السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أنا فتاة، عمري 24، كنت أعيش حياة صعبة جدا في بيت أهلي، لأن أبي طول الوقت يهيننا أنا وأخوتي، ودائما يصرخ علينا، ويسب الله - يعني يكفر - أستغفر الله العظيم، ربي يهديه - يا رب - وكل همه هو جمع المال، أما أمي تدعو علينا ليلا نهارا ( لأنها متعودة على هذا في بيت أهلها ومجتمعها).
أنا لا اكرههم، ولكن لا أحب العيش معهم، والحمد لله أحاول برهم قدر المستطاع، وعندما كان عمري 19 قررت الزواج والتخلص من هذه الحياه التعيسة جدا، وعندما ذهبت لأول مرة للعمل بشركة ما تعرفت بزوجي، وكان أول رجل أعرفه في حياتي، وكان بيننا استلطاف، ورأيت فيه المواصفات التي أحبها، في وقتها كنت صغيرة ولا أعلم ماذا أريد تحديدا، كان كل همي أن هذا الانسان سوف يخلصني من حياتي التعيسة.
زوجي إنسان جدا، ليس سيئا، تقدم إلي ووافقت، ولكن أهلي كان عندهم اعتراض، لأنه ليس من جنسيتي - وأهله كذلك - ولكن أقنعناهم وتزوجنا، وكان شرط أهلي أن لا أسكن في بيت أهل زوجي تلاشيا للمشاكل، لأن أمي سألت عن والدته، والكثير قالوا لها أنها إنسانة صعبة جدا، وعندما قلت لزوجي قال: (نعم هي إنسانة عصبية جدا، ومتسلطة، والحياة معها صعبة، وأختي عمرها 22 مريضة في عقلها، إنسانة غير سوية أيضا، الحياة معهما هلاك).
وكان يكرر هذا الشيء علي، ولكن أنا كنت أقول له: (لا يهمني، أنا سوف أتحملهم لأجلك لأني أحبك، ولا تخاف علي، أنا إنسانة حكيمة - هكذا الكل يقول لي - ) وأمه تريد أن نسكن معها، فأقنعها بأن نسكن سنة مستقلين حتى نفهم بعضنا جيدا ثم نعود للحياة عندها، وعشنا سنة كاملة في بيت مستقل، كانت أجمل أيام حياتي، على أمل أن أمه عندما ترانا لا نقصر معها سوف تقتنع وتتركنا نكمل حياتنا كما نشاء، وبعد السنة قالت أمه: (إذا لم تعد للعيش معي سوف أغضب عليك) فتركنا منزلنا وعشنا معها، ويا ليتنا لم نفعل.
أمه أرملة، وهي صاحبة القرار في المنزل، وهي صعبة التعامل جدا جدا، وأخته المريضة تؤثر على أبنائي في سلوكهم بشكل ملحوظ. الآن أنا عندهم منذ ثلاث سنوات ونصف صبرت كثيرا، ولكن الآن لم أعد أحتمل، ولو أردت كتابة ماذا تفعله أمه معي فلن تكفنيي رسالة. الآن أنا متحطمة نفسيا، لا أعلم ماذا أفعل، لا أريد أن أطلق وأعود إلى بيت أبي وأمي، إلى حياتهم الصعبة، ولا أريد البقاء عند حماتي وبناتها يتحكمون بي وينغصون علي حياتي، حيث إني لست مستقرة نهائيا، لا آخذ راحتي نهائيا، أصبحت إنسانة عدوانية، لا تحب الناس، مع أني طبيعتي إنسانة هادئة، شديدة الطيبة، لا أحب أن يزعل ويغضب مني أحد، وهي استغلت هذه الأشياء.
لكن مشكلتي أني حساسة كثيرا، وأتضايق من أبسط الكلام، هل تصدق يا دكتور - أنني أكون سعيدة عندما أراها تتعذب لأي سبب ما؟! - أقسم بالله غصب عني - ولكن أقول في داخلي: إن الله يعاقبها لما تفعله معي، حتى إنني دائما أقول لابني ألا يحبها لأنها تعذبنا (استغفر الله العظيم يا رب سامحني يا رب) وأنا وزوجي دائما في مشاكل من كثرة شكواي له، فأشتكي لمن؟ ماذا أفعل ماذا؟
أنا أريد بيت مستقل، ولكن الآن زوجي لا يستطيع، ظروفه المادية لا تسمح، أصبحت لا أحبهم أبدا، لأنهم مصدر إزعاج لي، وأشعر أحيانا وأياما أني لا أحب زوجي، وأنه هو السبب في كل شيء، ودائما أقول له أنت سبب تعاستي في الحياة، ولكن أرجع وأندم.
