السؤال
منذ سنتين تقريبا سمعت درسا عن الكذب، ومن وقتها أصبحت أكره الكذب ولا أكذب، لكن أحيانا يخرج الكلام مني لا شعوريا، وعندما أركز بما قلت أقول لماذا قلت هذا؟
وأحيانا أخرى أوضع في مواقف لا أعرف إن كان كذبا أم لا، لكن أجيب وكأني أواري الموضوع بحيث يكون جوابي صادقا، وأحيانا قليلة جدا جدا أكذب، وأكره نفسي حينها، لأني أعرف أن الكذب من الكبائر، وأعرف أنه لا مبرر لذلك؛ لأن مراقبة الله أعظم من البشر، فهل أعد كاذبة أم لا؟
أرجو الرد.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ آيه حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله أن يبارك فيك، وأن يثبتك على الحق، وأن يهديك صراطه المستقيم.
كما نسأله تبارك وتعالى أن يمن عليك بتحري الصدق، وأن تكوني من الصادقات القانتات التائبات العابدات، وأن يغفر لك تلك الهفوات، وأن يتجاوز عن تلك الزلات، إنه جواد كريم.
وبخصوص ما ورد برسالتك – ابنتي الكريمة – أقول لك: إنه لشيء رائع أن يعرف الإنسان عيبه، وأن يجتهد في التخلص منه، وها أنت قد أكرمك الله تبارك وتعالى بهاتين الميزتين: الميزة الأولى أنك عرفت العيب الذي كان فيك، وهو آفة أو داء الكذب، واجتهدت في التخلص منه، وهذا إنجاز عظيم حقا، ولو أن الناس جميعا فعلوا كما فعلت – ابنتي آية – لكنا في خير كثير وعظيم، لو عرف كل واحد منا عيبه وحاول التخلص منه لأصبحنا من أرقى شعوب الدنيا ومن أكثرها صلاحا وديانة واستقامة.
ولذلك أنت أكرمك الله تبارك وتعالى بهذه النعمة، أن من عليك بمعرفة الكذب وخطورته وأنه من الكبائر، وأنه يغضب الله تعالى، وهذا في حد ذاته نعمة، ثم أكرمك الله تبارك وتعالى بالنعمة الثانية أنك أصبحت لا تكذبين، وأصبحت لا تكذبين إلا في أضيق الحدود، وتكرهين نفسك حينها، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن الله أكرمك بالضمير الحي وباليقظة الإيمانية، وأنك الآن على خير كثير.
وكم أتمنى بارك الله فيك أن تواصلي مجاهدة نفسك حتى تتخلصي من الكذب نهائيا، لأن الناس كما ذكرت لا يملكون لك شيئا أولا، ولا يقدمون ولا يؤخرون، والكذب أيضا أشرت – بنيتي – لا مبرر له، لأن الإنسان ينبغي أن يقول الصدق وأن يقول الحق ولو كان مرا، فهذه الهنات وتلك الزلات التي تحدث مما لا شك فيه أنها من الكذب، ولكنها بإذن الله تعالى مع إصرارك ومواصلتك لمراقبة نفسك سوف تتخلصين منها نهائيا حتى تكوني صادقة.
والنبي عليه الصلاة والسلام بشرك ببشرى عظيمة عندما قال: (وعليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن العبد ليصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا) والله تبارك وتعالى أمرنا أن نكون مع الصادقين، فقال: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين}، وهذا كله يدل على أن صفة الصدق عظيمة، وأن الله أكرمك بقدر كبير منها.
والذي أقوله: لا نفكر في أن هذا كذب أم لا، وإنما أتمنى أن تركزي في أن يتم القضاء نهائيا على هذه الهنات وتلك الزلات الصغيرة.
أما كون الكلام يخرج منك لا شعوريا، فهذا إن شاء الله تعالى يعفى عنه، لأن الله تبارك وتعالى قال: {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} فكون هذا الأمر يأتي منك دون قصد أو إرادة فهو بإذن الله تعالى ليس فيه شيء.
ولكن أنصحك بأنك عندما تريدين الحديث مع أي أحد حتى لا تكذبين ولو مرة واحدة لا تتكلمي بسرعة، وإنما تكلمي بهدوء وتأني، واجعلي الكلام كلمة كلمة، وحاولي أن تركزي على كلامك واجتهدي، وفي أول الأمر ستجدين بعض المشقة، ولكن مع تكرار الفعل بإذن الله تعالى ستشعرين بأنك تخلصت نهائيا من الكذب، وأصبح كلامك كله صدق.
ومما لا شك فيه أن هذا الأمر قد يكلفك كثيرا في التعامل مع الناس، لأن الناس أحيانا قد لا يحبون الصدق ويحبون الكذب واللف والدوران والمكر والغش والخديعة، ولكن يكفيك أن الله قد رضي عنك، ويكفيك أنك أصبحت من الصادقات، وستكونين مثلا يحتذى وقدوة حسنة لكل من يتعامل معك عندما يعلم القاصي والداني من الذين يعرفونك والقريبين منك من أهلك وأصدقائك أنك صادقة فسيثنون عليك، وسيحمدون لك، ويعظمونك جدا، لأن الناس قل ما يكون فيهم الذي يتحرى مسألة الصدق في كلامه والذي يجاهد نفسه كما جاهدت أنت نفسك، واعلمي أن الله قال تعالى: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين}.
أسأل الله أن يبارك فيك يا بنيتي، وأن يثبتك على الحق، وأن يغفر لنا ولك، وأن يجعلنا وإياك من الصادقين والصادقات، إنه ولي ذلك.
هذا وبالله التوفيق.