السؤال
أخي طلق حديثا، وهو الآن يعيش في حالة نفسية يقول: الناس خير منا، أنظري أنت وزوجك، وأنا وزوجتي يضحك الناس علينا.
وأمي تصبره لكن هو دائما متذمر، للعلم هو في بيت بمفرده، وحالته المادية جيدة -والحمد لله- لكن مشكلته لماذا تتغذى الزوجة مع أمه؟ ونحن نقول له دائما: ردها.
أريد منك أن تقول لي شيئا نرفع به معنوياته.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ منى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت، وفي أي موضوع، ونسأل الله -جل جلاله- بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبارك فيك، وأن يثبتك على الحق، كما نسأله -تبارك وتعالى- أن يصلح حال أخيك، وأن يمن عليه بعودة زوجته إليه أو يعوضه خيرا منها، إنه جواد كريم.
وبخصوص ما ورد برسالتك -أختي الكريمة الفاضلة- من أن أخاك قد طلق زوجته حديثا وهو يعيش الآن في حالة نفسية غير مستقرة، ووالدتك تحرص على تصبيره وتثبيته، ولكنه دائما متذمر، وأنتم عرضتم عليه أن يقوم برد زوجته إليه، وتريدين كلمة -كما ذكرت- ترفعين بها من معنوياته.
أقول لك -أختي الكريمة الفاضلة- : إنه مما لا شك فيه أن قضايا الزواج والطلاق أولا هي من أقدار الله تعالى؛ لأن الله -تبارك وتعالى- كما أخبرنا نبينا -صلى الله عليه وسلم- (قدر المقادير قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة)، ولا يقع في ملك الله إلا ما أراد الله، فلا تحدث حالات وفاة إلا بأمر الله، ولا حالات ولادة إلا بأمر الله، ولا حالات طلاق إلا بأمر الله، ولا حالات زواج إلا بأمر الله، ولا تسقط ورقة من على شجرتها إلا بأمر الله -جل جلاله سبحانه-، قال تعالى: {وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين}، ولا تهب نسمة ريح إلا بأمر الله، إلى غير ذلك من الأمور التي تنظم هذا الكون كله.
فهذا الطلاق الذي حدث من أخيك لزوجته هو بقدر الله تعالى، فقد سبق في علم الله تعالى قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وليس معنى ذلك أن الإنسان يطلق ويقول قد قدر الله، لأننا قبل وقوع الشيء لا ندري ماذا كتب الله -تبارك وتعالى- وماذا قدر، وإنما نحن مطالبون أن نجتهد في علاج المشكلات، وأن نحرص على عدم تفاقمها، وأن نأخذ بأسباب السعادة والأمن والتفاهم والحوار.
والطلاق شر في معظم أحواله، ولذلك كما ورد (أبغض الحلال عند الله الطلاق)؛ لأن الطلاق فيه تمزيق للأسرة، وفيه تفريق لشملها، وإذا كان هناك أبناء فمعنى ذلك أن فيه تشريد لهم, وفيه حكم على هؤلاء الأبناء بالموت البطيء، لأن الأم مهما كانت قدراتها فلن تستطيع أن تقوم بالتربية الكاملة لأبنائها بمفردها، وكذلك الأب مهما كانت إمكاناته فلن يستطيع أن يوفر لهم أما بسهولة تعامل أبناءه كما لو كانت أمهم الحقيقية.
ولذلك نرى أن الطلاق شر، وأنه ليس علاجا للمشاكل، وإنما هو تعقيد للمشاكل، أو حل المشكلة بمشكلة أصعب منها، وأعمق، لذلك أقول:
إذا كانت هناك فرصة فعلا للإصلاح فأتمنى أن نبذلها جميعا، وأتمنى أن تجتهدوا مع معارفكم وأقاربكم في محاولة إقناع أخيك مرة أخرى برد زوجته إليه، وإذا كانت هناك مشاكل أو اختلاف في وجهات النظر فلا مانع أن تعرض على بساط البحث، وأن ينظر فيها، وأن يحدد الأكثر جناية فيها، ثم توضع خطة للتخلص منها؛ لأن المشكلات النفسية شأنها شأن الأمراض والعلل والأسقام قابلة للتغيير، وقابلة للعلاج، ولا يوجد هناك شيء في هذا الكون أبدا إلا وهو قابل للتغيير والعلاج؛ لأن الله تعالى جعل هذا سنة الكون، ولكنه قال: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}.
