السؤال
السلام عليكم.
أنا في حيرة وأتمنى أن تساعدوني برأيكم الكريم، شاكرة لكم كل مجهود تبذلونه في الرد والمساعدة.
أنا أعيش في ألمانيا، ولكني كبرت وتربيت في الإمارات، انتقلت للعيش مع زوجي الذي يعمل ومستقرا في ألمانيا ما يقارب العشرين عاما.
وعندي طفلين، ولكني خفت عليهم من هذه البيئة - القذرة - بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فأنا أعيش كل يوم في صراع داخلي عندما أتخيل أن أبنائي سوف يكبرون في هذه البلد الغير مسلم، والتي تجبرنا بأن نتصرف، ونعلم أبنائنا الحرية المطلقة، وعدم التدخل في أمورهم.
أبنائي لم يتجاوزا السنتين وبدأت أنا بتدريسهم اللغة الألمانية، وأنهيتها -والحمد لله- وعندي الآن فرصه للدراسة في الجامعة.
ولكني في حيرة، لا أعرف ماذا أدرس؟ فأنا أفكر أن أسهل طريقه للعمل هنا هي دراسة التمريض حيث أن المجالات الأخرى يصعب الحصول على عمل بها، وأنا درست التمريض في الإمارات ولكني لا أحب العمل في المستشفيات هناك، فغيرت مجال عملي، ولكن في ألمانيا العمل كممرضه قرأت وسألت عنه فرأيت أنه ممتاز ويناسبني في كل الاتجاهات.
والجانب الآخر من المشكلة هو أني قلت لزوجي ننتقل للعيش في الإمارات لمصلحة أبنائنا ليتربوا في بيئة نظيفة ومسلمة، ووافق زوجي ولكنه اشترط أن نبقى في ألمانيا ما يقارب 3 سنوات لنرتب أمورنا المادية.
ولكني لا أعرف ماذا أدرس؟ هل أدرس مجالا آخر غير التمريض في هذه الثلاث السنوات القادمة بإذن الله؛ لأني لا أريد العمل كممرضة في الإمارات أو أدرس التمريض، وأبقى في ألمانيا؟ أنا في حيرة بين البقاء في دولة غير مسلمة خوفا على أبنائي، وبين العيش في دولة مسلمة مما سبب لي حيرة في اختيار مجال الدراسة؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ الحائرة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، ويسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يشرح صدرك للذي هو خير، وأن ثبتك على الحق، وأن يحفظك وزوجك وأولادك بما يحفظ به عباده الصالحين، وأن يوفقك لطاعته ورضاه، إنه جواد كريم.
وبخصوص ما ورد برسالتك – أختي الكريمة الفاضلة – فإنه مما لا شك فيه أن الحياة في بلاد الغرب لها ثمنها الباهظ، والمكلف جدا، خاصة لدى الأسر التي تريد أن تحافظ على إسلامها وعلى هويتها من الذوبان؛ لأن تلك المجتمعات كما لا يخفى عليك – وأنت تعيشين داخلها – مجتمعات لها أفكارها وثقافاتها ومعتقداتها، وهذه حياتهم، والمشكلة ليست لديهم، فهم لا يعانون من مشكلة فيما يبدو ظاهرا، ولكن المشكلة تكمن في من يذهب إليهم ممن يحمل ثقافة تخالف ثقافتهم، أو اعتقادا يخالف اعتقادهم، خاصة المسلمون؛ لأن ما هم عليه يختلف تماما عما عليه غيرهم من أفكار، ومعتقدات، وأخلاق، وقيم، ومبادئ، وأنماط سلوك.
ولذلك نقول بأن الذي يقيم في هذه المجتمعات الغربية ينبغي عليه أن يكون في موقف الوسط، فلا يرفض كل شيء لديهم بالكلية، ولا يقبل كل شيء لديهم أيضا بالكلية، وإنما يقبل ما يتفق مع دينه، ويرفض ما لا يتفق مع دينه، وأنت الآن كما ذكرت تعلمين بأن هناك خطرا محدقا بأولادك، وذلك نظرا لأن أبناءك يتعلمون في المدارس الألمانية التي تدرس معتقداتهم، وثقافتهم، وعاداتهم، وأفكارهم لأبنائهم، وقطعا هذا يشكل خطورة غير عادية على أبناءك، خاصة إذا كانت الأسرة ليست لديها مقومات التربية الجادة والقوية، التي بها تستطيع أن تقاوم هذه التيارات الجارفة، لأن الأسرة إذا كان منهج التدريس يتفق مع منهجها اليومي كانت في نوع من الراحة، والأمن، والأمان، والاستقرار، لأنه لا توجد لديهم تحديات تواجه أبناءهم فيما يتعلق بمعتقداتهم وأخلاقهم وقيمهم.
