السؤال
السلام عليكم
والله أنا أستحي أن يكون عباد الله يخوضون المعارك لكسب رضى الله بالنصر أو الشهادة، وأكون أنا أخوض معركة مع أخوات زوجي، فلا أنا أنتصر عليهم لقلة حيلتي - فتربيتي لا تسمح لي أن أعاملهم بالمثل - ولا أنا أحظى بمرتبة الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس؛ لأن حلمي لا يكفيني لأصل به إلى هذه الدرجة الرفيعة، فلسانهم المتسلط وتجبرهم وكلامهم الدائم عن ماذا سنقدم لهم من الطعام، ودخولهم وخروجهم إلى البيت متى شاؤوا دون أي اعتبار لأصحاب البيت وغيره ... هذا كله يقهرني، ويجعلني أكرههم لا لشخصهم أو لمنزلتهم مني؛ ولكن لتصرفاتهم الدنيئة! رغم أني لا أبدي لهم شيئا مما أحس به، ولكني بمجرد ذهابهم أصب كل غضبي على زوجي الذي هو أخوهم، والذي لا يلقي بالا لما يفعلون؛ بل كل ما يهمه هو رضاهم.
والله ما يحزنني في كل هذا أن لي نفسا لوامة؛ فأنا أحاول جاهدة أن أحسن خلقي كلما قرأت أو سمعت درسا في الإسلام، أحاول جاهدة أن أعمل صالحا وأن أكون من عباد الله الصالحين؛ فالخوف من عذاب القبر ومن عذاب النار لا يفارقني أبدا؛ حتى أن الدنيا لم تعد تحرك بي ساكنا، ولهذا كلما حضروا عندنا أجدني أخوض مع نفسي حربا؛ لكي تتقبلهم ولكي تغض البصر عن كلامهم وأفعالهم، وأن تتعامل معهم بالحسنى بغض النظر عن معاملتهم السيئة، ولكن يأبى قلبي إلا أن يرفضهم وأن يغلق أبوابه في وجوههم، وأن لا يكن لهم أي احترام وأي تقدير.
وهذا لا يحصل لي إلا معهم؛ فأنا أحب كل الناس وأنا محبوبة عند كل الناس والحمد لله، ومع ذلك يبقى سؤالي، وهذا ما يقلق بالي وأخاف به على ديني وعلى كل ما أقرأه وأتعلمه: هل أنا امرأة سيئة؟ هل أخلاقي رديئة؟ أم هذا ابتلاء من ربي ليمتحن صبري ودرجة إيماني؟ هل سيحاسبني ربي على عدم تقبلهم وعلى إحساسي تجاههم؟ وماذا أفعل حتى أتجنب كل هذا القلق الذي يسببونه لي بمجرد أن أسمع بحضورهم؟ فبعد انصرافهم نعيش أنا وزوجي في خصومة لا تقل عن الأسبوع أو أكثر، وبعدها أعيش على أعصابي خوفا من اليوم الآتي الذين سيحضرون فيه.
هذه مشكلة كبيرة أعاني منها؛ فهلا فرجتموها عني فرج الله كربكم وكرب كل المسلمين في جميع أنحاء العالم؟!
أنتظر جوابكم على أحر من الجمر، وجزاكم الله كل خير.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ رجاء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحابته ومن والاه.
نرحب بك ابنتنا الفاضلة في موقعك، ونسأل الله أن يسهل أمرك، وأن يصلح حالنا وحالك، هو ولي ذلك والقادر عليه، ونشكر لك هذه المشاعر النبيلة، ونهنئك على هذه النفس اللوامة، التي تلومك على التقصير، فأنت على خير ولله الحمد، وعندك مشاعر نبيلة وحمل هم الآخرة وعذاب القبر والوقوف بين يدي الله تبارك وتعالى، فحسني أخلاقك لكل الناس، وأولى الناس بحسن الخلق وبالاحتمال وبالصبر هم الزوج وأهل الزوج، الذين ينبغي أن تحتملي ما فيهم من نقص لا لأجلهم، ولكن لأجل هذا الزوج، واعلمي أن هذا الزوج يصعب عليه أن يهجر أهله، بل إننا لا ننصحه أن يخاصم أهله، ولكننا ندعوه إلى أن يقدر هذه المعاناة التي تشعرين بها، واعلمي أن تغيير الناس – تغيير أخلاق الناس الذي ربما فيهم من هو أكبر منك – لا يكون بهذه السهولة، فالمسألة تحتاج إلى وقت، خاصة إذا كانوا قد تربوا على هذه الطريقة واعتادوا هذا الأمر.
فعليك أن تظهري لهم الاحترام وتجتهدي في حسن التعامل معهم، وعلى الأقل لا تكثري من نقدهم أو الإساءة إليهم أو يتطور هذا الغضب إلى مواقف ربما تؤثر على هذا الزوج والذي ينبغي أن تتذكري أنه اختارك من بين سائر النساء ورضيك زوجة له، واعلمي أن الإنسان قد يصعب عليه أن يجد زوجا بلا عيوب وأسرة بلا عيوب وأهل الزوج بلا عيوب، ولكن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم.
