السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا فتاة مسلمة، وأحافظ على الصلوات في موعدها، وأرتدي الحجاب الشرعي، وأبر والدي قدر المستطاع، وأحاول أن أخدم الناس ولا أتكلم عن أي أحد، ولكن زملائي في العمل دائما يتكلمون عني من ورائي، وفي بعض الأوقات أعرف من تكلم علي وماذا قال، وأوقات لا أعرف، ودائما ألاقي منهم معاملة سيئة، ولا أرد عليهم، وأصبر على إيذائهم، منهم من تكلم في عرضي ولم أواجه أي أحد منهم، وصبرت واحتسبت وسامحتهم، ودعوت الله أن يبعد شرهم عني، ولكن الكلام تكرر مرة أخرى بأسوأ! وتكلمت وواجهت واحدا منهم، وحدثت مشكلة ولم أستطع أن آخذ بحقي لأني لا أعرف أن أتشاجر أو أصرخ أو أكلم الناس، وأنا أميل إلى أن أسامح الناس الذين يخطئون في حقي، ولكني سامحتهم من قبل كثيرا، وأخطأوا مرة أخرى أنا لا أريد أن أسامحهم، ولكن الذي أريده هو أن - الله سبحانه وتعالى- يأتي لي بحقي لي منهم.
هل ينفع أن أقول (حسبي الله ونعم الوكيل في كل من ظلمني )؟ وأيضا خائفة أن لا يستجيب دعائي هذا؛ لأني عندما كنت في مكة سامحتهم ودعوت - الله سبحانه وتعالى- أن لا يتكلمون عني مرة أخرى، ولكن الله لم يستجيب لدعائي وتكلموا عني.
ممكن قد يكون - الله سبحانه وتعالى- رفع عني ضررا ولكني خائفة من أن أقول حسبي الله ونعم الوكيل، وفي نيتي الدعاء عليهم يعاقبني أنا!
فما الحل؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مريم حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ولا نخفي عليك أننا سعداء باتصالك بنا، وذلك لفطرتك الطيبة ونيتك النقية الصادقة، ونسأل الله العلي الأعلى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يدفع عنك، وأن يرد عنك كيد شياطين الإنس والجن، وأن يزيدك سماحة وعفوا وإحسانا، وأن يعينك على ألا تردي السيئة بالسيئة، وأن يمسك عنك ألسنة الحاقدين والحاسدين والمغرضين، وأن يجعلك من الصالحات القانتات، وأن يبارك فيك، وأن يتقبل أعمالك خالصة لوجهه الكريم.
وبخصوص ما ورد برسالتك - أختي الكريمة الفاضلة – فأنا أهنئك على هذه النفس الطيبة، النفس التي لا تحب شرا لأحد، النفس التي تعودت أن تسامح الناس مهما أساءوا، النفس التي تعفو وتصفح، فهذه نفس طيبة مباركة زكية، ولذلك من الله عليك بهذه النعمة، وأنا أغبطك عليها حقا، لأنه ليس كل أحد يتحمل ما تحملته، ولا يصبر الصبر الذي صبرته، فأنا أتمنى أن تواصلي هذه الرحلة، وأريد منك أمرا بسيطا: ألا تشغلي بالك بهؤلاء مطلقا ولا بمن يقولون عنك، لأن الكلب – أعزك الله – إذا نبح عليك وأنت لم تناوشيه فإنه سوف يتوقف عن النباح بعد قليل، أما لو حاولت إثارته فماذا سيفعل؟ سيرتفع نباحه ويزداد ويشتد، وقد يهجم عليك ويمزق ثيابك وقد يعضك، ولكن أسلم طريقة أننا نقف أمامه حتى تنتهي ثورته ثم بعد ذلك ننصرف وانتهى الأمر، كذلك هؤلاء يقولون ما يقولون، فأنت عندما تحاولين أن تتظاهري حتى أمامهم بعدم الاكتراث وعدم الاهتمام وأن تظهري ألا مبالاة فإن هؤلاء قطعا سيعلمون أن هذا السلاح الشيطاني لم يعد ينفع معك ولا يجدي فيك ولا يؤثر فيك، فبالتالي سوف يسكتون، دون أن تكلميهم في شيء.
