السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،،
أنا فتاة في السابعة عشرة من عمري، أشكو منذ فترة من وساوس تراودني في شؤون العقيدة ورب العزة، أخاف أن تخرجني عن الملة وتطردني من رحمة الله والعياذ بالله.
قرأت عدة فتاوى حول الموضوع، ولكن الشك مازال يراودني في نفسي منذ عدة أيام، وأنا في حالة من الكآبة والحزن، حتى أني اعتزلت البشر وكرهت نفسي وعائلتي، استغفرت وتبت والتزمت قراءة المعوذات، ولكن تلك الوساوس التي في نفسي أفقدتني صوابي، مع أني إنسانة قوية الإيمان بالله، أخشى ربي وأتمنى صحبة رسوله.
وأود شرح تلك الوساوس:
إنها تتمحور حول سب الله عز وجل، مع أني أعلم أنه أمر عظيم، وأنا أحب ربي، وأتمنى الموت على أن يغضب علي، لكني أشعر وكأن أحدا بداخلي يتحدث، أحاول إسكاته ولكني لم أستطع.
سؤالي هو: هل أعتبر كافرة مرتدة؟ وهل من سبيل للتوبة والرجوع إلى الله؟ مع العلم أني لم أتفوه بأي كلمة، إنها مجرد وساوس ترد في نفسي، وأحاول أن أردها وأسكتها ولكن ليس باليد حيلة، وماذا عن آية (وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله ) هل سوف أحاسب؟
أعتذر عن الإطالة وأتمنى أن تعطوني جوابا مفصلا بعيدا عن الاختصار.
وشكرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ راورة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فأنت بالفعل تعانين من وساوس قهرية، والوساوس القهرية كثيرة جدا في المرحلة العمرية ما بين أربعة عشر إلى ثمانية أو تسعة عشر سنة، نشاهد كثيرا من هذه الوساوس، لأن الإنسان في هذه المرحلة العمرية في مرحلة التكوين النفسي والوجداني والفكري، وهنالك الكثير من التغيرات الهرمونية ربما تساهم في ذلك أيضا.
إذن هذه الوساوس إن شاء الله تعالى عابرة، والوساوس الدينية مؤلمة جدا للنفس، وهي أمر ثابت منذ زمن بعيد، ليس في زماننا هذا فقط، وما جاء أن بعض الصحابة أتوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: يا رسول الله! يأتينا إلى نفوسنا ما لا نستطيع أن نتكلم به أو نخبر به.
وهذه إشارة للوساوس حقيقة كما أجمع الكثير من أهل العلم، فطمأنهم الرسول صلى الله عليه وسلم أن هذا من صميم ومن صريح الإيمان.
هذا الذي روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم فيما معناه يحمل بشرى كبيرة لك، فالوساوس دائما تضرب الإنسان في أعز ما يملك، والمؤمن الحق أعز ما يملك في حياته هو دينه، فإذن أنا أقول لك إن شاء الله تعالى أنت على خير وسوف تظلين على خير، وسوف تذهب عنك هذه الوساوس، وهي إن شاء الله تعالى دليل على صريح إيمانك، فأرجو أن تطمئني من هذه الناحية.
هنالك علاج ضروري جدا للوساوس القهرية من هذا النوع، وهي أن تحقر تحقيرا شديدا، وأن لا تحاولي مناقشتها، أو تفسيرها، أو تحليلها، أو الرد عليها، لأنك إذا حاولت أن تخضعيها للمنطق وتردي عليها سوف تولد لديك وساوس أخرى.
والشيطان يأتي للإنسان فيقول: من خلق كذا ومن خلق كذا، حتى يقول: من خلق ربك؟
وهنا على الإنسان أن ينتهي، لا يخوض في هذا الأمر، لا يناقشه، لا يحلله، وقد أثبت علماء السلوك الآن أن خير وسيلة هي أن تقول لنفسك: (هذا وسواس حقير لن أخاطبه ولن أحلله ولن أخضعه لأي منطق لأنه سخيف) هذا القول يجب أن يكرر في داخل نفسك وبقوة شديدة وبتركيز وبقناعة.
تمرين سلوكي آخر وهو مفيد جدا، وهو أن تربطي الوساوس بما نسميه بالاستشعارات المنفرة المضادة لها، وهذه غالبا تكون في شكل إيقاع أحاسيس غير مرغوبة على النفس، مثلا تقومين بشم رائحة كريهة جدا، وفي نفس الوقت تفكرين في الفكرة الوسواسية، تكررين هذا عدة مرات، شم الرائحة الكريهة المقززة، وفي نفس الوقت تفكرين في الوسواس، هذا يؤدي إلى ما يعرف بفك الارتباط الشرطي.
تمرين آخر مشابه، هو أن تفكري في هذه الوساوس وفي محتواها السخيف، وفي نفس الوقت تقومين بالضرب على يدك بقوة وشدة حتى تحسين بالألم، هنا يكون الربط بين الألم - وهو مرفوض للنفس – والوساوس، هذا يضعفها.
تمرين آخر: ضعي هذا الرابط المطاطي على رسغ يدك وفكري في هذا الوسواس وقومي بعد ذلك بشد هذا الرابط وأطلقيه حتى يسبب لك ألما شديدا في يدك.
كرري هذا التمرين عدة مرات، لكن المهم هو القناعة بالتمرين والتركيز والربط ما بين الاثنين (الفكر ألوسواسي والفعل المقزز والمؤلم)، هذه التمارين تفيد كثيرا.
دربي نفسك أيتها الفاضلة الكريمة على تمارين الاسترخاء، وهي كثيرة جدا، افتحي أحد المواقع التي توضح لك كيفية تطبيق هذه التمارين.
