السؤال
السلام عليكم.
أنا متزوجة منذ ثمان سنوات، وعمري 39 سنة، وعمر زوجي كذلك 39 سنة، وهو متسلط في طلباته، وأوامره يجب أن تنفذ، وعنيد، ولا يقبل المناقشات، وإبداء الرأي، ولا المشورة، ولا أي شيء معه، ويفعل كل ما يحلو له دون اهتمام، وهذا لا يعني أنه لا توجد إيجابيات، ولكن تسلطه يطغى على كل شيء أحيانا، وأدعو عليه، وأحلف أن لا أسامحه على ما يفعل بي من ظلم، وخاصة أنه لا يرحمني من ظلمه لي، حتى في أوقات الحمل والنفاس؛ حيث تكون نفسيتي متعبة، ومحتاجة إلى الراحة والأمان.
سؤالي حتى لا أطيل عليكم:
هل من حقي أن أدعو عليه؟ فأحيانا أفكر بأنه ابتلاء من عند الله، ويجب علي أن أصبر وأحتسب، وأن أفوض أمري إلى الله، وأنه لا يجوز لي الدعاء، لأنه زوجي، وأنه أمر عادي بين الأزواج.
أرجو توجيهكم لي.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم زينب حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحابته ومن والاه.
بداية نشكر لابنتنا الفاضلة تواصلها مع موقعها، ونسأل الله أن يسهل أمرها، وأن يلهمها السداد والرشاد، هو ولي ذلك والقادر عليه.
وحقيقة نتمنى أن تستبدلي الدعاء على زوجك بالدعاء له، فإن الدعاء عليه سيفسده، كما قال عبد الله بن المبارك: هل دعوت عليه؟ قال: نعم. قال: فأنت أفسدته.
فنحذر من الدعاء على الزوج، هذا الذي له إيجابيات – كما ذكرت – وأعجبتني هذه النقطة، فأرجو أن تذكر هذه الإيجابيات له وتنميها، ويفرح بها، وتحمدين الله عليها، وتشكرين الله عليها؛ لأننا بالشكر ننال المزيد، وبالشكر نحفظ النعم التي عندنا.
وإذا كان هذا الزوج - كما ذكرت - متسلطا، وطلباته أوامر، فكنا نتمنى أن نعرف نوعية هذه الطلبات التي يطلبها، كذلك نريد أن نتعرف على شخصية الرجل ونوع العمل الذي يقوم به، وهل هو في مؤسسة عسكرية مثلا؟ أو هل هو مدير في مكان اعتاد أن يأمر وينهى؟ لأن هذه لها علاقة بما يحدث، وهل هو جاء من بيت أو بيئة هكذا يتصورون أن الرجولة عنده أن يرفع صوته وأن يأمر وأن يهدد وأن يعطي أوامر وتعليمات؟ هل هو من بيئة يعتقد أن المرأة لا تشاور، وأنها ناقصة عقل، وليس لها رأي؟ لأنه هكذا يفهم كثير من الناس مثل هذه الأمور.
فمعرفتنا للخلفية التي جاء منها الرجل، ومعرفتنا بالوظيفة التي يعمل بها الرجل، ومعرفتنا بتاريخ هذا التسلط هل هو من البداية منذ أول يوم في الزواج ظهرت هذه الأشياء، فهي عادة راسخة نحتاج إلى وقت في تغييرها أم هل يا ترى هذا الموقف وهذه الأشياء حصلت بعد أن رأى تقصيرا في بعض الجوانب؟ وهل هذا الزوج يمر بأزمة مالية أو بمشكلات في عمله؟ وهل هذه الأشياء التي يشدد فيها في مكانها الصحيح؟ وهل أنت من النوع الذي لا ينفذ التعليمات حتى وإن كانت ميسورة وسهلة؟
إذن المسألة أنت من يجيب على هذه التساؤلات التي عرضت عليك، ولكننا نعتقد أن المرأة تستطيع أن تتعامل مع الرجل مهما كان، وإذا كان عندها قدرة على فهم نفسيته والتعامل معه، منطلقة من تلك المعرفة أولا لخصائص الرجل عامة، وللأشياء التي تعجب الرجل، والطريقة التي يفكر بها الرجل، ثم بمعرفتها الخاصة بزوجها، وينبغي أن تعرف طبائعه، وأن تعرف الذي يغضبه، وما الذي يثير غضبه، ولذلك قالت زوجة شريح العاقلة: (ما الذي تحب أن آتيه، وماذا تكره فأجتنبه) فهذا كلام ميثاق منذ الوهلة الأولى.