انظري إلى الناس، الناس يرمون الأشجار بالحجارة، ولكن أي نوع من الأنواع الأشجار يرمونه؟ يرمون الأشجار المثمرة حتى تسقط ثمرها، أما الشجرة التي لا ثمر لها لا يرميها أحد، فلأنك إنسانة طيبة وإنسانة فاضلة ومن الله عليك بالالتزام والحجاب الشرعي والمحافظة على الطاعة وبر الوالدين، يرميك هؤلاء، لأنهم ليسوا مثلك، ولذلك هذه سنة الله تبارك وتعالى، كما قال سبحانه وتعالى عن الأنبياء والمرسلين: {وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن} وقال: {وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين}.
فأنت ما دمت على خير فهؤلاء يغيظهم ما أنت عليه من الخير والطاعة، والحل والعلاج هو أن تواصلي طاعتك وعباداتك، وأن تكثري من التقرب إلى الله تبارك وتعالى أكثر وأكثر، وأوصيك في أوقات فراغك بأن تواصلي ذكر الله تعالى، والاستغفار والصلاة على النبي محمد - عليه الصلاة والسلام – وكم يكون جميلا لو كانت الظروف تسمح بأن تقرئي شيئا من القرآن، ولا تضيعي لحظة من عمرك، ولا تشغلي بالك بهؤلاء أو بغيرهم.
أما كونك تقولين (حسبي الله ونعم الوكيل) بالنسبة لهؤلاء، فلا حرج في ذلك شرعا، حتى وإن كانت نيتك الدعاء عليهم، لأنك لم تدعي عليهم دعاء مباشرا، وإنما أنت استعنت بالله أن يوقف أذاهم عنك، وهذا جائز شرعا، فلا مانع أن يقول الإنسان (حسبي الله ونعم الوكيل) أو كلما تذكرهم قال (حسبي الله ونعم الوكيل) فهذا ليس فيه شيء، فإن أحببت أن تقوليها فلا حرج في ذلك، بل إنها مهمة ونافعة، لأن الله تبارك وتعالى ذكر أنها كانت لإبراهيم عليه السلام، وأن الله نجاه بها، وأن نبينا - صلى الله عليه وسلم – وأصحابه أيضا قالوها، فقد قال تعالى: {الذين قالوا إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل} فماذا بعدها: {فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله} فهذه هي نتيجة (حسبي الله ونعم الوكيل).
فلا حرج عليك في ذلك، سواء أردت بها أن يرد الله كيدهم إلى نحورهم، أو أن ينتقم الله منهم، أو أن يكف شرهم عنك، فلا حرج في ذلك كله، ولكن نصيحتي ألا تشغلي بالك بهم، وحاولي أن تظهري ألا مبالاة، ولا تشغلي بالك، ولا تكترثي في داخل نفسك، يعني نفسك قد تقول لماذا يفعلون لابد أن توقفيهم عند حدهم، هذا ليس صحيحا، دعيهم كما ذكرت ينبحون – أجلك الله – كالكلاب ولا تشغلي بالك بهم، وبإذن الله تعالى بدعائك إلى الله تعالى وإخلاصك ومحافظتك على الطاعة سوف يقطع الله ألسنتهم ولن يتكلموا فيك بعد ذلك، فما عليك إلا الدعاء والإكثار من الصلاة على النبي - عليه الصلاة والسلام – والمحافظة على أذكار الصباح، خاصة: (بسم الله الذي لا يضر ما اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم) ثلاث مرات صباحا ومثلها مساء، وكذلك (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق) ثلاث مرات مساء ومثلها ليلا، وكذلك (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير) مائة مرة صباحا ومثلها ليلا، هذه من قالها صباحا كانت له حرزا من الشيطان حتى يمسي، ومن قالها ليلا كانت كذلك.
هذا وبالله التوفيق.