السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين.
أنا لم أعد قادرة على أن أكمل حياتي, وأعاني من إحباط وكآبة تلازمني يوميا, أعجز عن القيام بأموري وواجباتي المنزلية والمدرسية, بعد أن كنت من المتفوقين والناجحين دراسيا, كل هذا بسبب شخص غير نظرتي للدنيا فلقد أعجبت بشخص في قمة الاحترام ونبل الأخلاق ولا ينقصه من الوسامة شيء، وقد أعجبت به منذ أكثر من سنتين ولا أزال, حاولت أن أنساه؛ لأنه لم يكن قريبي ولا شخص أعرفه إنما شخص لديه محل للتجارة, وأنا أذهب هناك على الدوام بسبب اشتياقي له وتمنياتي بأن يحصل لنا شيء يجعلنا مقربين, نيتي كانت الزواج ولكن كيف أتزوجه وهو لا يعرفني؟وأنا لم أفكر يوما بأن أعصي ربي وأتكلم معه, إنما أكثر من سنتين وأنا أنظر إليه فقط, أتاني خطاب كثيرون ولم أكن يوما مرتاحة لهم, وأنظر لمستقبلي معهم نظرة تشاؤمية, الأفكار التي تدور بذهني كيف أجعله زوجي؟ وكيف أقرب بيننا؟ فأنا أعشقه ولا أرضى أن أتنازل عنه بهذه السهولة!
هذه الأيام أشهد حالة مزاجية عكرت دنياي فلم أعد أحب الأشياء التي كنت أحبها, ولا أتشوق للأشياء الجديدة, وأفكاري بدأت تكون سلبية للغاية, ولم أستطع أن أتحكم بتصرفاتي من غضب وانفعال, هكذا أصبحت دنياي من بعد التفوق والنشاط والحيوية, وأنا ما زلت صغيرة في السن وقد بدأت أكبر؛ والسبب شخص جعلني أحلم أن أكون بقربه, وللعلم لدي عقل يسبق عمري بكثير, وأفكر بمنطقية دائما, وأرجو أن تدلوني على الطريق الصحيح.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ حبيبة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فمرحبا بك ابنتنا العزيزة في استشارات إسلام ويب, نسأل الله تعالى أن يقدر لك الخير، وأن يصرف عنك السوء وأهله.
نحن نبدأ حديثنا معك أيتها الكريمة من حيث انتهيت، فقد أنهيت سؤالك بوصف ما منحك الله عز وجل من العقل وحسن التدبير والتفكير، ونحن على أمل كبير بأن يكون ما وهبك الله عز وجل من ذلك سببا في تقصير طريق الخروج من هذه الحالة التي أنت فيها.
لا شك أيتها العزيزة بأن العشق داء ومرض إذا تغلب على الإنسان واستطاع أن يسيطر عليه فإنه يفسد عليه حياته ويعكرها عليه ما دام غير قادر على الوصول إلى المعشوق، ولهذا نصيحتنا لك -وهي نصيحة من يتمنى لك الخير ويرجو لك السعادة- أن تكوني حازمة في معالجة أمرك هذا قبل أن تندمي حين لا ينفع الندم.
وما وقعت فيه من التعلق بهذا الشخص أيتها الكريمة سببه بلا شك إطلاق النظر وعدم الوقوف عند حدود الله سبحانه وتعالى، فكانت العاقبة هي ما تعيشينه، وصدق الشاعر حين قال:
وكنت متى أرسلت طرفك رائدا *** لقلبك يوما أتعبتك المناظر
رأيت الذي لا كله أنت قادر *** عليه ولا عن بعضه أنت صابر.
