الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تركني خطيبي من أجل إرضاء والدته، فكيف أتصرف ليعود لي؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تعرفت على شاب منذ 3 سنوات، وعلاقتنا كانت جميلة، ولكني تخوفت من والدته، لأنه الوحيد بين 4 فتيات، وشخصية والدته قوية جدًا، وحينما تعرفت عليها لم تظهر أي إعجاب بحسب منظوري، ومن هنا بدأت مشاكلنا ولم تنته؛ لأني لا أشعر بالأمان معها، وأنا أعرف أنها تفعل ما تريده، فهو ابنها الوحيد، وكنت خائفة أن ترفضني، وكذلك كان بيننا عدة مشاكل أخرى، ومنها: عدم اهتمامه بي، ويبرر ذلك بسبب نفسيته لأنه لم يحصل على فرصة عمل مناسبة.

أخيرًا حان الوقت المناسب ليتقدم لخطبتي، وأتى مع أهله، ولم تكن والدته على ما يرام، شعرت أنها لا تريدني، وتكلمت معه بالأمر وكان ينكر ذلك، وتمت قراءة الفاتحة، وأهلي أعدوا العشاء لأهله، ثم دعونا أهل الخاطب للعشاء، وبدأت المشاكل تتفاقم حول زيارتي لهم.

بعد فترة دخل موعد عيد الفطر، وكنا في حالة حداد -بسبب موت خالي-، جاء خاطبي لزيارتنا مع والدته، ولم يعطني عيدية، وطلب مني زيارة أهله، وأجبته هل زيارتي واجبة أم لا؟ وإجابتي لم تعجبه، وخلال هذه الفترة لم يأت لزيارتي، ومر يوم ميلادي ولم يقدم لي أي هدية، تعبت من إهماله وتقصيره.

بعدها دخل علينا عيد الأضحى، وأتى لزيارتنا، وسألته عن والدته، فقال: إنها غير مجبورة، اتفقت معه أن أذهب لزيارتهم، وبعد أن تجهزت لم يأخذني، وأخبرني بأنه يشعر بأني لا أريد الذهاب، واتهمني بأن أهلي مقصرون ولم يذهبوا لمعايدة أهله، ونشب بيننا خلاف كبير، وقام بالصراخ علي، وفي اليوم التالي تحدثت مع أخته لأوضح لها ما حدث، فاتصلت والدته وقالت لنا: لا يوجد نصيب.

أنا أحبه وهو يحبني، فكيف يمكن إرجاع العلاقة، ومن هو المخطئ؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ jehan حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحباً بكِ -أختي الفاضلة- في استشارات إسلام ويب.

بداية: من المهم أن نناقش معك مسألة التعارف بين الشباب والفتيات قبل الزواج، فلها ارتباط وثيق بالتوفيق والبركة في إتمام الزواج من عدمه، فكل ما يحدث من أخطاء وتجاوزات، غالبًا هو نتيجة للبناء على هذا الخطأ، وتجاهل المحذورات الشرعية والآداب الإسلامية، ورغم انتشار وتجاهل هذا الخطأ في كثير من المجتمعات المسلمة تقليدًا للغرب وثقافته، إلا أن ذلك لا يعني تحوله إلى صواب، أو تجاهل نتائجه السلبية على استقرار الأسرة بعد الزواج، قال الله تعالى: {أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم}، لذا يجب أن تُبنى الأسرة على أساس تقوى الله وطاعته أولًا، والابتعاد عن مخالفة أمره ثانيًا؛ حتى يبارك الله تعالى هذا السعي، فقد قال تعالى: {إن الله لا يصلح عمل المفسدين}.

