أناجي الله وأخبره بهمومي.. فهل لابد لذلك من دعاء منمق؟

1 620

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

لقد اعتدت أن أجلس في الخارج، وأنظر إلى السماء، وأناجي الله، وأخبره بهمومي، وبما يحدث معي كما أدعوه، وأشعر براحة، وطاقة إيمانية كبيرة، فهل يجوز هذا؟ أم أنه يجب علينا المناجاة بالدعاء وبكلام منمق وبحدود؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ عربية حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحابته ومن والاه.

نرحب بك – ابنتي الفاضلة – في موقعك، ونسأل الله أن يلهمك السداد والرشاد، وهنيئا لك، فقد عرفت باب اللجوء إلى الله تبارك وتعالى.

لا تسلن بني آدم حاجة *** وسل الذي أبوابه لا تحجب
الله يغضب إن تركت سؤاله *** وبني آدم حين يسأل يغضب

والدعاء هو العبادة، قال تعالى: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم}، وقد عرف السلف قيمة الدعاء ومكانة الدعاء، فكانوا يسألون الله ملح الطعام، ويسألون الله في شسع (رباط) النعل إذا انقطع؛ لأنهم أيقنوا أن الدعاء عبادة عظيمة جدا، وكان عمر يقول: (أنا لا أحمل هم الإجابة – لأن الله تكفل بها – ولكن أحمل هم الدعاء) وأبخل الناس من بخل على نفسه بالدعاء، وأنت على خير كثير.

أما هيئة الدعاء وطريقة الدعاء، فلا يخفى على الفاضلات من أمثالك أنه صلى الله عليه وسلم كان ينظر في آخر الليل إلى النجوم، ويتوجه إلى الله، ويردد الآيات من آخر سورة آل عمران: {إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب * الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض}، وورد أنه قال: (ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها)، فمن حق الإنسان أن يتفكر، وأن يناجي ربه، وأن يتوجه إلى الله تبارك وتعالى، وأن يرفع حاجته إلى من يجيب المضطر إذا دعاه.

وقد قال ابن حجر: " الكائنات فطرت على اللجوء إلى الله " وهذا اللجوء ليس عند الإنسان فقط، بل الحيوانات البهيمية اعتادت أن ترفع حاجتها إلى من يجيب المضطر إذا دعاه، فسبحان الذي يرزق الدابة في هذه الأرض، القائل: { وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها}، فهنيئا لك بهذا الخير.

ولكننا نريد أن نقول: إن الأشياء التي تصيب الإنسان من هم وغم وحزن، وما يحدث له من أكدار، هذا لا يخفى على الله تعالى، ولا يخفى عليه شيء من أمرنا، فهو يعلم السر وأخفى، سبحانه وتعالى، فلذلك الإنسان يشغل نفسه باللجوء إلى الله تبارك وتعالى، ولا يدخل في تفاصيل وكلام، (وحصل لي كذا، وفلان ضربني، وفلان كذا)، ولكن يكفي أن يقول: (اللهم ارفع الظلم – أو الضر – عني، اللهم ردني إليك ردا جميلا، اللهم اكفني شر كل ذي شر، اللهم إنا نعوذ بك من شرورهم، وندرأ بك في نحورهم)، وتقبل على الله تبارك وتعالى، وأجمل دعاء هو الدعاء الذي يكون على السنة، وبالألفاظ التي دعا بها النبي - صلى الله عليه وسلم – إن تيسر للإنسان، أو بما جاء في القرآن: {ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار}إلى غير ذلك من الأدعية المباركة في كتاب الله، وفي سنة النبي - عليه الصلاة والسلام - .

كذلك ما أجمل الدعاء الذي جمع بين خير الدنيا والآخرة، فالنبي - صلى الله عليه وسلم – كان يحب الجوامع من الدعاء التي تجمع خيري الدنيا والآخرة.