أمر آخر لا يتعلق بالوساوس لكنه مهم جدا: وهو أن تجتهدي في دراستك، وأن توزعي وقتك بصورة صحيحة، أن تمارسي الرياضة، أن تتواصلي مع من هم حولك، هذا كله يفيدك.
والجزء الآخر في العلاج هو العلاج الدوائي: هنالك أدوية ممتازة ومفيدة وفاعلة جدا، عقار فافرين يعتبر هو الأحسن في حالتك، وجرعته هي خمسون مليجراما ليلا لمدة أسبوعين، ثم ترفع إلى مائة مليجرام ليلا لمدة شهر، ثم ترفع الجرعة إلى مائتي مليجرام في اليوم لمدة أربعة أشهر، ثم تخفض إلى مائة مليجرام يوميا لمدة ستة أشهر، ثم إلى خمسين مليجراما يوميا لمدة شهر، ثم يتم التوقف عن تناول الدواء.
وهنالك أدوية أخرى مثل عقار بروزاك، وكلاهما يناسبان عمرك بصورة جيدة، وأنت محتاجة فقط لتناول أحد هذين الدواءين.
اعرضي الموضوع على والديك، ولو ذهبت إلى الطبيب النفسي هذا أيضا سوف يكون أفضل.
وبالنسبة للآية الكريمة: {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله} حقيقة أنت وقعت في خطأ تأويلي كبير، وهذا بالطبع سوف يكون وقعه شديدا عليك من الناحية النفسية ويطبق عليك الوساوس.
أيتها الفاضلة الكريمة: أرجو أن تقرئي التفسير لهذه الآية، واقرئي سبب النزول، والآية حين نزلت كانت أيضا ذات وقع عظيم على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنهم قد جثوا على ركبهم، وقالوا: اشتد ذلك علينا، وذهبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: كلفنا من الأعمال ما نطيق الصلاة والصيام والجهاد والصدقة، وقد أنزلت علينا هذه الآية ولا نطيقها، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم سمعنا وعصينا، قولوا سمعنا وأطعنا، فلما قرأ القوم وجرت بها ألسنتهم أنزل الله تعالى: {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه} ونسخها الله تعالى فأنزل: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما اكتسبت وعليها ما اكتسبت}.
فأيتها الفاضلة الكريمة: أنت في أمان تام إن شاء الله تعالى، وأنا أعرف أن الوساوس تؤلم الناس جدا، خاصة فيما يتعلق بأمور الدين والعقيدة، واللجوء إلى سوء التأويل والتفسير هو أيضا من سمة الوسواس، فأرجو أن تطمئني.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، ونسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد.
____________________________________
انتهت إجابة الطبيب النفسي محمد عبدالعليم/ تليها إجابة المستشار الشرعي أحمد الفودعي لمزيد فائدة:
فمرحبا بك في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله تعالى أن يذهب عنك هذه الوساوس، ويكتب لك السلامة والعافية.
نحن نطمئنك أولا أيتها البنت العزيزة بسلامة إيمانك إن شاء الله وندعوك إلى الأخذ بالوصية النبوية التي أرشد إليها النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه الكرام وهم أكثر منك حرصا على سلامة إسلامهم وأقوى منك إيمانا، ومع ذلك كان يصيب أحدهم ما أصابك ويأتيه من الوساوس في صدره من الشيطان مثل ما أتاك، ولم يكن هذا سببا مزعجا لهم ولا قادحا في إيمانهم، وقد جاؤوا شاكين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وقال أحدهم: إن أحدنا ليجد ما أن يحرق حتى يصير حمما أحب إليه من أن يتكلم به، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم خوفهم من الله تعالى وانزعاجهم من هذه الوساوس ونفورهم منها وكراهيتهم لها، أخبرهم وبشرهم بأن هذه الصفات التي فيهم دالة على إيمانهم وعلى عدم ارتياحهم لهذه الوساوس وعدم تصديقهم بها، وأخبرهم بأن صنيعهم هذا هو صريح الإيمان، فقال: (ذلك صريح الإيمان)، وفي رواية قال: (الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة).
ومعنى هذا أن الشيطان أيس منهم وأيس أن يضلهم وأن يدعوهم إلى الكفر فرجع إلى الوسوسة ليحاول من خلالها أن يزيغهم، وهذا كله دليل على إيمانهم.
فنحن نرجو الله تعالى أن يكون هذا دليلا على إيمانك أيتها الأخت والبنت العزيزة، ونصيحتنا لك أن تنتهي عن هذه الوساوس وأن تقلعي عنها، ولا علاج للوساوس من حيث الحقيقة إلا الإعراض عنها وتركها تركا كليا، وكل ما أرشد إليه الأخ الدكتور محمد من التمارين المقصود منها هو الإعانة والمساعدة للتخلص من هذه الوسواس وتركها، فأنت حاولي جاهدة أن تتركيها وأن تسترسلي معها إذا عرضت لك، واستعيذي بالله تعالى، وهذه هي وصية الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال لمن جاءه الوسواس، قال: (فليستعذ بالله ولينتهي) فاستعيذي بالله – أي اطلبي منه الحماية – وانتهي عنها بأن تنشغلي بغيرها، ولا تخافي منها، ولن يتضرر إيمانك بها بإذن الله تعالى، فما ذكرته من خوفك من الله تعالى وتفضيلك بأن تموتي على أن لا يسخط عليك، كل ذلك دليل على الإيمان وعلى رسوخه في قلبك، نسأل الله تعالى أن يزيدك منه.
وأما الآية فإنها قد نسخت – يعني قد غير الله تعالى فيها الحكم – ورفع عن هذه الأمة ما حدثت بها أنفسها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت بها أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم).
نسأل الله تعالى لك الصلاح والاستقامة والهدى، وأن يدفع عنا وعنك كل شرور الشيطان.