السؤال
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
في البداية أشكركم جزيل الشكر، أنا طالبة جامعية أدرس في شعبة الطب، ولي صديقتان، ومنذ أن كنا في المتوسطة ونحن صديقات، ولكن العام الماضي والذي كان أول عام لنا في الجامعة هما لم تنجحا، لذا أجرتا (امتحانا استدراكيا للنجاح) والحمد لله نجحتا، أما أنا فنجحت بدون استدراك بفضل الله.
هذه السنة منذ أن بدأنا الدراسة وهما تتشاجران معي، ويجعلنني أحس أني أنا من جعلهما ترسبان! وفي كل شجار كنت أنا السباقة لطلب السماح، ولكن هذه المرة لم أستطع التحمل لأني أعلم أن نيتي حسنة تجاههن، وأنا من الصنف الذي يفضل السكوت؛ لأن الحق يجرح بعض الناس، ولا أحب أن أجرح أحدا رغم ما سببتاه لي.
لقد اتهمنني أني أدرس خفية عنهن حتى لا يحسدنني، وأنا بصراحة لم أفعل ذلك، وقد كنت عندما أحمل دروسا من الإنترنت أعطيهما إياها، ولكن ذلك لم يؤثر فيهما. ولا بد أن أشير إلى أني في الفترة الأخيرة صراحة أصبحت أخافهن! ولكن لم أظهر لهن ذلك، ففي المرة الأخيرة كنا نتحدث عن امتحان في علم التشريح، وقد كانت إحداهما مكتئبة، وقالت لي: أنا لن أنجح في هذه المادة، وكانت تعيد وتكرر هذه العبارة فقلت لها بأني أنا أيضا لن أنجح فيها، فقالت لي: لم لا تقولين لي هذا من البداية! وفجأة اختفت كل تلك الكآبة!
أرجوكم انصحوني في أقرب وقت، ماذا عساي أن أفعل؟!
شكرا جزيلا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سارة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحابته ومن والاه.
نسأل الله العظيم أن يوفق ابنتنا الفاضلة لما يحبه ويرضاه، وأن يكتب لها النجاح والتوفيق، ويسعدنا أن نرحب بها في موقعها، ونسأل الله أن يسهل أمرها، وأن يغفر ذنبنا وذنبها، هو ولي ذلك والقادر عليه.
لا يخفى على -ابنتي الفاضلة (سارة)- أن وجود الإنسان في جماعة له ثمن، وأن في الناس أصنافا، فالناس معادن كمعادن الأرض، فيهم الذهب، وفيهم الحديد، وفيهم النحاس، ويختلفون فيما بينهم..، ولذلك الإنسان عندما يتعامل مع الناس لا بد من صبر، ولا بد من احتمال، ومع ذلك فإن المؤمنة التي تخالط أخواتها وتصبر على الأذى خير من التي لا تخالط ولا تصبر، فاتقي الله واصبري، واعلمي أن النفوس قد يكون فيها من الحسد ومن الغيرة ونحو ذلك ما يولد مثل هذه المواقف ومثل هذه المشاعر.
لذلك نحن حقيقة ننصح ابنتنا الفاضلة بأن تحسن التعامل مع صديقاتها، وأن تجتهد في دراستها، ولا تلتفت للكلام الذي يقال، وهذا يوجد بين بعض الطلاب والطالبات، هذا اللون من الحسد، والحسد بكل أسف هذا الداء أصلا لا يوجد إلا بين الأحباب، إلا بين من يتنافسون في شيء واحد، فلا يحسد الطالب التجار، ولا يحسد الموظف الطالب، ولكن الحسد بين الطلاب، بين التجار، بين الموظفين، وهذا من سوء الحسد، لأنه يحصل في الدائرة التي أرادها الإسلام إخاء، محبة، تأتي سوسة الحسد فتنخر في هذا الجسد، وتشعل نيران العداوة والبغضاء.
لا شك أن الصديقات وقعن في الإساءة عندما نسبتا إليك أنك السبب في الرسوب، وفي النهاية أنت لم تمنعي واحدة منهن أن تقرأ في وقت السحر، أو في جوف الليل أو بعيدا عن الناس، وهكذا تفعل العاقلة، ليس من الضروري أن نشترك في الرسوب، وأن نهمل إذا أهملت الأخريات، بل ينبغي أن نجتهد، ولا مانع من أن ننصح الأخريات.