أما إذا كانت الأسرة تتمتع بنوع من التميز الأخلاقي والقيمي - خاصة الأسرة المسلمة - فإنها قطعا ستواجه مشكلة عويصة جدا بالنسبة لأبنائها بين ما يتلقونه في المدارس بأسلوب جذاب ومثير، وبين ما يتلقونه في داخل الأسرة من إسلام قد يكون باهتا، وقد يكون جافا لا يتمتع بنوع من القبول التي تتمتع به تلك الأفكار التي يتلقاها من خلال أروقة المدارس وصفوف الدراسة.
ولذلك أقول: إذا كنا نستطيع حقيقة أن نواجه هذا التحدي، بمعنى أن الأسرة لديها استراتيجية تربوية عالية، ولديها القدرة على معالجة تلك السلبيات أولا بأول، وتحصن أبنائها من هذه الهجمات الشرسة من العولمة القاتلة المدمرة، فلا مانع من البقاء في بلاد المهجر، خاصة إذا كان الإنسان يعمل من داخل منظومة إسلامية، كأن يكون عضوا في أحد المراكز الإسلامية الفاعلة، أو أن يكون له دور في الجاليات المسلمة، بمعنى أنه يوفر كيانا يستعصي على الذوبان أن يؤثر فيه.
أما إذا كان الإنسان يعيش وحده كحال معظم المهاجرين لا يرتبط بالمسلمين إلا في المناسبات - كالأعياد وصلاة التراويح في رمضان – ثم بعد ذلك يعيش وحده مغردا خارج سرب الجماعة المسلمة، فإنه مما لا شك فيه قد يتعرض للذوبان بسرعة أسرع من غيره، وأنتم حقيقة أدرى بحالكم، فهل أنتم يا ترى فعلا من العناصر الفاعلة في الجالية المسلمة، بمعنى لديكم كيانا مستقلا وأن لديكم مدارس تدرسون فيها أبناءكم، أو على الأقل مدارس لأحد، إذا كانت هناك مدارس قوية وفاعلة ومؤثرة تستطيعون من خلالها وضع تصور للموائمة بين ما يتلقاه الأبناء في المدارس وبين ما يتلقونه على يد إخوانهم من المسلمين.
التحدي فعلا قوي جدا، وأنا لا أنكر ذلك، لأني عشت في هذه البلاد وأعلم الآثار المدمرة لهذه التربية التي هم يحبونها، ويرغبون فيها لأنها تخدم مبادئهم وأفكارهم ومعتقداتهم.
ولذا فإني أقول بالنسبة لك ما دمت لديك الفكرة بالعودة إلى بلاد الإسلام الأصلية، فإذن من حقك الآن أن تغيري مجال الدراسة ما دمت لم تستفيدي من مجال التمريض في المستقبل شيئا، حيث إنك تكرهين أو لا تحبين العمل كممرضة، إلا أني أعتقد أن الدراسة التي تدرسينها في التمريض يكون مستواها أعلى من التمريض في بلادنا العربية والإسلامية، وبذلك لا تكوني ممرضة عادية، فقد تكوني مدرسة مثلا في معاهد التمريض، أو تكوني مثلا مشرفة على التمريض أو مسؤولة، فإذا كنت واثقة من أن هذا المجال من الممكن أن يتاح، وأنه ليس لديك أي مانع فيه، فأرى أن دراسة التمريض ستكون أنسب بالنسبة لك خاصة، وأن لديك خلفية سوف تساعدك على التميز في هذا الميدان.
أما إذا كنت فعلا واثقة من أنك لن تعملي في جميع الأحوال إلا كممرضة عادية، وأنت لا ترغبين في ذلك، فما المانع أن تغيري مجال الدراسة لمجال آخر، ولا يلزم أن تعملي، فأنت تتكلمين الآن على أن العمل كما كان ضرورة بالنسبة لك، وأنت تعلمين أن العمل لا يشكل ضرورة بالنسبة للمرأة المسلمة، فالعمل يعتبر استثناء من الأصل، والأصل هو القرار في البيت ما دام دخل الزوج يكفي الأسرة لحياة كريمة، فلا يلزم العمل، حتى ولو في ألمانيا، لأنه ليس ضروريا أن تتعلمي لتعملي، وإنما لماذا لا نتعلم ونعلم أبنائنا ونحيا حياة كريمة ونوفر لحياتنا نوع من أنماط السلوك الراقي؟
لا يلزم أختي الكريمة أن يكون هناك عمل بهذه الشهادة، ولكن ما دام الأمر كذلك فإذا كانت لديك خلفية عن التمريض تكفيك في معالجة أولادك مثلا - خاصة الإسعافات الأولية – فإذن ابحثي عن مجال عمل آخر بشرط أن يخدم دينك، لا مانع من ذلك كله، فاستعيني بالله واستخيري الله، وأسأل الله أن يشرح صدرك للذي هو خير، وأن يقدر لك الخير حيث ما كنت ويرضيك به.
هذا وبالله التوفيق.