السؤال
السلام عليكم.
تقدم لخطبتي شخص يقطن في قرية مجاورة لقريتي، وهو على خلق, دأب على الصلاة منذ صغره محافظ نسبيا، ومحترم, متعلم، ويعمل في مجال عمله، وظيفته محترمة، لا ينقصه شيء من ناحية مادية, حضر إلى بيتنا 3 مرات، وبعدها وافقت وتم قراءة الفاتحة على نية التيسير مباشرة, بعدها اتضح لي أنه إنسان في الحقيقة ليس له حضور اجتماعي .. أحيانا كثيرة، أشعر أنه يتكلم بأمور أو قصص ليس منها مغزى، قصص عادية، ولكن لا تناسب مستوى فهم الكبار، ومداخلاته في الكلام ألحظ كثيرا أنها ليست بمحلها, في البداية اعتقدت لربما أنه خجول بعض الشيء، ويحتاج لوقت حتى يتعود على جو البيت لدينا, لكن الأمر غير ذلك، هو جريء بطرحه لما يريد أن يتحدث! ويريد إكماله إلى النهاية بالرغم من أنه أمر لا أريد أن أقول تافه، لكن أكرر لا يناسب ما يحب الكبار أن يسمعوا حتى أن أهلي لاحظوا هذا الشيء ومدى جديته في ذلك.
في الأمور الجدية يتحدث بشكل عادي، لكن بما يتعلق بالمزاح هذا النوع الحديث المسلي لدينا في العائلة أجده معدوم، لربما الأمر يرجع إلى تربية لديهم في البيت، أو عدم الاحتكاك كثيرا بالناس ومخالطتهم, لكن عمره 27 عاما، من وجهة نظري يجب أن يكون منفتح أكثر للجانب الاجتماعي.
لا أريده أن يمزح لكن على الأقل حينما يتحدث أو يطرح مداخلته تكون في محلها، وتكون مسموعة ولها وزنها لدى الآخرين.
أعلم أن هذا ليس بسبب يجعلني أفسخ الخطوبة، لذلك ما هي السبل التي بها أستطيع بلورة وصقل شخصيته من جديد, وكيف أغيره اجتماعيا؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ رقية حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحابته ومن والاه.
بداية نرحب بابنتنا في موقعها، ونسأل الله أن يقدر لها الخير، وأن يلهمها السداد والرشاد، وأن يجمع بينها وبين خطيبها على ما يرضي الله تبارك وتعالى.
وأسعدني وأعجبني هذا الإنصاف لهذا الخاطب أنه من صغره كان محافظا على صلاته، وأنه تردد على البيت مرارا، وهذا دليل على صدق رغبته في الارتباط بك، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يلهمك السداد والرشاد.
كذلك نريد أن ننبه إلى أنه لا يوجد إنسان يخلو من عيوب ونقائص، كما أنه لا توجد امرأة تخلو من نقائص وعيوب، ولذلك النبي - صلى الله عليه وسلم – أشار إلى ذلك: (لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقا رضي منها آخر) وهذا الأمر للنساء وللرجال، فلابد أن يكون في الإنسان جوانب إيجابية وجوانب سلبية، وطوبى لمن انغمرت سيئاته في بحور حسناته.
فمن الذي ما ساء قط**** ومن الذي له الحسنى فقط؟!
وإذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث، كفى بالمرء نبلا أن تعد معايبه.
ولذلك أنا أشكرك حقيقة على الرغبة في إصلاح الوضع، والرغبة في إكمال هذا الجانب الذي ترينه من جوانب الخلل في شخصية هذا الرجل، وأريد أن أقول: مثل هذه الأمور ومناقشة الموضوعات والوصول إلى حلول، وترتيب النقاش، وترتيب الحديث، هذا فعلا له علاقة بالبيئة التي عاش فيها الإنسان، له علاقة بطبيعة الأسرة التي نشأ فيها، ربما له علاقة أيضا بطبيعة الرفقة التي يعيش معها من خلال مناقشتهم في مثل هذه الموضوعات.
ونحن حقيقة نتمنى لو أنك تعرضي نماذج قضايا طرحت، حتى ننظر إلى رأيه فيها؛ لأن هذا الجانب العملي لو أنك طرحت قضية مثلا طرحت في مجلس العائلة أو طرحت بينكم وكان رأيه هكذا في هذه القضية، وكان رأيك فيها هكذا، ورأي الناس يمشي في اتجاه، وأنه عرض هذه القضية المحددة بهذه الطريقة، فإن هذا الأمر سيسهل مهمتنا في تحليل الشخصية، وفي اكتشاف الجوانب التي تشيرين إليها.
