هل حديثي عمن ظلمني أو جرحني غيبة؟

0 794

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

في الحقيقة لدي سؤال يقلقني كثيرا بصراحة.

أنا فتاة مسلمة، محافظة على فروضي وواجباتي، وأتقي الله في كل أموري, والحمد لله, من الله علي بقلب طاهر, لا يحقد, ولا يكره.

سؤالي هو: عندما يجرحني أو يظلمني أو يؤذي مشاعري أحدهم، أتألم بشدة, فهل عندما أبوح لأختي أو صديقتي عن سبب ضيقي يعتبر غيبة؟

أحيانا أصمت, وأكتم في قلبي, وأبكي, وعندما يراني زوجي, أو أحد من إخوتي, ويسألني بإلحاح عن سبب بكائي أخبرهم, فهل تعتبر هذه غيبة؟

أنا أخاف الله كثيرا, ويعلم الله أنني لا أتظلم على أحدهم, فشخصيتي مسالمة جدا, ولا أؤذي أحدا, لكن هذه المواقف تصادفني يوميا, أو أكثر من مرة في اليوم, ولا أعرف كيف أتعامل مع الموقف, ومع من يجرحني, فهل أنا مخطئة عندما أبوح, أم يفترض بي الصمت والكتمان؟

أفيدوني, بارك الله فيكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ عائشة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:

إنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت, وعن أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبارك فيك، وأن يثبك على الحق، وأن يجعلك من صور الإسلام الرائعة التي تقدم الصورة الحسنة لغير المسلمين والمسلمات، وأن يجعلك من الداعيات إليه على بصيرة، وأن يحفظك في هذه البلاد بما يحفظ به عباده الصالحين، وأن يبارك فيك, وفي أهلك, وزوجك وأولادك، وأن يجعلك من الصالحات القانتات.

بخصوص ما ورد برسالتك – أختي الكريمة الفاضلة – من أنه عندما يجرحك أحد أو يظلمك أو يؤذي مشاعرك فإنك تتألمين بشدة, وتبوحين بهذا الأمر أحيانا لأختك أو صديقتك أو لزوجك أو لغيرهم عن سبب ضيقك، وتسألين هل هذه تعتبر غيبة أم لا؟

أولا: هذا يدل على أنك -ولله الحمد والمنة- تتمتعين بنفس طيبة مباركة، وأنك حريصة على ألا تقعي في معصية الله تعالى، وفي نفس الوقت أيضا يدل على أنك حساسة إلى حد كبير، وهذه الحساسية هي التي تسبب لك هذا الإزعاج من تصرفات قد تكون في الغالب تصرفات عادية وبسيطة, وهي في العموم مسألة لا دخل لنا فيها؛ لأنها فطرة فطر الله الناس عليها، وإن كان من الممكن معالجتها بالتماس الأعذار للأطراف الأخرى, وحسن الظن بالمسلمين؛ لأنه ما دمت أنت تتعاملين مع الناس بمعاملة حسنة طيبة وتلتزمين شرع الله تعالى، فأعتقد أن الذين يتعاملون معك سيكونون أيضا قريبين من سلوكك وأخلاقك؛ لأن المرء على دين خليله، كما أخبر النبي - عليه الصلاة والسلام – ودائما الطيور على أشكالها تقع.

إلا أن الحساسية الزائدة عندك هي التي تؤدي إلى سوء الفهم، وأنت تعلمين أننا أمرنا بحسن الظن لجميع المسلمين، ومعنى حسن الظن أننا نلتمس الأعذار لإخواننا، إذا جاءت عبارة عنيفة مثلا, أو قاسية, أو شديدة من إحدى الأخوات، فأنا لو قلت لنفسي: (لعلها لم تقصد، لعلها خرجت منها خطئا) وأحاول أن أغض الطرف عنها، فأعتقد أن الأمر سيكون سهلا؛ لأنه لا يوجد إنسان بلا أخطاء وبلا عيوب، ولو أنك أردت أصدقاء بلا أخطاء وبلا عيوب فليس لك إلا الجنة.

أما الدنيا فتلك طبيعتها، إلا أنه ينبغي علينا أن نراعي حق المسلم على المسلم، ومن حقه حسن الظن به، وأنه إذا بدا منه شيء خطأ فيبحث له عن عذر، ما دام الأمر يتعلق بك شخصيا, لا يتعلق بالشرع، أن يبحث عن عذر لعله يمر بظروف نفسية غير مستقرة، لعل هناك بعض الضغوطات التي تمارس عليه مما أدى إلى ضيقته, وإلى خروج الكلمات بطريقة غير مقصودة، لعل حظه من التربية قليل؛ لأنها عبارة خرجت طائشة، ولعله ولعله، وستجدين ألف عذر لكل من يتعامل معك إن أردت.