إذا عرفت الزوجة الذي يحبه الزوج لتأتيه وتفعله، والذي يكرهه الزوج لتجتنبه، فإنها ستسعد معه سعادة لا حدود لها.
ونذكرك بقصة المرأة التي قال لها زوجها في أول ليلة: (أنا سيئ الخلق)، فلم تقل (لماذا لا تبشرنا بالخير، وهذه صفة سيئة)، وإنما قالت له: (أسوأ منك من يلجئك إلى سوء الخلق)، فكانت بذلك تضع يدها على المفتاح الذي يوصلها إلى النجاح، وعلى المفتاح الذي ينبغي أن تتعامل معه على هذه النوعية من الشخصيات.
وإذا كان هو سريع وشديد الغضب، فلنتجنب الأشياء التي تغضبه، ونتجنب الأمور التي تثير عصبيته وتوتره، وإذن عند ذلك ستسعدين معه.
وحبذا لو تواصل هذا الرجل ليتعرف أيضا على طريقة التعامل مع المرأة، ومراعاة نفسية المرأة خاصة فترة الحمل، وحاجتها إلى الراحة، وفترة النفاس، والضغوط النفسية بعد الولادة حالة تمر على النساء، والرجل أيضا يجب أن يعرف حال المرأة في أيام الحيض وقبلها، وأن هذه الأشياء من طبيعة المرأة، ومن أجل أن يشفق عليها.
والشريعة تعلمنا الشفقة بهذا الكائن الضعيف، ولذلك رب العزة والجلال وضع عن المرأة الحامل حتى الصيام، لأنها في ضعف، ووضع عنها كذلك في أيام حيضها التكاليف الشرعية، فالله تعالى يقول:{ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير}، وكأنه يعلمنا حاجة المرأة إلى العطف والرعاية، وخاصة في هذه الظروف التي تمر بها.
وأنت أيضا ينبغي أن تنمي كما قلنا الجوانب الإيجابية، وتشكريه وتمدحيه، وتنفذي كل ما تستطيعين تنفيذه، لأن الأصل هو أن تطيعي الزوج في كل ما يأمر به، إلا إذا أمر بمعصية، فعندها لا سمع ولا طاعة، وإذا أمر بأمر فقولي نعم وحاضر ولبيك وافعلي ما تستطيعين، {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها}، ولكن بعض الأخوات لا لن أفعل، لماذا أفعل؟ فإنه يتسلط ويزداد في عناده، ولكن قولي خيرا وافعلي ما تستطيعين فعله.
لذلك نحن نكرر، ونذكرك بأن مشكلتك بسيطة إذا قورنت بالمشاكل التي تعرض علينا، فاحمدي الله على ما أنت فيه من الخير، وحاولي أن تداري هذا الزوج، وأن تعامليه بما تقتضيه الحالة التي عنده، واعلمي أن العاقبة للصابرين، وأن المؤمن يبتلى، ولكن إذا تذكر الإنسان مصائب الآخرين هانت عليه المصيبة التي هو فيها.
ونكرر،استبدلي الدعاء عليه بالدعاء له، فهو زوجك وهو أبو عيالك، وهو الذي اختارك من بين جميع النساء، وأنت رضيت به من جميع الرجال، فما بينكما أكبر من مثل هذه المواقف الصغيرة التي تمر على بيوت الناس دائما من خلافات زوجية، فهو أمر عادي فعلا من بعض الأزواج.
وليست المشكلة هو حصول المشكلات، ولكن المشكلة في الكيفية التي نتعامل بها مع المشكلة، فالنجاح يكون بإعطاء المشكلة نجاحها وحظها وحقها من الاهتمام، فلا نضخم المشكلة الصغيرة، ولا نعطي المشكلة الصغيرة أكبر من حجمها، وعلينا أن نضيق لحظات الحزن ولا نتذكر المسائل والمشاكل القديمة، ونحاول أن نتحاور ونتعامل بهدوء، وكوني أنت الأفضل، فإن خير الأزواج عند الله خيرهم لصاحبه، فكوني أنت الأفضل، واحتسبي الأجر عند الله، واعلمي أن المرأة تؤجر بصبرها على زوجها، وكثير من النساء يدخلن الجنة بطاعة الأزواج.
نسأل الله أن يسهل أمرك، وأن يلهمك السداد والرشاد، هو ولي ذلك والقادر عليه.