برأيك هل أبقى على موقفي؟ أم أخضع وأستسلم لهذه الحياه؟ مع العلم أني أرفض وبشدة أن أخضع وأستسلم.. انصحني من فضلك!
مع العلم أنني تكلمت مع أخوات زوجي وقلت لهن عن عدم ارتياحي في المنزل وما تفعل أمهن معي، وقالوا لي: الله يعينك لأننا نعرف صعوبة موقفك، وأنك لست مجبرة على تحمل ما يصدر منها.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ رانيا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحابته ومن والاه.
نرحب بابنتنا الفاضلة، ونسأل الله أن يسهل أمرها، وأن يخرجها من هذه الأزمات التي تعيش فيها، وأن يقدر لها الخير، وأن يلهمها السداد والرشاد، وأن يقر عينها بصلاح أولادها وصلاح هذا الزوج، وأن يعينها على الصبر على تلك المرأة القاسية الصعبة، ونسأل الله تعالى أن يصلح لنا ولكم النية والذرية والوالدين والجيران والأهل، هو ولي ذلك والقادر عليه.
لقد أعجبني وأسعدني حرصك على البيت، وأسعدني وأعجبني أيضا حرصك على أن تعيشي مع والدة الزوج، رغم سماعك عن صعوبتها، وأعجبني أنكم بدأتم حياتكم بداية صحيحة، وهذا يعطي قناعة واضحة أن هناك مستقبلا مع هذا الرجل، وأن المشاكل الموجودة هي مشاكل جانبية من طرف آخر، فأنت في الحقيقة تزوجت الرجل ولم تتزوجي بأمه، ونعتقد أن الحياة قصيرة، والحياة صبر ساعة، والنجاح سبيله الصبر والمثابرة، فواصلي مشوار الصبر، وحاولي أن تتجنبي الاحتكاكات كل جهدك، وحاولي أن تقللي من الشكوى من هذه الأم لولدها، لأنه يعرف واعترف بأنها سيئة. لكن الإنسان إذا قيل له والدتك سيئة، أختك سيئة، وأهلك كذا، فإن هذا يضايق الإنسان، خاصة إذا كان هذا الأمر معروفا بالنسبة له.
ونتمنى من الزوج أن يتفهم حاجتك إلى التقدير، وحاجتك إلى المواساة، وحاجتك إلى الإكرام، وهذا ستصلين إليه - بإذن الله تعالى - إذا حاولت تغيير هذه الطريقة، طريقة التعامل مع هذه المرأة (أمه) بأن تحتملي تصبري، ولا تواجهيها، وتجنبي مواطن الاحتكاك، إذا كان الاحتكاك بالمطبخ فعليك أن تدخلي المطبخ في وقت مختلف، إذا كان الاحتكاك في السوق فعليك أن تختاري أوقاتا غير أوقاتها، إذا كان الاحتكاك في الطريق فاتركي لها هذا الطريق. المهم أن تقللي فرص الاحتكاك، وأعتقد أن هذا ليس فيه صعوبة، وبعد ذلك هذه المرأة المتسلطة ستذهب لأنها لن تجد بابا للمشاكل.
وعندما تحصل مشكلة ينبغي أن تتذكري زوجك وأنه مبتلى بهذه الأم، ولذلك هو يعرف هذا، لأنه قال (هي صعبة جدا) وأخواته أيضا قلن: (هي صعبة جدا) والإنسان لا يستطيع أن يغير عجلة الزمن في دقيقة، لكن الإنسان يستطيع أن يتعامل مع أي إنسان بحسن المدارة، بالصبر، بالاحتمال، بالإحسان إليه، قال تعالى: {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم} بأن يفوت على المسيء فرص الإساءة، بأن لا يقف عند كل صغيرة وكبيرة.
حاولي أن تنتبهي لأولادك ولزوجك، حاولي أن ترتبي الأمور بالكيفية التي قلنا بتقليل فرص المشاكل والمضايقات، ونحن نعتقد أنك العاقلة الفاضلة التي تواصلت معنا قادرة - بإذن الله تبارك وتعالى - على تغيير هذا الوضع، بشرط أن تغيري من طريقة التعامل، بشرط أن تقللي لحظات الأسى والألم.