دائما الإنسان إذا تعامل مع الناس بنية سليمة وبنية بيضاء؛ فإن هذا من مؤهلات النجاح، من مؤهلات النجاح أن يكون الإنسان سليم الصدر، أن يكون الإنسان يريد الخير للآخرين، أما الذي يحسد، فالحسد من علامات الخذلان في الدنيا والآخرة، (والحسود لا يسود )، كما تقول العرب، لا يمكن للحسود أن يسود؛ لأن الحسود بدلا من أن يسأل الله من فضله فإن رضاه في أن ترسب فلانة، وفي ألا تنجح فلانة ..، ولذلك هذا مرض يحتاج إلى علاج طويل، ولا علاج له إلا في رحاب الإيمان، إلا في ظلال الإيمان بقضاء الله تبارك وتعالى وقدره.
نحن نتمنى أن تحافظي على شعرة العلاقة مع صديقاتك ومع غيرهن، وأن تحسني إليهن، وأن تحتملي لما يحدث لك من أذى منهن، لأن الصداقة ولأن الأخوة والحياة لا تستمر إلا بهذه الطريقة.
لا تحاولي أن تحللي المواقف وتشغلي نفسك، فإذا قالت: أنا أرسب، قولي لها (أسأل الله لك النجاح، وتفاءلي خيرا)، وليس من الضروري أن تقولي: (أنا أيضا سأرسب) حتى تجاريها في الكلام، لكن الإنسان دائما يتأمل الخير، دائما يتفاءل بالخير ليجد الخير ولا يتشاءم.
لذلك شجعيهن على الدراسة وعلى الاجتهاد، وبيني لهن أن كل شيء يقدره الله تبارك وتعالى فيه الخير للإنسان، وأن الإنسان عليه أن يفعل الأسباب ثم يتوكل على الكريم الوهاب سبحانه وتعالى.
أرجو أن تستمري أيضا على مسألة المسامحة لهن، فإن الإنسان إذا شعر أن الزميل والصديق في نفسه حسد ينبغي أن يحسن إليه، ويحتمل منه، ويحاول دائما أن يظهر له الخير، ولذلك المؤمن لما قيل للحسن البصري: أيحسد المؤمن؟ قال: (لا يخلو جسد من حسد، ولكن المؤمن يخفيه، والمنافق يبديه) فالإنسان إذا وجد في نفسه مثل هذا المرض والداء فإنه يجتهد في إخفائه، يظهر المشاعر النبيلة، يقدم التهادي لإخوانه، يحاول أن يتلطف بهم، يشفق عليهم، أن يقدر ما في نفوسهم من معاناة، ويصبر عليهم، والعاقبة للصابرين.
والحسد مرض وبيل، كما قال معاوية: (ما رأيت في خصال الشر أعدل من الحسد، لأنه يذهب إلى الحاسد فيقتله دون أن يصل إلى المحسود).
لذلك نحن نتمنى من الله أن يهدي الصديقات، وأن يوفق الطالبات جميعا إلى سلامة الصدر، فإنها باب للنجاح، بل هي باب للسعادة، الإنسان لا يمكن أن يكون سعيدا ما دام عنده هذا الحسد، لأنه سيرى نعم الله تنزل على عباده صباحا ومساء، وستمتلئ حياته بالكآبة وبالقلق وبالاضطراب والضيق، لأن نعم الله لا تتوقف، والحاسد محروم، فإن الإنسان ينبغي أن يسأل الله من فضله، قال تعالى: {واسألوا الله من فضله إن الله كان بكم رحيما} والعاقل إذا وجد نعمة تنزل على عباد الله شكر الله عليها وسأل الله من فضله، كما فعل نبي الله زكريا لما رأى إكرام الله لمريم، لم يتمن أن تزول النعمة – وحاشاه – وإنما توجه إلى العظيم واهب النعم، قال: (يا من أعطيت مريم حاجتها وأكرمتها هذا الإكرام هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء).
الإنسان يفرح بنجاح إخوانه، ويسأل الله من فضله، يستطيع أن يسأل مثيل النعمة، وهذه هي الغبطة، ويستطيع أن يرفع حاجته التي يحتاج إليها، كما فعل نبي الله زكريا، فرأى إكرام الله لمريم ، طعام الصيف في الشتاء والخيرات تأتيها، فسأل الله حاجته وهي الذرية فجاءته الملائكة تبشره بيحيى عليه وعلى نبينا صلوات الله وسلامه.
نسأل الله لك التوفيق والسداد، وندعوك إلى الاستمرار في هذه العلاقة مع أخذ الحذر، فإن العواقب المترتبة عن قطع العلاقة لا تقل في خطورتها عن الاستمرار في العلاقة، فاحتسبي الأجر واصبري.
نسأل الله لكم جميعا التوفيق والنجاح.