السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته,,
جزاكم الله عنا وعن المسلمين كل خير.
سؤالي باختصار شديد: ما هي حدود القوامة الخاصة بالرجال على النساء، ولا سيما وإن كانت بين أخ أصغر وأخته الأكبر سنا؟ حيث إنني كنت في سفر مع أختي الكبرى وأولادها مع أولادي, علما بأنني أخذت أختي من بيتها بعد إذن زوجها، وفي البلاد التي وصلنا إليها نزلنا في سوق مزدحم بالرجال، ولم يكن يوجد أدنى ترتيب في ذاك المكان، وما زادني اضطرابا وضيقا هو بكاء الأطفال في السيارة، ورغبتهم في النزول للسوق، ومن طباعي أني لا أحب الازدحام، وخصوصا إن كان معي نساء، وقد كانت معي أختي الكبرى وزوجتي.
حينما أدركت أنني بدأت أفقد السيطرة على أعصابي قررت الرحيل من السوق، فأمرت بغضب زوجتي بالرجوع إلى السيارة، وكذلك أختي الكبرى، وللأسف الشديد رفضت أختي الرجوع إلى السيارة دون أدنى تقدير لقوامتي عليها, واستعذت بالله من الشيطان الرجيم، وعدت أنا وزوجتي إلى السيارة، وكنت قد هممت أن أتركها في السوق وأرجع إلى الفندق، ولكني صبرت.
عندما انتهت من التبضع وحدها رجعت إلى سيارتي، وبدأت تخبر زوجتي بأن لا تحدثني ولا ترد علي بالجواب؛ مما أثار غضبي عليها, حتى اضطرتني أن أهددها بالضرب في حين عدم السكوت، ومراعاة كلامها لي, وبدأت تهدد بأنها سترحل من الفندق في حال وصولنا دون إذني, وأنها سترجع إلى بيتها بلا محرم، إلى غير هذا الكلام الذي أغضبني بشدة.
بعد هذه الحادثة لم تعد أختي تكلمني، وقاطعتني كليا، وكل حجتها أنها أكبر مني, ومتزوجة, ولا قوامة لي عليها.
أرجو من سيادتكم التوجيه والنصح لها -إن كانت مخطئة-، حيث إنني أرغب في إعادة إرسال الرد إليها عسى أن يهديها الله إلى الحق .
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ فهد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
إنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت, وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبارك فيك، وأن يثبتك على الحق، وأن يهديك صراطه المستقيم, كما نسأله تبارك وتعالى أن يبارك لك في أولادك، وفي زوجتك، وفي إخوانك وأخواتك، وأن يجعلكم جميعا من الصالحين المستقيمين على منهج الله رب العالمين.
وبخصوص ما ورد برسالتك – أخي الكريم الفاضل – فيما يتعلق بمسألة القوامة الخاصة بالرجال على النساء، فإن المعلوم أن هذه المسألة من المسائل التي عرض لها الشرع, وبينها بيانا واضحا كافيا شافيا، فجعل الأب على رأس الأولياء أصحاب القوامة على الفتاة ما دامت في بيته، وإذا لم يكن موجودا تنتقل القوامة إلى أبنائه، على أن تكون للابن الأكبر فنازلا.
أما إذا تزوجت المرأة وأصبحت زوجة تحت رجل فإن هذا الرجل هو الذي يكون قواما عليها، وهو الذي له حق الأمر والنهي بالنسبة لها، وهذا ما قاله الله تعالى: (الرجال قوامون على النساء).
أما بالنسبة لحالتك أنت فلا يلزم أن تكون قوامة بهذا المعنى، وإنما هي نوع من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فأنت محرم بالنسبة لزوجتك وأختك، والمحرم أيضا هو الذي يحول بين محارمه وعرضه وما لا يرضي الله تعالى، أو ما يؤدي إلى ضعف في الدين أو خلل في السلوك.
لكن الإنسان إذا ما أراد أن يمارس هذا الدور فينبغي أن يتمتع بقدر كبير من الحلم والأناة, مع الحزم والعزم، خاصة وأن هذه أختك الكبرى، فهي أكبر منك سنا، وجرت عادة الناس على أن الأخت الكبرى لها من الاحترام والتقدير ما للوالدة من حقوق، ولذلك عندما نتحدث معها نتحدث معها بنوع من الرفق والأدب, والحنان والتواضع؛ لأنها ما دامت أكبر فهي في منزلة الوالدة -كما جرت عادة الناس وأعراف الناس-.