ولا شك أن الإنسان بدعائه يشعر بتلك الطاقة الإيمانية، واللجوء إلى الله، وصدق اللجوء إلى الله تبارك وتعالى، والإنسان غير مطالب بأن يكون الدعاء بكلام منمق، وينتقي ألفاظا وعبارات، وهذا الخطأ الذي يفعله الناس حتى عندما يذهب إلى الحج، أو العمرة تجد أنه يقرأ بأدعية، أو كلمات منمقة، وألفاظ عربية عالية، قد يكون لا يفهمها، وهذا خلل، فالإنسان ينبغي أن يدعو الله تبارك وتعالى بما يفهم، وسبحانه من وسع سمعه الأصوات، وتجد في صعيد عرفات أن الناس يتوجهون إليه بأكثر من أربعمائة لغة ولهجة، فسبحان من يجيب المضطر إذا دعاه، سبحانه وتعالى.

فالتكلف في الدعاء، والاعتداء في الدعاء غير مطلوب، والإنسان ينبغي أن يدعو الله تبارك وتعالى بألفاظ سهلة، ويجعل تركيزه على المعاني، ولذلك النبي - صلى الله عليه وسلم – لما وجد أعرابيا يهمهم، ويتمتم بكلمات يدعو بها ربه تبارك وتعالى اقترب منه، وقال: (ماذا تقول في دعاءك؟ قال الأعرابي: يا نبي الله، أما إني لا أحسن دندنتك، ولا دندنة معاذ بن جبل)، والدندنة كلام خفيف يسمع ولا يفهم، (ولكني يا نبي الله أقول: اللهم أدخلني الجنة، وأجرني من النار) فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (كلنا حولها يدندن)، أي خلاصة الدعاء، {فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز} لأننا كلنا حولها ندندن.

فالإنسان إذن ينبغي أن ينتقي الألفاظ السهلة التي ليس فيها تكلف، وحبذا لو كانت كما قلنا ألفاظا واردة في القرآن، أو على لسان النبي - عليه الصلاة والسلام – ويرفع حاجته إلى الله تبارك وتعالى، بل إن الإنسان إذا كان وثيق الصلة بالله، عميق الذكر لله تبارك وتعالى يمكن أن يقول {أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين}، وهذا دعاء وثناء، توجه إلى الله تبارك وتعالى، وهذا من أدب الأنبياء، {قال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير}، فيعلنوا رضاهم بالله، ويتركوا الأمر لله تبارك وتعالى، ويفوضوا الأمر لله تبارك وتعالى الذي لا تخفى عليه خافية، فإن الإنسان لا يعرف أي الحالين له أفضل، وأي الحالين سيكون أقرب إلى الله تبارك وتعالى.

والإنسان يرفع حاجته إلى الله، فواظبي على ما أنت عليه من الخير، وحاولي أن تكون الألفاظ طيبة، وحاولي أيضا أن يكون الدعاء خافتا بينك وبين الله تبارك وتعالى، ولا تلتزمي بهيئة واحدة، يعني ليس من الضروري أن تخرجي خارج البيت فتدعي الله، بل يمكنك أن تدعي الله في محراب صلاتك، في حجرتك الخاصة، بينك وبين الله في ظلمة الليل، ولك أن تتوجهي إلى الله في أي مكان، وهذا من لطف الرحيم، فإن الواحد منا إذا أراد أن يقابل مسؤولا يكتب طلبا ويقدم عريضة، وينتظر دوره، لكن الكريم يفتح بابه ليلا ونهارا، يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها.

نحن نوصيك بتحري أوقات الإجابة: في السحر، في دبر الصلاة المكتوبة، في جوف الليل الأخير، بين الأذان والإقامة، بعد أي عمل صالح تؤديه لله تبارك وتعالى، لحظات نزول الغيث، عند السفر، واجتهدي في بر الوالدين واطلبي دعاءهم؛ لأن هذه طاعة لله تبارك وتعالى.

نسأل الله أن يسهل أمرك، وقد عرفت طريق الخير، فالزمي هذا الطريق، ونسأل الله لك التوفيق، والثبات والسداد.

مواد ذات صلة

الاستشارات