السؤال
إخوتي الأساتذة، إخواني وأخواتي في الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أريد منكم إخواني الأساتذة أن تراجعوني في قضيتي التي أراها جد معقدة. عمري 25 سنة والحمد لله كلها طاعة لله ورسوله، أعمل مهندسا في شركة عالمية والحمد لله، منذ بداية عقدي الثالث تطرقت إلى بحر الدعوة إلى الإسلام عن طريق الإنترنت والشات، تعرفت على كثير من الجنسيات الأجنبية وبفضل الله وعونه كان لي أثر جميل على نفوس أرادت معرفة حقيقة الإسلام.
المهم كنت مستاء من حال الرجال المسلمين المغتربين -الذين يقال لهم مسلمون، وليس لهم في الإسلام إلا الاسم- الذين يتزوجون النساء الغير المسلمات، والذين بعد أن يعتنقن الإسلام، أو يصبحن زوجات قانتات صالحات يهجروهن بكل بساطة، أدماني هذا الأمر كثيرا، فعزمت أن أتزوج من أحدى هذه النساء طاعة لله، ولأعف تلك المطلقة، وأغرس بذور الإسلام من جديد في قلوب من غدر بهن.
فحاولت مرارا في البداية ولم أوفق وبتوكلي على الحي الذي لا ينام أن ييسر أمري مرت الأيام وبمساعدة من دعاة؛ تعرفت على بنت -ما شاء الله- عقيدة، وشريعة تتلألأ في عروق دمها، رزقها الله من لب الإسلام وحب طاعته ما يفقد في هذا الزمان، أحببتها جدا بعد ما أحبتني أكثر من نفسها، رأيت صورتها في الأول ولم أر أي نقص في جمالها.
توالت أيام المحبة والاحترام إلى أن أفقدني الشيطان لذة الاحترام فتبادلنا القبل -أذرف دموعا وأنا أكتب لكم هذه الحروف الآن- كررنا الأفعال الشيطانية مرات عدة وكنا نبكي مما اقترفنا من ذنب في حق الله وفي حق القبر ويوم المعاد، لم تكن إلا أياما معدودة وبفضل الله ومن ثم بفضلها غمر قلوبنا الإيمان والخشية من الله، تداعت أنفسنا إلى حب الآخرة ورضى الله، كلنا شوق إلى اللقاء في حياة زوجية، وفي الوقت الذي كانت هي منهمكة في مرارة وثائق الزواج، من فيزا وترجمات للوثائق الرسمية، وجدت نفسي أنفر من جمالها -هي حسنة الجمال من أوربا الشرقية-، كبرت الفكرة في عقلي إلى حد التخاصم معها من أجل أمور تافهة، كانت والله دائمة الصبر والاحتساب والطاعة، وتذكرني بالآخرة وطاعة الله عز وجل في كل الأوقات.
أنا الآن محتار، وشارد معظم أوقاتي -في الصلاة، في العمل، مع عائلتي وأصدقائي- أستخير الله فأجد نفسي مرتاحا قليلا وعازما على المضي في الزواج منها، ولكن بعد مرور بعض الوقت أرجع مستاء كئيبا، أريد مصارحتها أحيانا ولكن أمرا في قلبي يؤنبني -ليس لها من المسلمين من تعرف، فهي تعيش في بلدة مع عائلتها المسيحية ليس فيها مسلمين ولا مسلمات، كلهم مسيحيون ويوجد فيها الشيعة متربصين بها ليس لمساندتها وإنما للنيل منها، أو قتلها لأنها سنية العقيدة، فأذرف دموعي ساجدا، ومتوسلا إلى الله أن يعينني في أمري هذا.
وأنا الآن جئتكم راجيا من الله ومن ثم منكم العون والنصح والإرشاد في أقرب وقت "والله ولي ذلك والقادر عليه" أعينوني من فضلكم الذي فضلكم الله به، فأنا أخوكم في الله، أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه وصلى الله وسلم على سيدنا محمد.
والسلام عليكم ورحمة الله و بركاته، وعذرا عن تعبيري الرديء.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Mohamed حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فمرحبا بك -أيها الأخ الحبيب- في استشارات إسلام ويب، نسأل الله تعالى أن يجري الخير على يديك، وأن يقدر لك الخير حيث كان.