وعليه يجب أن تعلمي أن التعارف العاطفي قبل الخِطبة يُعد من المخالفات الشرعية، فقد نهى الإسلام عنه سدًا لباب الانحرافات، وحفظًا للأعراض من أي فساد، وفي المقابل أباح الإسلام فترة الخِطبة كفرصة للتعارف والتفاهم بين الطرفين، تحت إشراف العائلتين ومباركتهما، وهذه الفترة كافية للتعرُّف على الأخلاق والدين والطباع، والتفاهم حول الأمور المهمة المتعلقة بالزواج، وفق حدود وضوابط الشرع، فإن حصل القبول والتفاهم، انتقل الطرفان إلى مرحلة الزواج، وإن لم يحدث ينتهي الأمر دون التزام تجاه أي طرف، فالخِطبة مجرد وعد غير مُلزم بالزواج.

لذلك من المهم أن تتوبي توبة نصوحة إلى الله، عن العلاقة التي كانت قبل الزواج، وتحرصي على تأسيس حياتك الزوجية وفق التوجيهات النبوية، والأخلاق الإسلامية، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير"، فمعيار الدين والأخلاق هو الأساس الأول الذي ينبغي أن تحرصي عليه.

الأمر الآخر: ما يخص تجاوز الحدود في العلاقة أثناء الخِطبة، فهو من الأمور التي تخالف الشرع، فالزيارات الخاصة بين الخاطب والمخطوبة، أو الخروج منفردين، ينافي حدود ومقاصد الخِطبة التي حددها الإسلام، ومخالفة الشرع تؤدي دائمًا إلى الشر والفساد وانتزاع البركة والتوفيق.

أما ما يتعلق بوالدة هذا الشاب: فلا شك أنها أمه، ولها حق كبير عليه، ولا بد أن يحرص على رضاها قدر استطاعته، وكان من الممكن بعد معرفة شخصيتها أن تتعلمي كيفية التعامل معها، كونها مؤثرة في قراراته، وستكون حريصة على اختيار زوجة لابنها وفق معاييرها الخاصة، لذا كان يجب عليك التهيئة النفسية، والاستعداد للتعامل مع تدخلاتها المحتملة عند الكثير من المواقف.

أختي الفاضلة: ما دامت رغبة هذا الشاب في ترك الخِطبة، فله الحق في هذا الأمر، وليس من المهم معرفة الطرف المخطئ، بقدر أن تعرفي كيف ولماذا حدث هذا الخطأ؟ وكيف يتم التعلُّم منه وتداركه في حياتك المستقبلية، أما إذا رغبتِ في عودة هذه العلاقة، فقد يكون الحل الأفضل في هذه الفترة هو التواصل بين العائلتين، لحل سوء التفاهم، من خلال الحوار الهادئ، أو بتوسيط طرف ثالث له مكانة عندهم ليشفع لكما في العودة للخطوبة.

أيضًا عليك بالالتفات للواقعية والنظرة العقلانية في بناء العلاقة، فالاندفاع العاطفي قد يُنسيك التفكير في مقاصد الزواج ومسؤولياته، وما يحتاج من مقومات أخرى غير الحب، فالواقعية تساهم بشكل كبير في تأسيس الزواج واستقراره بشكل ناجح.

أخيرًا -أختي الفاضلة-: استخيري الله تعالى، واسأليه أن يختار لك الخير، ويوفقك له، فكم من الأشياء نراها خيرًا تكون عاقبتها الشر، وكم من الأشياء نراها شرًا وتكون عاقبتها الخير، لذلك نلجأ إلى الله أن يختار لنا بعلمه المطلق وقدرته المحيطة، قال تعالى: {وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئًا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون} علّقي قلبك بالله، وارضي بما يختاره لك، وسلمي أمرك له سبحانه، فذلك يحقق الطمأنينة والسعادة لقلبك، أكثري من التقرب إلى الله تعالى بتلاوة القرآن، والمحافظة على الفرائض والنوافل، فكل هذه الأعمال تعين على القرب من الله، وتحقق الاستقرار النفسي، والشعور بالسعادة والرضا.

وفقكِ الله ويسّر أمركِ.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً