السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شيوخي الكرام: أبعث إليكم رسالتي والنار تكوي قلبي, ولا أدري من أين أبدأ, أنا فتاة أبلغ من العمر 31 سنة, ولم أتزوج بعد, ولكني مؤمنة برب العالمين, وأعمل محاسبة في شركة, ومرتاحة -الحمد لله كثيرا- فيها, ومرتبي جيد, وأقضي وقت فراغي في النادي أيام السبت والإثنين والأربعاء.
لا يوجد لدي صديقات نهائيا, فقط أعرف أخواتي وإخواني فقط لا غير, وفي النادي تعرفت على صديقات لكنهن لسن ملتزمات, ولكن يصلين, وبعد ذلك يعشن حياة المسخرة والضحك والتعليقات, لا يهمن إن كان الكلام يجرح أحدا أم لا, المهم أنهن يبقين الأفضل في النادي والمجموعة المسيطرة في النادي.
أنا أجالسهن ونتكلم ونضحك, ولكني لا أشترك معهن في المسخرة والمزح الزائد, ولا في الكلام عن الناس, ولأني ملتزمة ألاقي منهن مضايقات كثيرة, حتى أنهن يجرحنني وأبقى أقول لنفسي لا تغضبي ولا تتحسسي؛ لأني أعاشر الناس ولا خبرة سابقة لدي في ذلك, وأنا ملتزمة، ويجب أن أظهر بأحسن خلق لدي؛ لأنهن يتهمن أصحاب الدين بالتزمت والتخلف, وهذا لا يعجبني وأتضايق كثيرا.
أعيش معهن وقتا ما فإذا جاءت أخرى -غير ملتزمة- تصبح قريبة لهن أكثر مني, وأنا أقول يمكن أن يكون ظني غير صحيح, فما هي إلا صحبة نادي والسلام، ماذا أفعل أبتعد عنهن وأبقى وحيدة أم أحتمل أذاهن وأصبر عليهن حتى أهديهن؟ وذلك بطريقة حلوة وغير متزمتة, ولكن لا يعجبهن ذلك, وأنا لا أريد أن أخجل من التزامي، أؤمن ديني بينهن, بل لا أريد أن أتجه اتجاههن في البعد عن الله.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ نادر جوابره حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحابته ومن والاه.
نرحب بابنتنا الفاضلة، ونسأل الله أن يسهل أمرها، وأن يحقق لها مرادها، وأن يلهمها السداد والرشاد، هو ولي ذلك والقادر عليه.
وحقيقة نحن نشكر لك هذا الالتزام والتمسك بهذا الدين، ونشكر لك هذا الوعي الظاهر من خلال هذه الاستشارة التي بعثت بها إلينا، ونسأل الله أن يعينك على الثبات والسداد، وأن يعينك على الصبر على هؤلاء الصديقات.
وأرجو أن تعلمي أن المؤمنة التي تخالط الناس وتصبر على أذاهم خير من التي لا تخالط ولا تصبر على الأذى، فاحتسبي الأجر في هذا الصبر على هؤلاء الصديقات، واجتهدي في النصح لهن، وأرجو أن تبدئي في النصح للأقرب والأصلح والأطهر قلبا فيما يظهر لك، حتى تكون عونا لك على هداية الأخريات.
واعلمي أن الإنسان لا يضره كلام الناس طالما كان مطيعا لله تبارك وتعالى، والقرآن نقل لنا صورة الاستهزاء بأهل الإيمان: {إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون * وإذا مروا بهم يتغامزون} كانوا يقولون: شوف المتدينة، شوف حجابها، {وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين} إذا رجعوا إلى البيت يجعلون الحديث عن المتدينين وعن أهل الإيمان حديث فكاهة، والله تعالى يقول: {وما أرسلوا عليهم حافظين} يعني نحن ما أرسلناهم ليحكموا على الناس هذا زين وهذا شين، هذا طيب وهذا غير طيب، ثم تنعكس عليهم الأمور {فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون * على الأرائك ينظرون}.
فإذن الإنسان ما ينبغي أن يغضب من أمثال هؤلاء الذين عصوا الله أولا, ثم قصروا في جنب الله تبارك وتعالى، وبعد ذلك قد يقصرون في جنب هذا أو هذه أو تلك، هذه أمور ينبغي أن يحتملها الإنسان المتدين ويصبر عليها، لأنه يوقن بالأجر والثواب عند الله تبارك وتعالى.
