السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أرجو مساعده أسرتي للتخلص من هذا الجحيم.
أبوي مطلقان ونعيش في منزل واحد نظرا لضعف أبي؛ لأنه أصبح كهلا وأعمى - بمعنى ضعيف الرؤية – وأنا البنت الكبرى، ولقد تزوجت مرتين، وفي كليهما كان اختياري خاطئا، ولكنها قسمتي، وأنا الآن مطلقة، ومشكلتي أن هناك صراعا دائما في بيتنا لأتفه الأسباب، وسببه إخوتي وخالي الشاب وأنا دائما أعمل، ولكني في بداية حياتي المهنية وحين أقبض راتبي أساعد أهلي، وأنا أعيش معهم.
مشكلتي بدأت وأنا حامل من زوجي الأخير؛ حيث بدأ والداي ينصرون إخوتي وخالي علي وعلى أخواتي ويفضلونه ويجعلون كلمة أولئك الرجال مقدمة علينا نحن النساء، أو بالأحرى أنا وأخواتي الصغيرات، وهما فتاتان: واحدة في الخامسة عشرة، والأخرى في الثامنة عشرة.
ولقد كنا نقوم بأمور منزلنا من طبخ وغيره، ونعتني بالمنزل منذ استطعنا القيام بذلك، وكان ذلك يرضي والدينا، أما الآن فلم يعد يرضيهم سوى أن نطيع الشباب، رغم أنهم طائشون ولا يدرسون ولا يعملون، بل هم مجموعة من الفشلة يصرف عليهم أبوي، ولا يبخلان عليهم بأي شيء، بل حتى أنهم اشتروا لهم سيارتين.
سؤالي: كيف أقنع والدي بخطأ تعاملهم الجديد معنا، واحتقار الفتيات، وعدم تقدير جهدهن دون أن أعق والدي أو أظهر أنا وأخواتي بمظهر العاقات، علما أن كل تصرف منا يسيء للأولاد الذكور يعتبر في نظرهم عقوقا.
ساعدوني أرجوكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ رانية حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت، وعن أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبارك فيك، وأن يثبتك على الحق، وأن يهديك صراطه المستقيم، وأن يمن عليك بزوج صالح طيب مبارك يعيش معك ما تبقى من حياتك وفق مرضاة الله تبارك وتعالى وهدي نبيه المصطفى محمد - صلى الله عليه وسلم – ويعاملك بالمعروف، وينقذك من هذه الحياة الصعبة التي تعيشينها في داخل بيت أسرتك.
وبخصوص ما ورد برسالتك – أختي الكريمة الفاضلة – فإنه مما لا شك فيه أن كون الوالدان يطلقان العنان لهذا الشاب – هذا الخال الذي ذكرت - ويفضلانهما على كل أحد، ويجعلان لهما الكلمة المسموعة في البيت، فهذا يعتبر نوعا من المبالغة الزائدة، ونوعا من الخلل التربوي؛ لأنه مهما كان فإنه يبقى بالنسبة لكم ليس منكم، فهو حتى وإن كان في منزلة الوالد إلا أنه لن يكون حنوه عليكم كوالديكم، ولن يقدر ظروفكم كما يقدرها والديكم، خاصة وأنه شاب، وأن من طبيعة الشاب الحدة والقسوة والشدة والعنف، والحرص على أن تمشي الأمور على هواهم، ومحاولة تقييد حريات البنات بصورة مبالغ فيها، خاصة إذا لم يكن أخا شقيقا، لأن الأخ الشقيق يكون عادة قد نشأ مع إخوانه فبينه وبينهم نوع من الألفة، ولو كانت فيه قسوة فإنها ستكون أقل، أما أن يأتي طرف آخر حتى وإن كان الخال أو العم يعيش في داخل البيت فإنه يستعمل صلاحيات موسعة, وقد يضيق تضييقا شديدا، خاصة وأنه قد يفضي بكلمات مؤلمة لوالديكما مما يترتب عليه تأجيج نار الخلافات والعداوات في داخل الأسرة.
وأنت تقولين أنك – وأختين لك – تعانون معاناة مرة من تفضيل والديكم لإخوانكن الذكور ولخالكن عليكن وعلى أخواتك، وأقول: إن حل هذا الموضوع يكون بالصبر الجميل، خاصة وأن والدك الآن رجل ضعيف وعاجز عن الحركة، وأصبح لا يملك من الأمر شيئا، فهو يريد أن يستر نفسه حتى يلقى الله تعالى، وذلك نظرا للظروف التي بينه وبين والدتك، فهما مطلقان، وقناة التواصل بينهما ليست على ما ينبغي، حتى وإن كان بينهما نوع من التفاهم الظاهر، إلا أنه ليس بينهما حياة مستقرة آمنة بمعنى الكامل، وعليه فإنهما يعالجون الأمور معالجة طارئة، ولا يعطيان الأمر حقه من المتابعة أو من التدقيق أو من البحث أو من العلاج، وإنما هما الآن يرضيان بالعلاج المؤقت، ويرون أن كلام الخال قد يكون فيه بعض الوجاهة, والبنات يجب عليهن أن يكن في غاية الطاعة, وأنه لا يجوز للبنت أن ترفع صوتها, ولا يجوز أن تخرج إلا وهي لابسة كذا، ولا تتكلم مع كذا.