فإذا لم نقم نحن بعملية التغيير لم ولن يحدث تغيير في أي شيء، ولذلك نحن مطالبون دائما بالنظر إلى الأفضل، والأحسن بالنسبة لنا، والحرص على ذلك، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- : (احرص على ما ينفعك, واستعن بالله، ولا تعجز)، فأنا مطالب أن أمشي في الحياة وفق هذه القاعدة، الذي ينفعني أحرص عليه شريطة أن لا أتعدى حدودي، وأن لا أعتدي على حق الآخرين، لأنه كما أنه من حقي أن أستنشق هواء نقيا فمن حق الآخرين علي أن أوفر لهم ذلك، وكما أنه من حقي أن أمشي في الطريق بحريتي فإن من حق غيري علي أيضا أن أعطيه الفرصة ليستمتع بهذا الحق.
أتمنى أن نرجح دائما جانب الإصلاح، وأن تجتهدوا جميعا في إقناع هذا -الأخ الفاضل- بإعادة زوجته إليه، ولا مانع كما ذكرت من أن نبحث في المشاكل والأسباب التي أدت إلى حدوث هذا الخلاف والوصول به إلى حالة الطلاق، ثم نحاول أن ندرسها دراسة متأنية ونطلب من الطرف الأكثر خطأ أن يعتذر للطرف الآخر، وهذا ليس فيه عيب، على أن تعود المياه لمجاريها، وأنا أقول لأخيك فعلا:
إن زوجتك التي تعرفها قد تكون أفضل من كثيرات من اللواتي لا تعرف عنهن شيئا، لأن هذه المرأة على الأقل أصبحت على علم بمحاسنها ومساوئها، وهي أيضا أصبحت قريبة منك باعتبار أنها احتكت بك، وتعرف ما الذي تحبه، وما الذي لا تحب، فمسألة تقويمها أسهل من أن تأتي بزوجة جديدة لا تعلم عنك ولا عن صفاتك شيئا، ولا تعلم أنت عنها شيئا، وإذا كانت نسبة الخير فيها عالية فهذه فرصة لأن نحاول أن ننميها لتكون هي الصفة الغالبة، وهي الصفة العامة التي تتمتع بها الأسرة.
إذن أقول أخي -بارك الله فيك-: اعلم أن هذا الطلاق أولا هو بقدر الله تعالى، وهو ابتلاء ستثاب عليه من قبل الله -عز وجل-، لأنه ومما لا شك فيه قد أحدث لك بعض الهم والغم؛ لأن امرأة كانت تحتك أصبحت بعيدة عنك وبعد أن كنت تعيش معها أصبحت تعيش وحدك، وتشعر بنوع من الفراغ في حياتك على الأقل في الجانب الذي كانت تسده هذه المرأة.
فأنا أرى أن تبدي نوعا من المرونة وأن تبدأ في عملية الإصلاح، سواء بنفسك أو بواسطة غيرك، إذا كنت يرى أنه سيكون مجديا أو نافعا، وأقول بأنه لا توجد مشكلة بلا حل، وأكرر لا توجد مشكلة بلا حل، ولكننا أحيانا يكون حالنا كحال الطبيب الذي لا يستطيع أن يشخص الحالة تشخيصا دقيقا فتظل المشكلة قائمة رغم تقديم الدواء لها.
فضرورة البحث عن حل للمشكلة، وضرورة إعادة المياه لمجاريها أفضل مرة ومرة، إلا إذا كان الأخ يرى فعلا أنه من المستحيل أن تصلح هذه الأخت وأنها لن تقوم بدورها فيحتسب أجره عند الله ويبحث عن غيرها.
هذا وبالله التوفيق.