أثر عدم استجابة الدعاء على نفسيتي جعلني أهم بترك الدعاء

0 688

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

-سؤالي يتعلق بالدعاء:
هل من المشترط أن أكرر الدعاء بشكل مستمر, فأنا في الحقيقة أدعو الله عز وجل منذ فترة بأن يحقق لي أمنية معينة, أدعوه سبحانه في كل فرائضي, وفي قيام الليل, ووقت الصوم, ووقت نزول المطر, أي أني أتحرى أوقات الاستجابة, لكن – للآن - لم تتحقق, وأنا أدرك بأن الله سبحانه كريم, ذو فضل, وأنه يستجيب لأحدكم ما لم يعجل, ولكني -والحق يقال- متعبة من تأجيل الاستجابة للآن, وكنت أفكر بترك الدعاء لهذا الأمر؛ ليس لأني تعبت أو مللت من سؤال الله تعالى, بل لأن الأمر يصبح حاضرا في ذهني بكثرة دعائي, وتأخره يحزنني جدا, ويدخلني في حالة بكاء وكآبة لا تطاق, فهل تركي للدعاء أمر جيد أم لا؟
وهل من الممكن أن ربي سبحانه قد استجاب لي في أحد دعواتي السابقة ثم أجل الاستجابة لوقت آخر؟
الأمل يحبطني لأنه لا يأت لي بشيء.

أرجو منكم نصحي لما ترونه مناسبا وصحيحا.

شكرا لكم, وجزاكم الله ألف خير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ عائشة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله, وعلى آله وصحابته ومن والاه.

نرحب بك -ابنتنا الكريمة- في موقعك، ونسأل الله أن يسهل أمرك، وأن يلهمك السداد والرشاد، وهنيئا لمن عرفت الطريق إلى الله تعالى، فإن الدعاء هو العبادة، و الإنسان يدعو الله تبارك وتعالى فيربح الخير الكثير، ولذلك كان عمر: (أنا لا أحمل هم الإجابة, ولكن أحمل هم السؤال)؛ لأن الله تكفل بالإجابة، وقد عرف السلف قيمة السؤال وقيمة الدعاء فكانوا يسألون الله في ملح الطعام إذا فقدوه، وفي شسع النعل إذا انقطع:

لا تسألن بني آدم حاجة *** وسل الذي أبوابه لا تحجب
الله يغضب إن تركت سؤاله *** وبني آدم حين يسأل يغضب

وأرجو أن تعلم -ابنتنا الفاضلة- أن الإجابة للدعاء تتنوع، فالله تبارك وتعالى أحيانا يستجيب للإنسان بأن يلبي طلبه، وأحيانا تكون الاستجابة بأن يدخر له الأجر والثواب، وأحيانا تكون الإجابة بأن يرفع الله عنه البلاء، وتوثيق ذلك في قول النبي - عليه الصلاة والسلام - : (ما من مسلم يدعو الله بدعوة إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن يستجيب الله دعوته، وإما أن يدخر له من الأجر والثواب مثلها، وإما أن يرفع عنه من البلاء والمصائب النازلة مثلها), قال عمر: إذن نكثر. قال: (الله أكثر).

فإذن ينبغي أن تكون هذه النقطة واضحة، فالإجابة من الله ليست من الضروري أن تكون عطاء من الله مباشرا، بل قد يكون ليس من مصلحة الإنسان أن يعطى عطاء مباشرا؛ لأن الإنسان قد يسأل أشياء والله يمنعه منها لأن مصلحته في المنع، فقد يطلب الإنسان سيارة جميلة وموديل حديثا لكن الله يمنعه منها لأن موته سيكون عليها، وقد تطلب المرأة رجلا معينا لكن الله تبارك وتعالى يحول دون استجابة طلبها لأن هلاكها وضياع دينها سيكون على يد ذلك الرجل.

