السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تحياتي للمشرفين على هذه الصفحة، أنا فتاة عمري 17 سنة، ألبس حجاب الشرعي، ملتزمة، خطبني أخ ملتزم عمره 23 سنة منذ 8 أشهر، وفي هذه الفترة رزقني الله حبه، وعلمت أنه يحبني من تصرفاته.
المشكلة أننا أولا اتفقنا أن لا أتكلم معه بالهاتف في خلوة، فكلما أتكلم معه تكون بجانبي والدتي أو أخي، وكلما أتكلم معه ينصرفون بالخروج، خاصة أمي لا تريدني أن أتكلم معه أمامها؛ لأنها تعتقد أنني لا أجد راحتي، وأستحي من التكلم معه أمام أبي، هكذا حتى أصبحت أكلمه من دون وجود محرم، منذ فترة مرة أكلمه في خلوة، ومرة أتجنب ذلك حتى أنه قال لي يوما: أنه يحبني، لم أجبه، لكنني لم أستطع أن أمنعه من ذلك؛ لأنني ضعيفة .. جاهدت نفسي مع مرور الأيام لكن دون جدوى، قلت له يوما: أحبك ثم ندمت ندما شديدا، وبكيت كثيرا، وترجيت من الله أن يغفر زلتي، وأنا والله أحبه حبا صادقا في الله.
أحس أنني لا يمكنني الابتعاد عنه، أو أن يمضي يوما لا أتكلم معه لأنه مصدر سعادتي وراحتي؛ لأنني أعيش في وسط عائلة ليست ملتزمة، وفي محيط أحس فيه بأنني غريبة، لا أجد غيره يعينني على أمور ديني، ولا غيره أفضفض له ويفهمني ويواسيني.. والله أتمنى من المولى أن يجمعنا في الدنيا قريبا، فوالدي رفض أن يتم العقد الآن لأنه قال: أنني لا أزال صغيرة، ويجب علي أن أتم دراستي.
وأسأل الله أن يجمعني وإياه وإياكم في الفردوس يا رب.
أرجوكم أفيدوني.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مريم حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحابته ومن والاه.
بداية نرحب بابنتنا الكريمة في موقعها، نسأل الله أن يسهل أمرها، وأن يجمع بينها وبين خطيبها على الخير، وأن يعينهما على إكمال هذا المشوار فيما يرضي الله تبارك وتعالى. نكرر ترحيبنا بك ونشكر لك هذا الحرص على الخير، وهذا الحرص على أن تكون علاقتك بخطيبك وفق المعايير الشرعية والضوابط المرعية، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يجمع بينكما على الخير، وأن يعينكما على بلوغ الحلال، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
حقيقة كم تمنينا أن يتم هذا الزواج وأن تكتمل مظاهر البهجة والسرور في هذه الأسرة، وكم تمنينا أن يعقل الآباء أهمية أن تتزوج الفتاة وهي صغيرة، خاصة عندما تكون ناضجة مثل هذا النضوج وواعية مثل هذا الوعي، وجاءها الشاب الذي ترتاح إليه، ودخل دارها من الباب، وجاء بأهله الأحباب، وحصل التوافق وحصل التلاقي، والأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف، عند ذلك لا نملك إلا أن نقول: (لم ير للمتحابين مثل النكاح).
وكم تمنينا أن يدرك الآباء والأمهات لمسألة تأخير الزواج هي بدعة، ما دخلت علينا إلا بعد فترة المستعمر البغيض، وإلا فالأصل عندنا أن تتزوج الفتاة باكرا، وأن تذهب إلى بيتها وسعادتها في وقت مبكر، والكفار والذين ليسوا على ملة الإسلام إذا أخروا الزواج فإن لهم حلول ولهم وسائل أخرى – والعياذ بالله – يصرفون فيها تلك الشهوات، لكن المؤمنة والمؤمن ليس أمامهم إلا هذا العفاف وإلا هذا الطهر وإلا هذا النكاح الذي هو سنة رسولنا عليه صلوات الله وسلامه وطريقة الأنبياء من قبله عليهم صلوات الله وسلامه.
أسعدني حرصك – يا ابنتي الكريمة – على ألا تكلمي الخاطب إلا وأنت بجانب الوالدة أو بجانب الأخ أو بجانب محرم من محارمك، وأعتقد أن هذا الخاطب كان يمكن أن يعتقد في كل مرة أن هناك من يقف بجوارك، وهذا فيه عون لك وله، لأن التوسع في المكالمات يجلب لك وله الأتعاب، والخطبة – يا ابنتي – ما هي إلا وعد بالزواج، لا تبيح للخاطب الخلوة بمخطوبته ولا الخروج بها، ولا تبيح له كذلك التوسع معه في مثل هذا الكلام الذي بلا شك سوف يؤثر عليك ويؤثر عليه، وهو كذلك خصم مخزون العواطف التي ينبغي أن توفر لما بعد الزفاف، فإن الحب الحقيقي يبدأ بالرباط الشرعي ويزداد بالتعاون على البر والتقوى رسوخا وثباتا، ويزداد بمعرفة كل شريك بصفات شريكه الحسنة قوة كذلك وثباتا.
وإذا كنت قد قلت تلك الكلمة وندمت عليها فالعلاج في أن تتوبي وألا تكرري مثل هذه الكلمات، لأنها تجلب لك وله الأتعاب. نحن دائما نقول إذا كان الأب والأسرة مصرة على أن يكون الزواج بعد مدة فليس من مصلحة الخاطب ولا مصلحة الخاطبة أن يتوسعوا في مثل هذه المكالمات لأنها تجلب لهم آثار نفسية وتجلب لهم أضرار ويظهر عليهم اضطراب ويظهر عليهم القلق، فما أحوجنا إلى أن ننتبه إلى هذه المسالة.
وإذا كنت ولله الحمد له وهو أصبح لك ولله الحمد واختارك من بين سائر النساء ورضيت به من بين سائر الشباب ورضي أهلك به ورضي أهله بك، فما علينا إلا أن نتسلح بسلاح الصبر، وعليه أن يجتهد في إعداد نفسه لإكمال مراسيم الزواج، ولا مانع بعد ذلك من أن تطلبي من العاقلات من محارمك كالخالات والعمات ومن الفضلاء من محارمك من أعمام وخلان أن يتدخلوا ويكلموا هذا الأب وأن يطلبوا منه أن يعجل بأمر الزواج، ولا مانع كذلك من أن تشيري للشاب بأن يكرر المحاولات، ويطلب من أهلك أن ييسروا له أمر الزواج وإكمال هذه المراسيم.
إن الناس إذا وجدوا مثل هذا الحرص بهذه الرغبة في إكمال المشوار فلا أظن أن الأب سوف يتردد، وأرجو أن يدرك الجميع أن الدراسة ليست عائقة أمام الزواج، أو الزواج ليس عائقا أمام الدراسة، فكثير من الناس رجالا ونساء حققوا نجاحات كبيرة بعد زواجهم، لأننا نعتقد أن الزواج يعطي دافعية ويعطي روح جديدة، يعطي للدراسة طعما، لأن الدارس يعتقد أن هناك من سيفرح بنجاحه والدارسة تعتقد أن هناك من سيفرح بنجاحها.
فنسأل الله أن يقدر لك الخير، وأن يجمع بينك وبينه على هدى من الله ورضوان، وأن يبارك فيك، وأن يهدي هذا الأب، وأن يرزقنا وإياكم والجميع الصواب.