نحن نشكر لك أولا حرصك على الإحسان إلى هذه المرأة المسلمة بهذا القصد النبيل، وهو تثبيتها على الإسلام وتحبيبه إليها، ونسأل الله تعالى أن يأجرك على هذه المشاعر والمقاصد الحسنة، وأن يجعلك مفتاحا للخير مغلاقا للشر.
ومما شك فيه أن تزوج هذه المرأة مع ما وصفت من دينها وإن كانت قد وقعت في المعصية لأمر عارض، لا شك أن في تزوجها وإعفافها إعانة لها على دينها وحفظا لها من البعد عن دينها أولا أو الوقوع في أنواع المعاصي ثانيا، وأنت إذا وفقت لهذا الخير العظيم فإنك ستظفر بأجر كثير.
ولسنا نرى فيما ذكرت ما يدعوك للانصراف عنها إن كان بسبب نقص يسير في جمالها، فإن هناك من المحفزات الشيء الكثير الذي يدعوك إلى الزواج بها وتناسي هذا العيب إذا كان تناسيه ممكنا بالنسبة لك، من أهم هذه المحفزات:
أن تعلم بأن كون المرأة فائقة الجمال سبب يبديها في غالب أحوال النساء مما يعود على البيت بالتدبير أو على المرأة بالطغيان على زوجها والتكبر عليه، ولهذا أوصى الحكماء وعلماء الشريعة منهم، أوصوا من يطلب امرأة للزواج أن لا يحرص على أن تكون فائقة الجمال، لأن جمالها يطغيها، ولكن هذا لا يعني أن الإنسان لا يلتفت إلى القدر المرغوب فيه من الجمال الذي يكون سببا لسكون النفس وقرار العين بزوجته.
ثم ينبغي أن تعلم أن البيوت لا تبنى على الحب وحده، فإن الزواج له مقاصد عظيمة كتحصيل الذرية الطيبة والمرأة الصالحة التي تقوم على هذه الذرية، وإعفاف النفس وإعفاف هذه المرأة التي يتزوجها، وغير ذلك من المقاصد العظيمة التي تنشد من وراء النكاح والزواج، ولذلك كانت مشورة عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- لمن أراد أن يطلق زوجته، أن قال له هذه الكلمات:( وهل كل البيوت تبنى على الحب).
هذه بعض المحفزات التي تدعوك إلى الزواج بهذه المرأة بعد أن وعدتها بذلك، ونحن نرى أنها إذا كانت صالحة في دينها فيها القدر المقبول من جمال الخلقة، نرى أنك ينبغي أن تستخير الله تعالى في الزواج بها، ثم تتوكل عليه سبحانه وتعالى، وسيجعل الله عز وجل لك فيها خيرا كثيرا، فقد قال سبحانه وتعالى:{ وإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا}.
هذا كله ما دمت قادرا على أن تتقبلها، أما إذا كنت تجد من نفسك النفرة الشديدة منها فإنك لا تكلف بالزواج بها، والاعتذار عن ذلك سائغ جائز شرعا، وحاول أن توصل إليها هذه الرسالة عن طريق بعض النساء، مع إبداء بعض الأعذار التي يمكن أن تكون مقبولة ولو استعملت معاريض الكلام، أي الكلام الذي يفهم منه السامع شيئا وأنت تقصد به شيئا آخر، كأن تقول (لا أستطيع الزواج) تقصد بها، ونحو ذلك من الكلام الذي يهون عليها الأمر، وتستسيغ معه الاعتذار، وسيجعل الله عز وجل لها فرجا ومخرجا، فقد تكفل سبحانه وتعالى بإغناء كلا من الزوجين بعد الطلاق؛ فكيف بمن لم تتزوج أصلا.
خير ما نوصيك به -أيها الحبيب- الإكثار من ذكر الله تعالى ومداومة الرقية الشرعية لنفسك بما تعانيه من الضيق والاكتئاب، بالمحافظة على أذكار اليوم والليلة، والمداومة على قراءة القرآن، والإكثار من نوافل الأعمال والمحافظة على الفرائض قبل ذلك، ولا ننسى أن نوصيك بالتوبة مما فعلت مع هذه المرأة، والندم على صنيعك كذلك، فإن التوبة يمحو الله عز وجل بها الذنب، ونحذرك من التساهل في الذنوب، ويجب أن تقطع التواصل مع هذه المرأة حتى لا يجرك الشيطان للوقوع في المعصية مرة أخرى.
ونسأل الله تعالى أن يقدر لك الخير حيث كان ويرضيك به.