الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أتخلص من مشكلة الإعجاب بحياة الناس ومقارنة نفسي بهم؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أولاً: شكرًا لكم على هذا الموقع الذي مكننا من طرح مشكلاتنا، والإجابة عليها.

أنا فتاة، أبلغ من العمر 26 سنة، -الحمد لله- محجبة، حاصلة على شهادتين، والآن أنا موظفة -والحمد والشكر لله-.

مشكلتي بدأت منذ فترة، وهي الإعجاب بحياة الناس، والتمني أن أعيش مثلهم، أو بالأحرى مثل ما أسمع وأرى في مواقع التواصل الاجتماعي وما ينشرونه، هذا الأمر أصبح يضايقني، خوفًا من أن يكون أو يصبح حسدًا، بعدما كنت أهتم بحياتي فقط.

ثانيًا: الصلاة، بعدما كنت مواظبة عليها، وأرتاح فيها، الآن أصبحت أؤجلها وأتكاسل في أدائها، أو أصلي فقط بدون تركيز، لم أكن هكذا، فهذه الحالة عذاب، أحيانًا أقول: أحتاج لرقية، وأحيانًا أقول: الأفضل أن أضغط على نفسي، ولكن حتى الآن لم أصل لنتيجة مرضية عن نفسي وما أفعله.

أنا أخاف الله، وأعرف طعم اللذة عند القيام بالفرائض والواجبات، لكني لم أستطع الرجوع مثل السابق، وللعلم: منذ مدة تلقيت خذلانًا وصدمات من أناس كثيرين قريبين مني، وفضلت السكوت وتجاوز الأمر وتركه لله. ثقتي بنفسي مهزوزة، والتركيز عندي شبه منعدم، أشعر أنني لست متوازنة نفسيًا.

للعلم: كان عندي وسواس قهري، أنا مشتتة، ومواضيع كثيرة في رأسي، أحيانًا أحلل وأفسر بنفسي، أصبحت أتشبث بأشياء أريدها بشدة، وأحاول الوصول إليها بعدة طرق، والأفضل أن أدعو الله.

أنا محتارة ومشوشة، من فضلك أرجو الرد، أملًا في إيجاد حل.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أمل حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك ابنتنا الفاضلة في الموقع، وهنيئًا لك على هذا التوفيق والتأهيل الأكاديمي، وحملك لأكثر من شهادة، ونشكر لك أيضًا حسن العرض للسؤال، ونسأل الله أن يوفقك، وأن يصلح الأحوال.

من أهم ما نحب أن ننبه له، أن الإنسان ينبغي أن ينظر إلى النعم التي يتقلب فيها، نعم الله عليه، فإن الإنسان إذا عرف النعمة التي هو فيها قام بشكرها، ونال بشكر ربه المزيد؛ وهناك نهي في النظر إلى ما في أيدي الناس: (ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجًا منهم زهرة الحياة الدنيا)، قال العظيم: (لنفتنهم فيه) زهرة الدنيا قصيرة، زهرة في ظاهرها، لكنها إذا فركت ففي باطنها ليست كذلك، وكذلك عمرها قصير، ثم قال: (لنفتنهم فيه) أي نختبرهم، ثم قال: (ورزق ربك) أي رزق الآخرة، خير وأبقى، ورزق الآخرة هو الصلاة، والصلاح، والطاعة، والتوفيق، ولذلك ينبغي أن تحمدي الله تبارك وتعالى على هذا الخير، وتشكري الله الذي دلك أيضًا على أن تعودي إلى موقع شرعي، لتعرفي هذه الأمور التي نرتبها لك كما يلي:

أولًا: ينبغي الاستمرار في المحافظة على الصلاة، فإن الخشوع والطمأنينة تحتاج إلى بعض الوقت، واجتهدي في التركيز، وتفرغي لوقت الصلاة، ولا تشغلي نفسك قبلها بما يشوش عليك، واعلمي أن السلف قال قائلهم: كابدت الخشوع 20 سنة، ثم تلذذت بالصلاة 20 سنة.

فما كنت عليه من خير سيعود بإذن الله، بالإصرار، والإخلاص، والتوجه إلى الله تبارك وتعالى، كذلك أيضًا ينبغي إذا شغلك الشيطان بما في أيدي الناس أن تلتفتي لما عندك من النعم، واعلمي أن نعم الله مقسمة، وكلنا صاحب نعمة، فهذا أعطي عافية، لكنه حرم المال، وهذا أعطي عافية، ومالاً، لكنه حرم الولد، وهذا أعطي عافية ومالاً وولدًا، لكنه حرم الصحة.

إذًا نعم الله مقسمة، والسعيد هو الذي ينظر إلى ما عنده، فيحمد الله عليه، لا ينظر إلى ما عند الناس، وخاصة ما يظهر في مواقع التواصل، فإن فيه المبالغات، وفيه الخديعة، وما يصلح أن ينشر على الشاشات؛ لأن هذا نشر كاذب، وهذا الذي ينشر الأشياء الجميلة يخفي معاناة حقيقية.

كذلك أيضًا إذا جاءك الوسواس، فتعوذي بالله من الشيطان، واعلمي أن علاج الوساوس إنما يكون بإهمالها، وعدم الوقوف عندها، وإذا كانت في العقيدة، فعلينا أن نقول: آمنا بالله، ثم ننتهي، وإذا كان الوسواس فيه تشكيك في ثوابت العقيدة، فعندها نقول: الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة، ونبشرك بأن ذاك صريح الإيمان، فالشيطان لا يقعد إلا في طريق الذين يريدون الله، والدار الآخرة.

أما بالنسبة لما يأتيك من خذلان وصدمات من الناس، فهذا الذي يتوقعه الإنسان، ولذلك ينبغي أن تعلمي أن الإنسان خير له أن يكون مظلومًا لا ظالمًا، وإذا آذاك إنسان فأنت بالخيار، إما أن تتوجهي إلى الله تبارك وتعالى، أو تمارسي العفو، رغبة فيما عند الله تبارك وتعالى، ونبشرك بأن المكر السيء لا يحيق إلا بأهله، والذي يؤذي الناس سيعود عليه الأذى، فينبغي ألا تؤثر عليك مثل هذه المواقف، لأن الإنسان ينبغي أن يدرك أن في الحياة أشرارًا، وأن في الحياة ذئاباً، وأن الذي يخالط الناس لا بد أن يصيبه الأذى، ولكن مع ذلك فالذي يخالط ويصبر، خير من الذي لا يخالط ولا يصبر.

عليك أن تختاري الصديقات الصالحات، وتضعي نفسك في الموضع الذي يناسبك، وإذا أصابك التشتت ينبغي أن تجعلي أمرك لله تبارك وتعالى، وحاولي أن ترتبي جدول حياتك، واشتغلي بما خلقك الله له، نسأل الله أن يعينك على الخير.

نكرر لك الشكر على هذا التواصل، ونتمنى أيضًا أن تشغلي نفسك بالذكر والاستغفار، وكثرة الصلاة على النبي المختار -صلى الله عليه وسلم-، فإن في ذلك ذهاب الهموم، ومغفرة الذنوب.

نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً