهو معاق، واستطاع أن يسبق كثيرا من الأصحاء، وهو معاق، وكثير منهم يدخلون في مجالات رياضية وفي مجالات علمية، وفي مجالات فكرية وثقافية ومجالات شرعية، ولعلك سمعت عن كثير من علماء الإسلام كانت لديهم إعاقات، ورغم ذلك كانوا عمالقة وكانوا عباقرة، وجعلوا التاريخ يدين لهم والإنسانية تقف لهم احتراما وتقديرا.
فأنا أتمنى بارك الله فيك أن لا تقعدك هذه الإعاقة عن التميز وعن التقدم، وعن أن تكون متميزا على هؤلاء، لأنهم يقضون معظم أوقاتهم في اللهو واللعب، وأنت تقضي معظم وقتك في ذكر الله تعالى في طاعة الله، في حفظ القرآن الكريم أولا، ثم بعد ذلك في مذاكرة موادك الدراسية مذاكرة متأنية، ومحاولة أن تثبت لهم أنك أفضل منهم، وأنا أعرف كثيرا من إخواني الذين كانوا معي في الدراسة كانت لديهم شبه إعاقة وكانوا يخرجون دائما الأوائل على الصفوف الدراسية، وكانوا متميزين في مراحل علمية عظيمة.
فأنا أتمنى بارك الله فيك أولا أن تحمد الله تعالى أن الإعاقة لم تكن أكبر من ذلك، وتحمد الله تعالى على أن الله أعطاك عقلا راجحا، وأن تحمد الله تعالى أنك مسلم، وأن تحاول أن توظف هذه الإعاقة في تطوير نفسك وتحسين أدائك، وأن تجعلها حافزا لك لتكون متميزا، ولا تلقي بالا لهؤلاء الذين يثرثرون أمامك، أو يعلقون عليك، لأنه هؤلاء كما ذكرت قوم تافهون فاشلون، لأنهم يتكلمون كلاما لا ينبغي أن يقال، لأنهم لا يملكون من أنفسهم شيئا، وأنك لا تملك من نفسك شيئا، واحمد الله تعالى أنها فترة زمنية محددة سوف تنتهي، وتصبح بإذن الله تعالى كريما سويا وطبيعيا، حتى ولو لم يحدث ذلك ابني الكريم محمد، فيكفيك أنك مؤمن تحب الله ورسوله وأنك راض بقضاء الله، وأن الذي قدر ذلك إنما هو الله، وأن هذه الإعاقة ستدخل بها الجنة إن رضيت بقضاء الله تعالى وقدره.
أسأل الله تعالى أن يوفقك وأن يسددك وأن يأخذ بناصيتك إلى الحق، وأن تكون من العلماء المتميزين البارزين، الذين يرفعون راية عراق الإسلام على رأس الأمم، ويرفعون راية الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها بإنجازاتك العلمية واختراعاتك المتميزة التي سوف يكرمك الله بها، إن رضيت بما قسم لك، وإن استغليت الوقت وإن حولت هذه الإعاقة إلى حافز لتثبت لهؤلاء الأصحاء - الذين هم أصحاء البدن ولكنهم معاقون في تفكيرهم - أنك أفضل منهم، وأنك قادر على أن تثبت وجودك في ميادين الحياة.
أسأل الله لك التوفيق والسداد، والعون والتأييد، هذا وبالله التوفيق.