السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كيف أمرر الإساءة؟ فأنا أتعرض دائما للإساءة من قبل إدارتي التي أعمل بها، ومن قبل بعض الزملاء.
أنا إنسان حساس وعاطفي، وأكره الظلم، وأريد أن أنتقم بعض الأحيان لكرامتي التي أهينت، لكن لا أقدر على ذلك، لأن الذي ظلمني وأساء إلي أقوى مني، وذلك يعذبني جدا.
أنا دائما أجتر الذكريات السلبية مع الأشخاص الذين أساءوا إلي، وأتذكر مواقفهم معي، وأحس بضيقة صدري وخفقان قلبي ورعشة ورغبة بالانتقام، فمثلا كان هناك منصب شاغر في الإدارة التي أعمل بها، وكنت أجدر موظف، ولكن مديري وضع غيري بحجة أنه أكفأ مني، وهو يعلم وأنا أعلم أني كفؤ، فقلت له هل ترضى لنفسك هذا؟ وهل ترضى أن يأخذ غيرك منصبا في الإدارة العليا وأنت أحق به؟ ثم إني قلت له كان من المفترض أنك كلفتني، ثم رأيت ما أصنع، فإذا فشلت فلك الحق باستبعادي، وأنت تفوت علي فرصة للترقية وزيادة رزقي، فبهت من كلامي ثم إنه صار يكيد لي ولا يعطيني حقي من مميزات عملي، ويعطيني القليل.
بالله عليكم كيف أتصرف مع هذه المواقف؟ أنا أعرف فضل التسامح والعفو والصفح، وأقدر أن أشتكيه على من فوقه، وصولا للوزير المسئول، لكن أعلم أن الذين فوقه سوف يكونون معه، لأنهم عصابة، وتعرفون أننا في غابة، القوي يأكل الضعيف، هذه ثقافة عالمنا العربي.
أريد توجيهاتكم النفسية الطيبة المباركة والعلاج السلوكي لمثل هذه المشاكل لكي أتغلب على مثل هذه المواقف، ولكم جزيل الشكر.
علما أنه إذا جاءتني مثل هذه الأفكار والاجترارات السلبية آخذ لها 10 مجم أندرال لكي أهدأ.
ولك جزيل الشكر .
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ خالد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
شكرا لك أخي خالد على السؤال، ومن الواضح أنك شخص يميل للتحليل والربط بين المواقف والأفكار، وما هذا بغريب على من يعمل في البرمجة.
قد نجد أنفسنا نعمل في موقع لا نستطيع أن نؤثر فيه في كل القرارات التي تتخذ في هذا الموقع، وأن هناك تسلسلا هرميا في هذه الواجبات وهذه المسؤوليات، ومن الصعب جدا أن يحاول الإنسان أن يصلح كل شيء أو أن يكون له تدخل في كل قرار.
كما نعلم جميعا أن هناك قواعد ومهارات معينة للعمل المؤسسي، فهناك تحديد المسؤوليات، وتحديد الحدود بين هذه الإدارات والمسؤوليات، وهناك قواعد العمل في الإدارة الواحدة، وبين الإدارات المختلفة.
الأصل أن يحاول الإنسان أن يقوم بواجبه ودوره المسؤول عنه، وأن يتوقع أن يقدر الناس عمله هذا كما هو عليه، ولكننا نعلم من تجاربنا أن هذا التقدير قد لا يحصل، أو قد يحصل بدرجات متفاوتة.
الأصل أن أتابع القيام بعملي وواجبي، ومن خلال الوقت سيدرك الناس طبيعة عملي، وطبيعة موقفي الإيجابي من نفسي ومن عملي ومن الناس الآخرين.
ويفيد هنا أن نستحضر قول الله تعالى (وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض) ففي النهاية، وكما يقول الناس "لا يصح إلا الصحيح".
إنني عندما لا أربط نوعية عملي بدوافع خارجية من ردود أفعال الناس من حولي، فهذا من شأنه أن يريحني كثيرا، ويعطيني مصدرا ثابتا من تقدير الذات، لأن هذا التقدير لا ينبع من الناس من حولي، على اختلاف طبائعهم ونفسياتهم وشخصياتهم ومواقفهم مني، وإنما تقديري لعملي ينبع من ذاتي ومن نفسي، ومن شعوري بالواجب وبالقيام به.
ونستحضر هنا قول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم"لا يكون الواحد منكم إمعة، يقول أحسن إن أحسن الناس" وإنما أن نسعى للإحسان في أعمالنا وبغض النظر عن مواقف الناس وردود أفعالهم، وكما يقول صلى الله عليه وسلم: "إن الله كتب الإحسان على كل شيء" وبغض النظر عن مواقف الناس، وتقديرهم لعملي.
هذا لا يعني طبعا أن نسكت عن كل عمل أو تصرف يقوم به آخرون، وهو عمل يمسنا بشكل أو آخر، وإنما أن نحاول أيضا طرح وجهة نظرنا في الموضوع بكل حزم وجدية، معبرين عن رأينا في الأمر بشكل عادل ومعقول، من دون ظلم لأحد، ومن دون أن نضع من أنفسنا صيدا سهلا لظلم الآخرين لنا، وكما ينقل عن عمر بن الخطاب قوله "لست بالخب، ولا الخب يخدعني" فأنا لا أحاول أن أخدع أحدا، ولكني لست طعما سهلا ليخدعني الآخرون.
إذا شعرت بأني قد ظلمت، وكانت هناك طريق طبيعية لأعبر عن احتجاجي واعتراضي على هذا الظلم الذي وقع علي، فليس هناك من سبب يمنعني من التعبير عن اعتراضي واحتجاجي، وإن كان هذا يتطلب أحيانا جرأة أدبية، وشجاعة على مواجهة هذا الموقف.
أحيانا قد لا نقوم بعمل ما أو اتخاذ موقف ما بسبب أننا نتوقع نتائج كبيرة ضارة، ولكن بعد أن نحاول نستنتج أن الخطوة كانت سليمة، وأن النتائج كانت طيبة، وليست كما توقعنا.
مثلا قد نتوقع عدم استجابة زميل لنا إن طلبنا منه أمرا، ولكن بعد أن نطلب نجد الأمر على أنه كان في غاية البساطة، وأفضل مما توقعنا، والمهم هنا أن نقدم ولا نتردد كثيرا، وكما يقال "فساد الأمر أن تتردد".
وفقك الله، ويسر لك الخير والنجاح.