فعلاج العشق أيتها الكريمة متعدد بحسب قدرة الإنسان على الوصول إلى ما يريد، والزواج بلا شك علاج أكيد، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لم ير للمتحابين مثل النكاح) فإذا كان هذا الخيار ممكنا فهو الخيار الأمثل ما دمت تحبين هذا الشخص، وطريق الوصول لمعرفة هذا أن تعرضي أمرك على محارمك الرجال: من تثقين فيهم كإخوانك -إن كان لك إخوان- أو أخوال أو نحو ذلك، ليتفحصوا حال هذا الرجل هل يصلح أن يكون زوجا لك أو لا؟
وهل هو متزوج أو لا؟
وهل يرغب في الزواج منك أو لا؟ إلى غير ذلك من الأسئلة الكثيرة التي ربما يكون الجواب فيها لا يسرك، ولكن هذا أخذ بالسبب، وإذا كان الله عز وجل قد قدر لك الزواج بهذا فسيكون، وإذا لم يكن هذا -أيتها الكريمة- فإن التعلق بعد ذلك بهذا الرجل مخالفة للعقل وحسن التدبير الذي حكمت به على نفسك، فإن العاقل الذي يتعلق بالشيء الذي لا يصل إليه أشبه ما يكون بمن يعشق الشمس ويريد الوصول إليها، ومخاطبة العقل في مثل هذه المواقف مفيدة جدا للخروج من مثل هذه الحالة ومعالجة داء العشق، فإن من أدويته الأكيدة: مخاطبة العقل وعدم الاسترسال مع هوى النفس.
فذكري نفسك أيتها الكريمة بعد ذلك بأن التعلق بما لا يمكن الوصول إليه سفه ومخالفة لعقل العاقل، وعناء وعذاب يجره الإنسان على نفسه، ومن ثم فلا حيلة إلا بأن تجاهدي نفسك وتحاولي أن تقهريها لتقطعي كل سبب يذكرك بهذا الشاب حتى تنسينه، والعلماء في السلوك والتربية يقولون: (النفس إذا يئست من شيء نسيته) فإذا حاولت أنت أن تيئسي نفسك من هذا الشاب فإنك ستتناسينه شيئا فشيئا.
ومما يعينك على هذا أيتها الكريمة أمور:
أولها: أن تشغلي نفسك بالشيء النافع، فإن النفس إن لم تشغل بالحق شغلت بالباطل.
والأمر الثاني: أن تكوني حازمة عاقلة، فإذا تقدم لك من يصلح لك للزواج ممن توفر فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه) فإذا تقدم لك من هذا وصفه فينبغي لك أن تكوني حازمة عاقلة، فاقبلي الزواج قبل أن يفوتك القطار، وحينها ستلحقين بالعوانس, وربما تندمين حين لا ينفعك الندم، وليست كل البيوت تبنى على الحب من أول وهلة أيتها الكريمة، فإن الحياة الزوجية وحسن العشرة بين الزوجين كفيلان بدعوة الزوجين لأن يحب أحدهما الآخر.
ومما يعينك على ذلك أيتها الكريمة: أن تتذكري العيوب التي في هذا الشخص، فأنت نظرت إليه بعين الاستحسان فقط، ونسيت العيوب الكثيرة التي لو تأملت فيها فإنها ستنفرك منه.
وبهذا أيتها الكريمة تعلمين أن طريق التخلص من هذه الحال التي أنت فيها ليس هو الاسترسال مع هوى نفسك وكثرة النظر إلى هذا الرجل وكثرة الزيارة إلى المكان الذي يوجد فيه، بل ما أنت مقيمة عليه من هذا السلوك ضرر محض عليك، ونصيحتنا لك - وهي نصيحة من يتمنى لك الخير – أن تقلعي عن هذا السلوك، وأن تحاولي بكل ما أوتيت من وسائل أن تعيني نفسك على نسيان هذا الشاب بقدر الاستطاعة، وخير ما نوصيك به تقوى الله سبحانه وتعالى والوقوف عند حدوده واللجوء إليه، ودعاؤه سبحانه وتعالى أن يرزقك الزوج الصالح، فإنه سبحانه وتعالى يعلم الخير وأنت لا تعلمينه.
نسأل الله تعالى أن يقدر لك الخير حيث كان ويرضيك به.