السؤال
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
أواجه مشكلة نفسية كبيرة، وهي بسبب خلافات أبي مع أمي، والتي لها أربع سنين، ولم تنته حتى الآن، وقد بدأت بخلاف مادي بينه وبين أخوالي لأنه كان مغتربا، وكان أخوالي أوكلت لهم مهمة تربيتنا.
أنا في حيرة من أمري، ولا أعرف ماذا أفعل؟
بما أنني تدخلت في حل المشاكل التي بين والدي، فلم أنجح، وكان أبي يرفض جميع الحلول، ولا يرضى بشيء وحتى أهلي تدخلوا ولم ينجحوا.
حتى أنه كان يمنعنا من زيارة جميع معارفنا من الأهل، أنا وأخواتي وأمي نسكن في منزل أخوالي منفصلين عن والدي، وهو يسكن لحاله مع عمتي وعندما نرغب بزيارته يرفضنا، ويقول لنا إنه لم يعد أبا لنا، وإن هذا ليس منزلنا.
هو الآن يريد أن يتزوج، وقد أوصل لنا الخبر شخصيا، وكأنه يريد أن يختبرنا، فما الحل في رأيكم؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ إ.ب.ف حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحابته ومن والاه.
نسأل الله أن يعينكم على هذا الظرف الذي تعيشون فيه، ونرحب بكم في موقعكم، ونسأل الله لكم التوفيق والسداد، ونحمد الله أنك أصبحت في سن تؤهلك لفهم هذه المشاكل وحسن إدارتها والتفاعل معها، ونسأل الله أن يرد الوالد الصواب.
دائما مثل هذه المشاكل عندما تحدث خاصة مع أطراف خارجية، وتعقدت المسألة لهذه الدرجة، فإن الأمور تحتاج إلى صبر، وتحتاج إلى تدخل الحكماء والعلماء والفضلاء في هذه المسائل، لابد أن يدخل التوجيه الشرعي، لأن هذه الأمور دائما تدار بالعاطفة والشيطان هو الحاضر، وشغل الشيطان أن ينشر العداوة والبغضاء بين الذين آمنوا، وأن يفرق هذه البيوت وأن يحزن الذين آمنوا.
نحن نريد أن نقول: عليكم بطاعة الوالدة ولا تعصوا الوالد، لأن الشريعة تطالبكم أنتم كأبناء وبنات بالإحسان إلى الوالد وبالإحسان إلى الوالدة، ومهما قال الوالد ورفضكم فإن عليكم أن تتعلقوا به، وتصروا على التواصل معه، والاهتمام به والاحتفاء بكل ما يسره، ولا مانع إذا أراد أن يتزوج فإن الشرع يبيح له ذلك، خاصة وأنت كما قلت الوالدة بعيدة عنه، وأنتم في بيت منفصل، فإذن هذه الأمور ينبغي أن تنظروا إليها بمعايير الشرع، ليس بالمعايير البلدية أو بما اعتاده الناس من مقابلة العناد بعناد، ومقابلة السوء بالسوء، ولكن ادفع بالتي هي أحسن.
الإنسان مطالب أن يقابل السيئة بالحسنة مع الآخرين، فكيف إذا كان هذا هو الوالد، فعليكم أن تقدروا الظرف الذي يمر به الوالد، وهي أشبه بمشكلة نفسية مع هذا الوالد الذي عاش سنوات طويلة في الخارج، والخلاف مع إخوان الوالدة (الأخوال) وطبعا هذا عمق الجراح جدا، ولم يقصروا معكم في التربية، لكن لابد أن يحسنوا الآن التعامل مع هذا الرجل لمصلحتكم، فإنهم في مثل هذه الأحوال دائما الناس يقولوا كرامتنا ولماذا هو كذا، فيشتدوا، فتحصل مجاملة من الوالدة لإخوانها، ونحن نتمنى أن يكون صوت الشرع هو المرتفع، فإن كرامة أي إنسان في تقيده بالشرع، ليست الكرامة في أن أكون أنا صوتي عال أو أرد الظلم بظلم أو نحو ذلك كما يفهم الناس، ولكن كرامة الإنسان في طاعته لله تبارك وتعالى.
خير المتهاجرين هو الذي يبدأ بالسلام، كما قال النبي - عليه الصلاة والسلام -: (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا) من الأفضل يا رسول الله؟ (وخيرهما الذي يبدأ بالسلام) فإن الذي يبادر بالصلح، الذي يطلب العفو، الذي يبادر بالإحسان هو الأفضل عند الله تبارك وتعالى، وهذا أيضا منهج عملي في رد أمثال هؤلاء، فعليهم أن يحاوره بهدوء.
أنتم الآن ضحية لهذا الخلاف بين الوالد والأخوال، وطبعا الأم تجامل إخوانها فساءت المشكلة، ولكننا لسنا يائسين، وأنت ولله الحمد وإخوانك لكم دور كبير جدا في إقامة العدل، اهتموا بالوالدة، واحرصوا على رعايتها، فإن الجنة تحت قدميها، واحرصوا كذلك على إرضاء الوالد وعلى الاحتمال منه، على رغبة في زيارته، وإن رفضكم، ولا مانع إن تزوج من أن تزوره وتهنؤوه وتشاركوه.
أنا أدرك أن هذا قد يكون من الصعوبة بمكان، لكن مثل هذه التصرفات التي ننتصر فيها على أنفسنا هي التي تذيب جبل الجليد.
موقفه منكم كأن به مكايدة، وكأنه بهذا يريد أن يغيظكم بها، فابحثوا عن أسباب تقربكم إلى هذا الوالد، لأن قربكم للوالد فيه مصلحة حتى للوالدة، أكبر مصلحة للأسرة وللوالدة في أن تكونوا أنتم مع الوالد تحتملون منه، تجتهدون في بره، تحتالون من أجل إرضائه، تفعلون كل ما وسعكم من أجل أن يشعر الوالد أنكم أيضا تهتمون به وتحرصون على رعايته.
مهما كان الوالد أو الوالدة فيه سوء وفيه نقص وفيه تقصير فإنه يظل والدا رغما عن أنوفنا، ذلك هذا معنى ينبغي أن يكون واضحا، الشرع يأمرنا بالإحسان للوالد، بالصبر عليه، بصحبته بالمعروف حتى ولو كان كافرا، بل حتى وإن كان يدعونا إلى الكفر بالله وينهانا عن الصلاة، فإننا لا نطيعه، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، لكن مع ذلك قال: {وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعمها} ثم قال بعدها سبحانه: {وصاحبهما في الدنيا معروفا}.
لا تقابل الإساءة بإساءة، ولا تقابل المشاكل بمشاكل، ولا العناد بعناد، ولكن {وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي} فالإنسان يفعل ما يرضي الله، بعد ذلك يصبر على والديه ويحسن إليهم.
أرجو أن تستمروا في الإحسان للوالد، وعليكم أن تصبروا الوالدة وتهتموا بها غاية الاهتمام، واطلبوا من العقلاء والفضلاء - من غير أهل الوالدة - لأن الجو متوتر بين الأخوال وبين والدكم، والكلام مع الجميع الآن قد لا يزيد النار إلا اشتعالا، لكن إذا كان إمام المسجد، العقلاء، الفضلاء، إذا كان هناك رجل كبير في السن عاقل تستمع إليه كل الأطراف، هؤلاء ينبغي أن يكرروا المحاولات، ويحاولوا أن يحلوا المشكلة من جذورها، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يلهمكم السداد والرشاد، وأن يرد هذا الوالد إلى الصواب، هو ولي ذلك والقادر عليه.