فهذا أمر قد يضيق عليكم مما لا شك فيه، ولكن إذا كان كلام خالكم كلاما شرعيا، بمعنى أنه يحثكم على الحجاب, وعلى المحافظة على الصلاة، وعلى العفاف، فأرى أن هذا شيء طيب, ويحمد عليه، أما إذا كان مجرد التحكم الذي يمارسه بعض الشباب بدون وجه حق فأرى أن هذا أمر ينكر عليه، والحل بسيط، أنك وأخواتك تجلسون مع الوالد والوالدة، بعيدا عن وجود الإخوة الذكور في وقت هم غير موجودين فيه، وتتكلمون معهما، وتبينون لهما خطورة هذه الأشياء، وأن هذا قد يدفعكم – عياذا بالله تعالى – إلى الانحراف، وقد تدفعكم إلى كراهية المنزل، بل قد تدفع ى بعض البنات إلى الهروب من المنزل.
يعني خوفيهم بشيء من هذا القبيل إذا كان ذلك ممكنا، وبيني لهم أن هذه الحياة حياة صعبة وقاسية، وأنه ليس لنا بعد الله تبارك وتعالى إلا أنتما، فأين نذهب الآن إذا كنا سنشعر بأنه يضيق علينا في بيتنا، ولا نأخذ حريتنا، وفي نفس الوقت أيضا دائما نحن في محل اتهام، والكل ينعتنا بأننا من العاقات، ونحن نتمنى فعلا إكرامكم والإحسان إليكم، ولكن الظروف التي نحن فيها تحول بيننا وبين ذلك.
إذن القضية تكمن في الصبر واحتساب الأجر عند الله تبارك وتعالى لهذا الابتلاء.
ثانيا: هناك الدعاء أن يغير الله تبارك وتعالى هذا الواقع، والصبر والدعاء حقيقة ليست أسلحة هينة أو ضعيفة، وإنما هما أقوى من أي أسلحة عرفتها الدنيا كلها, والنبي - عليه الصلاة والسلام – يقول: (لا يرد القضاء إلا الدعاء), ويقول أيضا - صلى الله عليه وسلم - : (إن الدعاء ينفع مما ينزل, ومما لم ينزل), والصبر أيضا هو سلاح النبي والأنبياء قبله – صلوات ربي وسلامه عليهم أجمعين – ولذلك قال الله له: {فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل ولا تستعجل لهم}, وقال له: {فاصبر الصبر الجميل}, وقال له: {فاصبر صبرا جميلا}.
فإذن - بارك الله فيك وفي أخواتك - الصبر والدعاء سلاحان عظيمان، ثم الجلسة الحوارية بينكم وبين والديكم، ولو كل واحد على حدة، في عدم وجود الأخوة الذكور أو وجود الخال، اجلسوا معهما، وأنت - الحمد لله - كبيرة وراشدة وعاقلة, والحمد لله موظفة، فلك منزلة, ولك مكانة عندهم, خاصة وأنك لا تقصرين في خدمة الكل, ولا في مساعدة الأسرة، فمن الممكن إذا خرجت والدتك معك إلى السوق أو إلى أي مكان وركبت معك السيارة أن تتكلمي معها، وقولي لها: (أنا امرأة وتزوجت كما تعلمين ولكن ظروفي لا يخفى عليك حالها، وأنا أريد أن تعطيني قدرا – يا أمي – من الاحترام والتقدير في البيت؛ لأني أرى أن هناك إهانات، وأن هناك تحكما زائدا، ونحن ليس لنا بعد الله إلا أنتم، وأعتقد أنه لا يسرك أن أترك البيت وأعيش وحدي بدون زوج ولا أحد معي، ومن حقي أن أعيش حياة كريمة باعتبار أني امرأة تزوجت وجربت الرجال، وكان الممكن أن أكون في بيت رجل الآن).
فاجتهدي - بارك الله فيك - في إقناع الوالدة بضرورة التدخل للحد من تصرفات الخال، ومن تصرفات الإخوة. وأعتقد أننا بهذا الحوار الهادئ سوف نستطيع أن نصل إلى حل.
أسأل الله لك التوفيق والسداد، وأن يقدر لك الخير حيث كان ثم يرضيك به.