السؤال
جزاكم الله خيرا على ما تقدمونه، وجعله الله في موازين حسناتكم.
مشكلتي هي في الغيبة، حاولت تركها لكن رجعت لها، حاولت كثيرا، تبت إلى الله، وإلى الآن أرجع لها، ويعلم الله أشعر بضيقة من هذا الذنب العظيم، وأسأل الله أن يتوب علي ويغفر لي.
ما هي الوسائل أو الطرق التي تجعلني أترك الغيبة ولا أرجع لهذا الذنب العظيم أبدا؟
شكرا لكم، وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Moon حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله العلي الأعلى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يغفر ذنبك، وأن يستر عيبك، وأن يتوب عليك، وأن يعينك على التخلص من هذه الآفة الخبيثة التي تذهب بحسناتك أدراج الرياح.
إنه ومما لا شك فيه أن الغيبة من آفات اللسان الكبرى، وأنها من الكبائر التي نص عليها مولانا جل جلاله في القرآن الكريم، وبينها نبينا صلى الله عليه وسلم في السنة، وأنها من عظائم الذنوب حقيقة التي تؤدي إلى قسوة القلب، وإلى غير ذلك من الأشياء التي تجعل الحياة كدرا ونكدا وتعبا، وتجعل صاحبها يوم العرض على الله تعالى فقيرا مفلسا، ولكنها ولله الحمد والمنة شأنها شأن غيرها من المعاصي التي إن عقد الإنسان العزم عليها وأخذ بأسباب التخلص منها استطاع أن يتخلص منها بإذن الله تعالى؛ لأن الله تبارك وتعالى أخبرنا بقوله: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} وما دامت هذه محرمة والله عز وجل أمرنا بتركها فقطعا نستطيع أن نتركها، وأنت لست أول واحدة تقعين في مثل هذا الذنب، ثم تقلعين عنه وتتوبين إلى الله تبارك وتعالى منه، بل إن هناك ذنوبا أعظم من ذلك عندما صدق أهلها في التوبة إلى الله تعالى وأخذوا بأسباب التخلص منها أعانهم الله على ذلك، ولذلك أقول لك، إن هناك عدة وسائل وطرق سوف أقدمها لك عسى الله تبارك وتعالى أن ينفعك بها:
أما الوسيلة الأولى: تذكر غضب الله تبارك وتعالى وعقابه الذي توعد به من يغتاب أخاه المسلم، كما ورد في القرآن الكريم وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك قوله تبارك وتعالى: {ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله} فالله تبارك وتعالى ينفرنا من الغيبة ويشبه الذي يغتاب أخاه بالذي يأكل لحم أخيه ميتا – أي جيفة والعياذ بالله تعالى – والنبي صلى الله عليه وسلم بين أن الغيبة ذكرك أخاك بما يكره، وأن الغيبة من عظائم الذنوب، ولذلك عندما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: الغيبة ذكرك أخاك بما يكره) فبين النبي عليه الصلاة والسلام أن الغيبة في الأصل هي كلام حقيقي في شخص ولكنه من وراء ظهره، أي ليس في حضرته، والنبي عليه الصلاة والسلام ورد عنه أنه قال: (لا يدخل الجنة مغتاب) إلى غير ذلك من الأحاديث التي وردت في السنة التي تبين خطورة هذه الغيبة.
فإذن نتذكر ذلك الوعيد الذي ورد في القرآن والسنة، وذلك بقراءتنا لكلام الله تعالى وكلام النبي عليه الصلاة والسلام المتعلق بهذه الغيبة، فأتمنى أن تقرئي كتاب الكبائر للإمام الذهبي، وأن تركزي على هذه الكبيرة – كبيرة الغيبة – وأن تقرئي ما ورد فيها من وعيد وتهديد على لسان النبي الكريم صلى الله عليه وسلم؛ لأن معرفة الإنسان بالعقوبة قد تردعه عن الاستمرار في المعصية، فاقرئي عقوبة هذه الكبيرة في كتاب الكبائر للإمام الذهبي رحمه الله تعالى.
ثانيا: عليك أن تنظري إلى عيوب نفسك؛ لأنك قطعا غير سليمة من العيوب، وأن تضعي نفسك مكان هذا الشخص الذي تغتابينه، فهل بالله عليك لو علمت أن أحدا يغتابك وتكلم فيك بسوء هل ستكونين مستريحة؟ قطعا ستقولين لا، إذن ضعي نفسك مكان هذا الشخص الذي تتكلمين في عرضه وهو غائب عنك، وبذلك سوف تتوقفين - إن شاء الله تعالى - عندما تضعي نفسك موضع إخوانك المسلمين الذين تقعين في عرضك، انظري إلى عيوب نفسك لأنك لست خالية من العيوب والمآخذ، وقولي (إن الله تعالى قد ستر علي فلماذا أفضح غيري وقد ستر الله علي ذنوبا أعظم من الذنوب التي يقع فيها غيري).
ثالثا: من الأمور التي تعينك على التخلص من الغيبة: مجالسة الصالحين، لأن الصالحين كما لا يخفى عليك لا يتحدثون في عرض أحد، ولا ينتقصون أحدا، ولا يتكلمون في أحد أبدا إلا بكل خير، فعليك بأن تتخيري الصحبة الصالحة التي تعينك على طاعة الله تعالى، والتي تجعل الكلام الذي تسمعينه كلاما شرعيا، واجتنبي الصحبة المفرطة الجاهلة أو الغافلة التي لا تقيم لأعراض الناس وزنا.
أيضا من الوسائل التي تعينك - بارك الله فيك -: معاقبة نفسك على كل غيبة تقعين فيها، وهذا أمر مجرب ورائع، بمعنى أنك كلما اغتبت إنسانا تعاهدين الله تعالى على أن تتصدقي مثلا بمبلغ من المال، كلما اغتبت إنسانا فإنك تعاهدين الله تعالى على أن تتصدقي مثلا بعشر ريالات، أو مثلا إذا لم تتوقفي تتصدقين بعشرين ريالا مثلا، حتى تصلي إلى مائة ريال، أو أن تصومي لله تبارك وتعالى يوما، أو أن تقومي لله تبارك وتعالى ليلة، اشرطي هذا الشرط، قولي يا نفسي: (إذا لم ترتدعي فإني سوف أعاقبك بالصيام أو بالقيام أو بالمال) لأن هذا الأمر حدث لكثير من السلف، ولذلك فيما رواه حرملة، قال: (سمعت رسول ابن واهب – هؤلاء من السلف – يقول: إني نذرت أني كلما اغتبت إنسانا أن أصوم يوما، فأجهدني، ولكني كنت أغتاب وأصوم – أي أجهدت من الصيام ولكنه لم يتوقف – قال: فنويت أني كلما اغتبت إنسانا أن أتصدق بدرهم، فمن حب الدراهم تركت الغيبة) لأنه وجد أنه يتصدق بأموال كثيرة، فهذا المبلغ الذي كان يدفعه شعر بأنه عزيز عليه فترك الغيبة من أجله.
أيضا عليك أيضا أن تتذكري بأن الغيبة تذهب حسناتك وتمحوها وتحبطها، كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا، أو كماء أنزل من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح، أو كما قال الله تعالى: {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا}.
أسأل الله تعالى أن يذهب عنك تلك الآفة وتلك المعصية، وأن يبدلها لك حسنات إن تبت منها توبة نصوحا، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يجعل لسانك طربا بذكره.
والله الموفق.