ولكن أنا أدعو دائما إلى ألا نحرج جدا من مثل هذه المسائل؛ لأن بالتنبيه وبالملاحظة، وبالمتابعة سينصلح الحال، وأيضا باعتبار هذا الجانب سلبيا ينبغي أن نضع إلى جواره الإيجابيات الكثيرة التي أوجدها الله تبارك وتعالى في ذلك الرجل.
وما كل الناس فعلا يجيد الكلام، ولا كل الناس يعرف أن يقول كلاما مرتبا، ومع اهتمامنا بهذا الجانب، وبعلاقات الإنسان الاجتماعية، وبمكانة الإنسان بين الناس فإننا أيضا نعتقد أنك ستتزوجين به، وليس بالناس، وأنه سيعيش معك، وأنك ستكونين مؤثر أكبر عليه في هذه الجوانب، حتى يصل - إن شاء الله – إلى الوضع الذي يمكن أن يكون مقبولا في المجتمع.
وكثير من الرجال تغيروا بفعل نساء صالحات حريصات ناضجات، وكثير من النساء أيضا تغيرن إيجابيا بفعل رجال لهم وزن في المجتمع، ولهم كلمة، ولهم فهم، ولهم عقل، فأقرب الناس إلى الرجل الزوجة، وأقرب الناس إلى الزوجة الزوج، وأولى الناس بها كذلك هو الرجل.
وكنت أتمنى كما قلت أن أعرف نوع الأمور الجدية، نوع الهزل الذي تتكلمين عنه، ما هي فكرته عندما يتكلم؟ هل هذا هو وضعه الطبيعي؟ هل حاول أهلك أن يتعرفوا عليه خارج البيت مع أقرانه، وهذا أعتقد أنه جانب مهم جدا، وهو دور لأولياء البنات أن يسألوا عمن يتقدم لخطبة بناتهم، ليتعرفوا على حياته، على سيرته ومعيشته بين الناس، وعن الأصدقاء الذين حوله، وعن كيفية تعامله معهم، وعن قدرته على تحمل المسؤولية.
وإذا كنت قد أشرت إلى أنه ناجح في عمله فإن هذا يعطي مؤشرا إيجابيا؛ لأن نجاحه في ميدان عمله له غاية الأهمية، فكأن عدم الجدية لا يندرج، أو لا يشمل حياته من أولها إلى آخرها، فهو غير جاد في بعض الأمور، وجاد في عمله وقائم بوظيفته، وهو صاحب وظيفة محترمة، وكان محترما يصعب على الإنسان الذي عنده خلل في التفكير، وخلل في الترتيب أن يصل إلى مثل هذه الوظائف، وإن وصل إليها فيصعب عليه أن يستمر فيها.
فأعتقد أن هذا نوع من الظرف ربما يريد أن يتلكم به، وربما له وجهة نظر في القضايا المطروحة.
ولذلك أتمنى أن ترسلوا لنا نماذج من القضايا التي ناقشها، ووجهة نظره فيها، حتى نستطيع أن نحكم عن علم ومعرفة، ونشير إلى الجوانب التي كان فيها إن صحت الكلمة (باردا)، أو لم يتفاعل معها، والجوانب التي كان هازلا فيها، وهي من مواطن الجدية، والمواضع التي ينبغي أن يكون فيها الإنسان صارما وحازما وواضحا، أن تجدوا عنده ذلك الوضوح حتى نتبين أسباب وجود هذه الحالة عنده.
وأنا سعيد مرة أخرى لأنك حريصة على أن تستمري، وحريصة على بلورة الشخصية وشغلها وصقلها مرة أخرى، ونتمنى ألا يشعر أنك تحاولين أن تغيري فيه، لأن الإنسان عند ذلك كأننا استعديناه وكأننا حرضناه، فقد يدافع عن نفسه ويدافع عن وضعه، ولكن إذا اتفقنا أن هناك خللا فعندها سنتفق على الخطى التي ينبغي أن تتبع، ونسأل الله تعالى أن يستخدم الجميع في طاعته، وأن يقدر لك الخير، وأن يجمع بينكما على الخير، هو ولي ذلك والقادر عليه.