إذن أقول: علينا بحسن الظن، وعلينا بالتماس الأعذار للناس، وألا تتأثري بسرعة بأي عبارة تأتيك من أحد، خاصة لو أنك تعرفين دينه وخلقه، أو حتى لا تعرفين ما دام من المسلمين، حاولي أن تلتمسي له العذر؛ لأني أعتقد أن هذا علاج مفيد جدا بالنسبة لك, التماس الأعذار للناس وحسن الظن بالمسلمين، ودائما تحملين الكلام على الوجه الحسن، وتقولين: (لعله لم يقصد، لعله كذا وكذا) كما ذكرت لك، وبذلك تخففين الضغوطات النفسية التي تعانين منها على نفسك.

الأمر الثاني: إذا حدث فعلا أن أحدهم قد جرح مشاعرك بكلمة, أو تصرف, أو عبارة, وشعرت بالضيق فعلا, وأصبحت في حاجة إلى أن تفضفضي عن نفسك وتخرجي مكنون قلبك، فهذا أمر طبيعي؛ لأن بعض الناس لا يستطيعون الاحتفاظ بالأسرار لفترة طويلة، وإنما يظل في حالة اضطراب, وعدم استقرار يريد أن يخرج ما في نفسه للأطراف التي يثق بها، وهذا كما ذكرت نوع من الناس موجود، ولعله موجود بكثرة، أن بعض الناس إذا حدث له أي أمر خاص لا يتحمل الصبر عليه، وإنما يريد أن يتكلم به بسرعة، وأنه إذا تكلم خاصة - إذا كان عزيزا عليه - فإنه يشعر بنوع من الراحة، وهذا ما يعرف بعالم الأسرار، فكل له سر، والأسرار هذه نحن عادة ما نبديها لمحل ثقتنا من الرجال أو النساء على درجة الراحة والمحبة التي بيننا وبينهم.

إذا حدث وكنت أنت من هذا النوع – وهذا فيما يبدو لي؛ لأنك كررت الأمر مرتين في رسالتك – فإنك من الممكن أن تتكلمي مع من تفضين إليهم بأسرارك, ولكن لا تحددي الشخصية، لا تقولي: (أم فلان، أو فلانة، أو فلان) ولكن تقولين: (تصوري أن بعض الأخوات فعلت كذا وكذا), أو (بعض الأخوة فعل كذا), من باب أنني عندما أقول بعض الأخوات أو بعض الأخوة فهذه ليست غيبة؛ لأن الغيبة ذكرك أخاك بما يكره، كما ذكر الحبيب المصطفى - صلى الله عليه وسلم - .

أنا هنا لم أذكر أخا بعينه، وبالتالي فإن الذي يسمع مني لن يعرف الشخصية التي أتحدث عنها، وأجتهد ما دمت لا أستريح إلا أن أفضي, وأن أفضض, وأن أخرج ما في نفسي، أجتهد بأن أجعل الكلام كلاما عاما، حتى لو سألوني من هذه التي قالت أو فعلت؟ أقول: هذه أخت من الأخوات, لا أستطيع أن أخبر باسمها، وبذلك في هذه الحالة أعتقد أنك أخرجت الشحنة السلبية من نفسك، وفي نفس الوقت لم تقعي في الغيبة؛ لأن الغيبة حقيقة شأنها عظيم, وأمرها خطير كما لا يخفى عليك، وأعتقد أنك تدركين ذلك، والدليل على ذلك أنك منزعجة من مسألة الغيبة بهذه الصورة.

إذن أقول: إذا كان ولا بد, فالحل إنما هو التعميم، أقول: إحدى الأخوات، أحد الأخوة، أحد الأقارب، إحدى الصديقات، بهذه الطريقة, ولا أذكر شخصا بعينه، ولا بصفة يفهم منها أنه فلان، وبهذه الحالة كما ذكرت لو قلت ما قلت لا تكون هناك غيبة بإذن الله تعالى، لماذا؟ لأنك لم تحددي شخصا سوف يتأثر بهذا الكلام؛ لأننا عادة عندما نغتاب إنسانا نذكر عيوبه, وكأننا نريد أن نجرحه، ونريد أن نظهر مساوئه التي قد تكون دخيلة، وبالتالي عندما نغتاب لدى الإنسان فنحن نشوه صورته، أما إذا كان الكلام عاما فأعتقد أن هذا الأمر لن يكون بهذه الصفة، وعليه فلا حرج عليك في ذلك.

نسأل الله لك التوفيق والسداد، وأن يقدر لك الخير حيث كان.

مواد ذات صلة

الاستشارات