السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
شخنا الفاضل: ما واجب التائب نحو رفقة السوء القدامى؟ لأن كثيرا من الشباب الذي التزم جديدا قد يتحمس نحو هداية وإرشاد أصحابه القدامى، فيعود لهم بقصد النصح والإرشاد؛ مما قد يتسبب فى انتكاسته وعودته إلى المعاصي! أم عليه هجرهم ولا عليه من ضلالهم؟ أم يعود لنصحهم بعد أن يقوى الإيمان عنده؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبدالرحمن حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يثبتك على الحق، وأن يهديك صراطه المستقيم، وأن يجعلك من الدعاة إليه على بصيرة، وأن يجنبك الفواحش والفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يجعلك سببا في هداية إخوانك المسلمين وتوبتهم، وعودتهم إلى الله رب العالمين.
وبخصوص ما ورد برسالتك من سؤالك عن واجب التائب نحو رفقة السوء القدامى، أقول لك أخي الكريم الفاضل:
إن الذي أراه إنما هو فرضيتك الأخيرة، أنه يعود إلى نصحهم بعد أن يقوى الإيمان عنده؛ لأنك تعلم أن من علامات التوفيق في التوبة هجر البيئة الفاسدة والصحبة السيئة، فبما أن التائب ما زال في أول طريق التوبة والعودة إلى الله تعالى فهو ما زال لم يقو عوده، ولم يقف على ساقه، وبالتالي فإن مسألة انتكاسته سهلة ميسورة كما ذكرت؛ لأن هذه الصحبة قد تكون كتلة، بمعنى أنها قد تكون مجموعة من الشباب، والكثرة تغلب الشجاعة كما يقولون.
وقد يكون فيهم من هو أدهى منه، ومن هو أكثر منه ذكاء وأقدر على قيادته، فيضعف لديه الرغبة في التوبة والعودة إلى الله تعالى؛ ولذلك على الأخ التائب أن يهجر جميع الصحبة القدامى التي كانت عنده، وأن يهجر البيئة التي كان فيها أيضا حتى تستقر التوبة في قلبه، وحتى يطمئن قلبه بالإيمان، وحتى تضيء حياته بنور الطاعة والاستقامة على منهج الله؛ لأن الله تبارك وتعالى أخبرنا بقوله: {ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور} ويقول: {أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها}.
فهو الآن أحياه الله بعد موت، فلا ينبغي عليه أن يعود إلى الأموات، خاصة في أول أيام التوبة، وإنما عليه كما ذكرت لك أن يهجر هذه البيئة تماما، وهذه الصحبة تماما، وأن يجتهد في تقوية الإيمان عنده والأخذ بأسباب الثبات على الحق، وأن يدرس عوامل الثبات على الدين بقوة، وأن ينفذها في حياته، ثم بعد ذلك يعود مرة أخرى لهؤلاء، فإن قدر الله سبحانه وتعالى له هدايتهم كان سببا في هدايتهم، وإن قدر الله خلاف ذلك فإنه لا حرج عليه -بإذن الله تعالى-، ويكون بذلك قد أدى الذي عليه وقد حافظ على دينه وحافظ على ثباته.
وهؤلاء -إن شاء الله- إن كانت هدايتهم على يده كان ذلك في ميزان حسناته، وإن قدر الله خلاف ذلك يكون قد أدى الذي عليه، ولكن أنصح كما ذكرت فعلا أنه لا يذهب إليهم إلا بعد أن تستقر لديه عوامل التوبة، وأن يتذوق حلاوة الإيمان، وأن يشعر فعلا بانه أصبح قادرا على المواجهة، لاحتمال كما ذكرت أن يكونوا هم أقوى منه وهم أكثر تمرسا في المعاصي منه، فيؤدي ذلك إلى تغلبهم عليه وبالتالي عودته مرة أخرى إلى المعاصي والعياذ بالله تعالى.
فإذن أقول بناء على الفرضية التي وردت في رسالتك، عليه أولا أن يبدأ بنفسه، وأن يجتهد في ذلك، وبإذن الله تعالى إن استقر الإيمان في قلبه وأصبح قويا وقادرا على السباحة ضد التيارات العاتية فلا مانع أن يخوض غمار البحار. أما إذا كان على خلاف ذلك فلقد قال الله تعالى: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها}.
أسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقنا وإياك لكل خير، وأن يعيننا وإياك على طاعته ورضاه، إنه جواد كريم.
هذا وبالله التوفيق.