فلا تحزني على ما يحصل منهن، واعلمي أن الإنسان الذي ليس له دين ولم يتشبع من روح هذه الشريعة يتوقع منه الكثير، ولكن واصلي النصح، اقتربي منهن، اجتهدي في إظهار الصفات الجميلة المتدينة، إننا أيضا لا نريد الناس أن يأخذوا عن المتدينات تصورات غير صحيحة، فالدين ينبغي أن يهذب الإنسان، ينبغي أن يجعله يعطف على الآخرين، ينبغي أن يجعلنا نحرص على هدايتهم، ينبغي أن يجعلنا نبش ونهش في وجوههم ونبتسم لهم، لأن هذه تفتح القلوب للهداية.
وكذلك علينا أن ندعو الله تبارك وتعالى لهم بالهداية، ندعوا لهم بالليل ثم ندعوهم إلى الله تبارك وتعالى بالنهار، وما من إنسانة مؤمنة مهما كان عندها من تقصير إلا وفيها جوانب من الخير كثيرة، والمطلوب منا هو أن نزيح الغبار ونجلي تلك الجوهرة حتى تظهر على حقيقتها.
وأرجو كذلك ألا تكون عندك هذه الحساسية، فإنه لن يضرك التفات هؤلاء إليك أو بعدهم عنك, طالما كنت مطيعة لله تبارك وتعالى، فاثبتي على هذا الخير, وواصلي النصيحة, واجتهدي في مساعدة هؤلاء الأخوات على سلوك سبيل الهداية، فإن الفتاة المتدينة تؤثر على من حولها من أخوات وزميلات، وأنت ولله الحمد لله مؤهلة لهذا الخير، فاثبتي على ما أنت عليه من الطاعة لله تبارك وتعالى والإنابة إليه، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يسهل أمرك، وأن يسعدك بهدايتهم, ويقر عينك بصلاح هؤلاء الأخوات.
وتذكري أنك تؤجري على الصبر، والإنسان إذا تذكر لذة الثواب نسي ما يجد من الآلام ومن المعاناة من أذى هؤلاء البنات, ومن تقصيرهن في حقك، فلا تقابلي إساءتهم بالإساءة، ولكن قابلي إساءتهم بالإحسان.
وتذكري أن رسل الله صبروا وأوذوا وسخر الناس منهم، لكن العاقبة للمتقين والعاقبة لمن يطيع الله تبارك وتعالى، وكما قلنا متوقع ممن يقصر في جنب الله أن يقصر في حق العباد وفي حق الناس.
ونسأل الله تبارك وتعالى أن يستخدمك فيما يرضيه، وأن يرزقنا وإياك الإخلاص والثبات على هذا الدين العظيم، وأرجو أن تبحثي عن المفاتيح المناسبة لقلوب هؤلاء الزميلات، فما من فتاة إلا وفيها إيجابيات، فلو قلت (يا فلانة ما شاء الله أنت كذا وكذا من الصفات، وأنعم الله عليك بالنعم, وأنت ولله الحمد مشكورة بين الزميلات، ما أحوجك إلى أن تكملي هذه الفضائل بتاج الحجاب وتاج الستر وتاج الحشمة) ثم تقولين للثانية (فيك كذا من الإيجابيات، ما أحوجك إلى أن تكملي هذا بتاج المواظبة على الصلاة).
الإنسان إذا كلمناه بهذه الطريقة فإنه يستجيب ويسعد بنصحنا، وأرجو أن تضعي خطة بينك وبين نفسك من أجل مشروع بذل الهداية لهؤلاء الأخوات، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يكثر من أمثالك، وأن يثبتنا وإياك على الدين، وسوف نكون سعداء بتواصلك مع هذا الموقع، حتى نتعاون جميعا في بذل الهداية لزميلاتك ولغيرهن من الأخوات، ونسأل الله تبارك وتعالى أن ييسر الهدى لنا، وأن يجعلنا سببا لمن اهتدى، هو ولي ذلك والقادر عليه.
نكرر سعادتنا بالتواصل مع الموقع، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يعينك على الثبات والسداد، وأن يجمعنا مع رسولنا عليه صلوات الله وسلامه، مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا.