السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أريد أن أعرف فقط ما هي الأحوال التي يكون فيها التواضع إضاعة للكرامة؟ وهل التواضع لغير المسلم إضاعة للكرامة وعزة المسلم؟
عندي موقف أريد منكم أن تبينوا لي، هل ذلك تواضع أم لا؟ كنت في رمضان الذي فات أصلي التراويح في خيمة منصوبة بالشارع خارج المسجد، وبينما أنا داخلة طلبت مني امرأة عجوز أن آخذ بيدها إلى الداخل، وبينما هي تريد أن تأخذ حذائها من على الأرض نزلت أنا وأخذته بدلا منها حيث إنها امرأة عجوز بصعوبة تصلي، فهل ما فعلته معها أضاع كرامتي؟ أرجوكم أفيدوني جزاكم الله خيرا، وأريد أن أعرف متى تضيع الكرامة؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ إسراء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
إنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبارك فيك، وأن يكثر من أمثالك، وأن يثبتك على الحق، وأن يمن عليك بالصلاح والديانة والاستقامة، وأن يجعلك من المتواضعين، كما أسأله تبارك وتعالى أن يرزقك الأمن، والأمان، والسعادة التامة في الدنيا والآخرة.
بخصوص ما ورد برسالتك – ابنتي الكريمة الفاضلة – فإن هذا الموقف الذي ذكرته فيما يتعلق بهذه المرأة العجوز التي كانت تريد أن تدخل المسجد، موقف رائع ونبيل، ويدل فعلا على أن الله أكرمك برحمة وبعطف، وحنان، وتواضع، واحترام للكبير، وهذه كلها صفات رائعة حث عليها الإسلام ودعانا إليها النبي - عليه الصلاة والسلام – فإن النبي - صلى الله عليه وسلم – أخبرنا أن (من لا يرحم لا يرحم)، وقال أيضا: (الراحمون يرحمهم الرحمن) وقال: (ارحموا ترحموا) والذي فعلته هذا هو موقف رحمة، فوق أنه موقف تواضع فهو موقف رحمة.
أنت حققت بذلك عدة عبادات، وحصلت على مجموعة جوائز بهذا العمل الطيب المبارك الذي أكرمك الله تبارك وتعالى به، وهذا هو عين التواضع وعين الرحمة، وهذا لا يتعارض أبدا - يا بنيتي – مع الكرامة، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم – كان يكون جالسا بين أصحابه، فتأتي الأمة – أي العبدة المملوكة من إماء المدينة – فتقول: يا رسول الله قم فاقض حاجتي، فيقوم النبي - صلى الله عليه وسلم – معها، وكانت تمسكه من طرف ثوبه، وتسحبه - صلى الله عليه وسلم – ويمشي معها، ولا ينكر عليها ذلك، حتى تصل إلى البئر فيجدها قد ملأت القربة ماء، فتقول احمل لي قربتي على رأسي يا رسول الله، فيحمل النبي القربة - صلى الله عليه وسلم – ويضعها على رأسها.
هذا أقوى من الموقف الذي فعلته، وهو رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كذلك أبو بكر الصديق - رضي الله تعالى عنه – كان يقوم بخدمة النساء العجائز الكبار، وعمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنهم جميعا -، كذلك أيضا النبي - عليه الصلاة والسلام – كان يحلب الشاة لأبناء خباب - رضي الله تعالى عنه – عندما يكون مجاهدا في سبيل الله تعالى، وإن النبي - عليه الصلاة والسلام – كان في بيته يكون في مهنة أهله، كما ذكرت ذلك أمنا عائشة - رضي الله تعالى عنها - .
معنى مهنة أهله أنه أحيانا كان ينظف البيت بنفسه، وأحيانا كان يطحن الشعير بنفسه - صلى الله عليه وسلم – وكان يحلب شاته بنفسه، وكان يخصف نعله بنفسه، وكان يرقع ثوبه بنفسه - صلى الله عليه وسلم – وكان يقول: (إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد).
هذا الذي ذكرته إنما هو التواضع – يا بنيتي – والتواضع للمسلمين عامة، وهو الالتزام بقول النبي صلى عليه وسلم: (إن الله أوحى إلي أن تواضعوا) واعلمي أن الكبر لا يكون على المسلم أصلا، وهذا الذي ذكرته كله إنما هو التواضع حتى وإن فهم الناس أنه ضعف شخصية، وأنه نوع من الغباء، أو غيره، فهذا لا يغير أبدا من حقيقته عند الله تعالى وعند النبي المصطفى - صلى الله عليه وسلم - .
التواضع معناه: لين الجانب للناس، معناه العفو والصفح، لو أن إنسانا أخطأ في حقي خطأ واعتذر لي فأنا أقبل عذره دون نقاش، لو أن إنسانا مثلا يريد شيئا فرضا نقف في طابور واحد أو في صف واحد، وأراد أن يتقدم علي فأعطيته هذه الفرصة، هذا من باب التواضع والرحمة، وهذا ليس ضعفا، وهذا ليس فيه شيء.
نحن مثلا قد نكون طلبة، وأجد أن بعض الزملاء أو الزميلات يريدون أن يخرجوا من الصف أو من المدرسة قبلي، فلا مانع أن أعطيهم فرصة، وآخذ أنا يمينا أو يسارا حتى يخرجوا قبلي، وهذا ليس فيه شيء.
أيضا كذلك مثلا من الممكن أنني أركب حافلة من الحافلات، وجلست في مكان، ولكن وجدت رجلا أكبر مني في السن، أو وجدت امرأة عجوزا ركبت الحافلة، وليس لها مكان، فقمت من مقعدي وتركته لهذا الرجل، أو هذه المرأة العجوز، هذا من التواضع، ومن الرحمة، ومن التواضع، ومن التقدير.
الذي ورد في رسالتك كله خير، أما بالنسبة للكافر فإن الله تبارك وتعالى قال عن المؤمنين: {أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين}، فمعنى ذلك أنني لا أتنازل للكافر حتى لا يشعر بضعفي، وإنما إذا كان بيني وبينه معاملة، فأنا أتعامل معه بجدية، ليس هنالك ظلم له، لأن الظلم حرام حتى ولو كان لكافر، ولكن لا أتنازل له كما أتنازل للمسلم.
رضا أني أبيع بضاعة، وجاءني كافر فقال: بكم هذه؟ فقلت: هذه بعشر ريالات، فجاءني مسلم فقال: بكم؟ فقلت: بسبع ريالات، فإذا اعترض الكافر علي أقول له: (أنا حر، هذا أخي المسلم، وأنا من حقي أنا أعطيه حتى مجانا) أما أنني أظلمه، فهذا ليس من الشرع في شيء.
هذا بصفة عامة عن التواضع، وأنت في حاجة إليه في كل شيء، التواضع الأب مع أبنائه، وتواضع الأبناء لأبيهم، وتواضع الزوجة مع زوجها، وتواضع الأخ لأخيه، وتواضع الصغير للكبير واحترامه وتقديره، هذا كله من دين الله تعالى، وهي الصفات الرائعة الجميلة التي أكرمنا الله تبارك وتعالى بها من خلال هذا الدين العظيم.
الذي فعلته مع هذه المرأة العجوز ليس فيه تضييع لكرامتك، بل هو إحقاقا للحق وتطبيق ما أمر الله به وما أمر به رسوله - صلى الله عليه وسلم - من أن نتواضع، ونلين بأيدي إخواننا المسلمين.
هذا وبالله التوفيق.