هذه التصرفات التي حدثت من أختك تدل على أنها ترى أنك ابن من أبنائها –مثلا-، وأنك ليس من حقك أن تأمرها وأن تنهاها بهذه الطريقة، ولعل هذه التصرفات وقعت منها على سبيل الخطأ، فأنا لم أتصور أن أختا فاضلة تفعل هذه الأشياء التي أدت إلى إثارة غضبك، وإلى فقدك السيطرة على أعصابك نتيجة تصرفاتها التي كان من الممكن أن يتم الاتفاق عليها قبل أن تذهبوا إلى السوق بأننا سوف نفعل ونفعل ونفعل، ولكن لعدم وجود خطة للتسوق, أو للأماكن التي تتم زيارتها ترتب هذا الخلاف البسيط بينك وأختك.
كان الأولى بها حقيقة أن تستمع لكلامك ما دمت أنت لا تأمر بمنكر, وإنما تحرص عليها وعلى أولادها، فكان الأولى بها أن تستمع لكلامك, أو أن تناقشك في الموضوع، وأن لا تأخذ أنت قرارا متعسفا, أو قرارا متعجلا، وإنما أيضا ينبغي عليك أن تراعي كبر سنها, وأن تراعي حاجتها.
أنا أرى أن كلاكما حقيقة قد جانب الصواب في علاج هذه المسألة، وإن كنت أتمنى أيضا من أختنا الفاضلة أن تكون أكثر مرونة، خاصة بأنك لست بطفل أو شاب صغير مراهق، وإنما أنت رجل متقدم في السن, ومعك زوجتك, ومعك أولادك، فأنت تحسن قيادة الأمر.
إلا أني أقول: لعلك أيضا بالغت نوعا ما في عملية العصبية وغير ذلك؛ مما أدى إلى نفورها منك، حتى وصل بها الحال أنها قاطعتك كليا، وحجتها أنها أكبر منك, وأنها متزوجة, ولا قوامة لك عليها.
نقول: نعم, لا قوامة لك عليها في وجود والدك، ولا قوامة لك عليها في وجود زوجها، ولكن بما أنكما الآن في سفر, وبعيدين عن القوامين الأصليين فأنت القوام, وأنت صاحب الأمر والنهي، شريطة أن تأمر بمعروف, وأن تنهى عن منكر.
لذلك نقول لأختنا: نتمنى أن تتركي هذه المقاطعة؛ لأنها ليست في صالحك، ونتمنى أن تعلمي بأن الأخ ما دفعه إلى ذلك إلا الغيرة على عرضه، الغيرة عليك وعلى أولادك، ولعله كان يرى في تلك التصرفات التي حدثت نوعا من الخلل بهذه القوامة فأدى بذلك إلى هذه العصبية.
كذلك أيضا عدم ركوبك السيارة, أو تركك لهم وتركه لك في السوق أيضا، أعتقد أنه بذلك قد أخطأ؛ لأنه كان الأولى أن تحلوا هذه المشكلة فيما بينكما أنتما في السوق، حتى لا تظلي وحدك أنت وأولادك في السوق، فقد تتعرض المرأة لأي اعتداء في أي لحظة من اللحظات، قد تسمع كلمة نابية, أو عبارة بذيئة ممتهنة، وقد يتعرض لها إنسان تعرضا جسديا، وهذا كله وارد في أي مكان من أرض الله تعالى، إذا كان ذلك قد حدث في الصدر الأول في مدينة النبي عليه الصلاة والسلام من بعض ضعاف الإيمان، فهل نظن أننا الآن في الجنة, وأنه لن ينظر رجل إلى امرأة, ولن تنظر امرأة إلى رجل؟!
أرى أن الأخت أيضا جانبها الصواب عندما أصرت أن تظل في السوق, وأن تترك أخاها، وكان الأولى بكما أن تناقشا الأمر معا، وأن يكون الأمر بينكما فيه نوع من التفاهم، وكنت أتمنى أن لا تترك أختك, حتى وإن كانت قد أخطأت؛ لأن هذا قد يعرضها للخطر، وبذلك تكون القوامة قد انتفت وانتهكت.
عموما الأمر بسيط، وليس فيه ما يقتضي القطيعة، وأنا أنصح الأخت أن تتوب إلى الله تعالى, وأن تستغفر الله من مقاطعتها لأخيها؛ لأنه ما أراد لها إلا الخير، وما أراد لها إلا الحق، وهو فعلا كان قوامها، والقيم على أمرها في السفر؛ لعدم وجود والدها أو زوجها، فمسألة أنه لا قوامة له عليها ليست صحيحة، وإنما كان هذا حقه الذي مارسه صيانة لعرضه وحفظا لحرماته، وهذا أمر لا خلاف فيه شرعا.
أسأل الله تعالى أن يغفر لأختك، وأن يصلح ما بينكما، وأن يؤلف على الخير قلوبكما.
هذا وبالله التوفيق.