أنت الآن ليست المشكلة فقط في عدوان هذه المرأة، لكن المشكلة أنك تأخذي ساعات طويلة تفكري بطريقة سالبة، والإنسان لا ينبغي أن يطيل لحظات الحزن، فإذا ذكرك الشيطان بالمعاناة لماذا أنت صابرة تعوذي بالله من الشيطان واحتسبي الأجر من مالك الأكوان سبحانه وتعالى.
فمن المهم جدا أن نضيق لحظات الأسى ولحظات الحزن، فالذي يضايقك الآن هو أنك تفكرين بطريقة سالبة، وكما قالت لك البنات - وأنا أتمنى أن إجابتهم هذه تدل على أنهم متضايقين من والدتهم، ولكن لا تسمعي نصحهم عندما قالوا لك (لست مجبرة على تحمل ما يصدر منها) صحيح أنك لست مجبرة، ولكن الإنسان ماذا يفعل؟ ينبغي أن ندرك أن هذه المرأة في مقام الأم، وأنها كبيرة في السن والسن له أحكام – كما يقولون - وأن هذا التسلط ليس عليك وحدك، وأن هذه عادة لها، وأن الكل يشكو منها، فينبغي أن تنظري للأمور بعقل كبير.
والإنسان لا ينبغي أن يصادم التيار مباشرة، ولكن عليه بالمدارة، عليه بحسن التعامل، وهذا من هدي رسولنا - عليه صلوات الله وسلامه - الذي ابتسم لرجل دخل عليه وقال: (إئذنوا له، بئس أخو العشيرة) هذا أخو عشيرة سيء الطبع - نفس هذه المرأة - فلما دخل تبسم في وجهه - عليه الصلاة والسلام - فاستغربت عائشة - رضي الله عنها – من ذلك، لماذا استغربت؟ استغربت لأن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال عن الرجل (ائذنوا له بئس أخو العشيرة) وعندما دخل عليه الرجل تبسم - صلى الله عليه وسلم – ففسر ذلك بقوله: (إن شر الناس من ودعه الناس من أجل شره). فالإنسان يتفادى هذا الشر بابتسامة، بإحسان، بصبر، واحتساب الأجر عند الله تعالى.
وتذكري أن ما بينك وبين الرجل أكبر من هذا، فأنت عندك أطفال، عندك زوج، عندك مستقبل. وبيتكم – وبيت غيركم - لا يخلو من مشاكل، والحياة لا تخلو من مشاكل ولا من منغصات، وهي محل الابتلاءات والاختبارات والامتحانات، والحل ليس في الهروب من المشاكل، ولكن الحل في التفاعل معها بإعطاء كل مشكلة حجمها ووضعها المناسب.
فأنت على خير، حافظي على بيتك، وغيري طريقة التعامل مع هذه المرأة، واعلمي أنها إن أساءت فإن الإساءة ترجع عليها، وهذه حسنات وأجر يكتب لك عند الله تبارك وتعالى، ولن تستطيعي أن توقفي حركة الزمن أو تغيري هذا الوضع، ولكنك تستطيعين أن تقابلي الإساءة بالإحسان، تستطيعين أن تحتسبي الأجر عند الله تعالى من أجل مصلحة هؤلاء الصغار، من أجل سعادتك أيضا.
وننصحك كما قلنا بألا تكرري الكلام مع هذا الزوج، والذي نرجوه أيضا ونتمناه قراءة هذه الاستشارة على زوجك، ونرجو منه أن يكرمك وأن يحسن إليك، لصبرك على أمه، وأنت ينبغي أن لا تكرري الشكاية له، لأنها في النهاية أم له، وعندما تكررين الشكاية فإنما تجددين الجراح، ولذلك هو يتألم لذلك.
نحن قلنا هو يعرف وأخواته يعرفن والناس يعرفون أن هذه المرأة سيئة، إذن نتعامل معها بهذه الطريقة، بتفادي ما يثير من مشاكل بيننا وبينها ونتفادى غضبها. أن تكون المرأة مثل التي قال لها زوجها (أنا سيء الخلق) فقالت: (أسوأ منك من يلجئك إلى سوء الخلق).
أنت الآن عشت معها سنوات وتعرفين أنها لا تحب واحدا من ثلاثة، فتجنبي ما يغضبها، وسوف تسعدين معها بحول الله وقوته، ونتمنى تواصلك مع الموقع، وشكرا لك.