فإذن الإنسان لابد أن يتفكر، ولذلك الإمام ابن الجوزي - رحمة الله تعالى عليه – يقول: " كانوا يسألون الله فإذا أعطاهم شكروه، وإن لم يعطهم كانوا بالمنع راضين " انتبهي (يا بنتي) " وإن لم يعطهم كانوا بالمنع راضين، يرجع بعضهم بالملامة على نفسه فيقول: مثلك لا يجاب، أو يقول: لعل المصلحة في ألا أجاب " فيبدأ يراجع نفسه، والدعاء سلاح, والسلاح بضاربه, السلاح بحامله، أو يقول: لعل المصلحة في ألا أجاب، فلذلك قد يسأل الإنسان سؤالا ويكون من مصلحته وإرادة الخير به ألا يستجيب الله تبارك وتعالى له ذلك الدعاء؛ لأن الله يعلم عواقب الأمور، فهو مدبر الأمور سبحانه وتعالى.

وكذلك أيضا الاستمرار في الدعاء في حد ذاته عبادة مطلوبة، والله تبارك وتعالى ربما يريد من الإنسان أن يستمر في الدعاء واللجوء إليه، فتخيلي لو أن هذه الإجابة جاءتك من أول وهلة فسينقطع هذا الخير, وستتوقفين عن هذا الدعاء، وهذا لا يسر إلا عدونا الشيطان، وأنت ذكرت حديثا مهما جدا: (يستجاب لأحدكم ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل. قيل: يا نبي الله، وما الاستعجال؟ قال: يقول قد دعوت وقد دعوت وقد دعوت فلم أر يستجاب لي، فيستحسر عند ذلك ويترك الدعاء), هذا هو الذي يريده الشيطان، فعاملي هذا العدو بنقيض قصده، فلا تتركي الدعاء، ولا تتركي اللجوء إلى الله تبارك وتعالى، وتذكري أن الإجابة من الله تتنوع، فليس من الضروري أن تأتي الإجابة المباشرة التي تريدينها في الوقت الذي تطلبين، ولكن في التأخير مصلحة، وما يختاره الله تبارك وتعالى للإنسان أفضل من اختياره لنفسه، فواصلي الدعاء واللجوء إلى الله تبارك وتعالى، وينبغي أن يكون عندك رضا بإجابة الدعاء مهما كانت هذه النتائج؛ لأن الله تبارك وتعالى يقدر لك الخير، ولا تكرري عبارات: مللت من الدعاء، متضايقة من الدعاء، دعوت ولا فائدة، هذه عبارات ينبغي أن تتعوذي بالله من تردادها.

فأرجو أن تعلني رضاك عن الله، ورضاك بالله تبارك وتعالى، وتواصلي هذا الدعاء، لأنك في عبادة، {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين} فالدعاء هو العبادة, فواصلي اللجوء إلى الله تبارك وتعالى، وأعلني رضاك بما يقدره الله تبارك وتعالى، ولا تتوقفي عن الدعاء أبدا، وكوني واثقة أن لكل أجل كتاب، وأن ما يختاره الله للإنسان أفضل مما يختاره الإنسان لنفسه.

نسأل الله تبارك وتعالى أن يحقق لك المراد، وأن يلهمك السداد والرشاد، هو ولي ذلك والقادر عليه، وسنكون سعداء إذا تواصلت مع هذا الموقع، وسعادتنا ستكون أكبر إذا واصلت الدعاء وتحريت مواطن الإجابة, وأكثرت من اللجوء إلى الله تبارك وتعالى، فإن الله يريد لجوء العباد وانكسارهم وتضرعهم إليه، فأنت على خير، فواصلي في هذا الخير، وأكثري من اللجوء إلى الله تبارك وتعالى، واعلمي أنك رابحة في كل الأحوال – كما مضى معنا – لأن الله قد يستجيب الدعوة, أو يكتب لك الأجر والثواب, أو يدفع عنك من البلاء بمثل هذا الدعاء، فالبلاء ينزل والدعاء والقضاء يتعالجان بين السماء والأرض، إذا كان في الداعي يقين وإيمان, فإن الدعاء يرد البلاء، وإذا كان في الداعي ضعف وعدم يقين فإن الدعاء يخفف من البلاء النازل، فالإنسان يربح في كل الأحوال بلجوئه إلى الله تبارك وتعالى، فاستمري على هذا الخير الذي أنت عليه، واعلمي أنك في نعمة بهذا اللجوء لله تبارك وتعالى، وتعوذي بالله من الشيطان الذي يريد أن يجلب لك الملل والسآمة، وعاملي هذا العدو بنقيض قصده، ونسأل الله لك التوفيق والسداد.

مواد ذات صلة

الاستشارات