وحبك للآخرين طبعا لعدم الاحتكاك بهم، لكن هؤلاء أيضا لأنهم يحتكون بك ولأنهم يشعرون أن هذا أخ لهم، فقد تجدين منهم بعض مشاعر الغيرة، وهذا متوقع وموجود في مثل هذه الأوضاع، ولكن الإنسان ينتصر على كل ذلك بحسن المعاملة، وبتفويت بعض المواقف الصغيرة، فإن الإنسان عليه أن ينتبه إلى أن الدخول إلى البيوت بهذه الطريقة هو مخالفة شرعية، لكن إذا كان الناس قد تربوا عليه، وإذا كان عندهم طمع فيما عند هذا الأخ، إذا كانوا قد تربوا على هذه الأشياء الخاطئة فما علينا إلا أن نجتهد في التصحيح، إلا أن تجتهدي في أن تجعلي مكانا لخصوصيتك وتجعلي باقي البيت لهم، وإن تدخلوا في بعض الأمور فعليك أن تحتملي.
والذي فهمته من السؤال أن هؤلاء - أهل الزوج – لا يأتون إلا في أوقات محددة، فإذا جاءوا فاتقي الله واصبري، وأظهري لهم الاحترام لأجل الزوج، ولأنهم أضياف ولأن لهم حقا، وإذا ذهبوا فلا تفكري في مجيئهم بعد ذلك، لأن هذه القضية الآن تأخذ أكبر من حجمها، والشيطان هو الذي يحرك هذه المشاعر السالبة، فأهل الزوج هم أهل الزوج وسيظلون أهلا له وسيتوصلون مع هذا الزوج، ولن تجدي إنسانا ليس له علاقة بأهله، أو ليس في أهله عيوب أصلا، ولكننا ينبغي أن نحتمل، كما قالوا: (من أجل العين تكرم ألف عين) ومن أجل الزوج ينبغي أن يكون عندك صبر.
وكم تمنينا أن نعرف ما هو رد الزوج عندما تغضبين وعندما تتكلمين، وكم تمنينا أن نعرف ميزات هذا الزوج؟ وهل هو مقدر هذه المعاناة؟ هل هو متفهم لما يحصل؟ لأننا عند ذلك نوصيه بأن يشجعك وأن يشكرك على الإحسان لأهله، وأن يدعو الله تبارك وتعالى لك، وأن يقدر المعاناة الحاصلة معك من تصرفات أهله.
ولكننا لا ننصح بكثرة الكلام السيئ عن أهله، ولا ننصح بمطالبته بقطع تواصله مع أهله وبره لهم، ولا ننصح بالدخول في معارك معه مع كل زيارة لأهله، لأن هذا سيحول الحياة إلى جحيم، وعليك أن تعلمي أن الصبر مر لكن العاقبة للصابرين، لكن الصابر يعطى الأجر عند الله تبارك وتعالى بغير حساب {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} واعلمي أن هذا فعلا هو ابتلاء، وأنك سترتفعين عند الله درجات، وعند أهله - كذلك درجات – بصبرك واحتمالك لما يصدر منهم، حتى لو كان بعضهم يتعمد ذلك فإنك ينبغي أن تفوتي الفرصة على شياطين الإنس والجن.
واعلمي أنه لا يفرح بالخصام وبحصول هذه المشاكل إلا عدونا الشيطان الذي ينبغي أن نعامله بنقيض قصده، بأن نصبر على بعضنا، ورسولنا - عليه صلوات الله وسلامه – يعلمنا الصبر على الأهل والصبر على الأرحام والصبر على الناس، بل دخل رجل فقال: (ائذنوا له، بئس أخو الشعيرة) فلما دخل تبسم في وجهه - عليه الصلاة والسلام – وهذه المداراة أن يعامل الإنسان معاملة طيبة ويؤجر عليها. فلما خرج تعجبت عائشة وقالت: (قلت كذا ثم انشرحت له؟! فقال: (إن شر الناس من تركه الناس اتقاء شره) ولكن الإنسان يعامل الناس بأخلاقه الحسنة، فإذا ساءت أخلاق الناس كما قال الخليفة العباسي: فلن نجعل أخلاقنا سيئة من أجلهم، ولكن الإنسان يثبت على الأخلاق الفاضلة.
وهذه الأخلاق الفاضلة التي لا يمكن أن تفهم إلا في إطار بذل الندى وكف الأذى والصبر على الجفاء، بهذه المحاور الثلاثة: أن يبذل نداه وكرمه وإحسانه، أن يكف أذاه عن الناس فلا يؤذيهم، أن يصبر على ما يأتيه من الناس، هذا حسن الخلق، يعني البر أمر هين: وجه طليق وكلام لين، يقابل به الناس ويحسن التعامل معهم.
واعلمي أن حسن المعاملة يمكن أن تجعل الحبيب لينا، ويمكن أن تجعل الذي يسيء يتغير والمفاهيم تكون مصححة، ورغم أنك عاقلة وفاضلة وراغبة فيما عند الله تبارك وتعالى فإنا ندعوك إلى مزيد من الصبر، بل ندعوك إلى تغيير هذه الطريقة فلا تخاصمي زوجك أبدا ولا تلوميه على حضور أهله، ولا تلوميه على الإحسان إليهم، وانظري معنا ماذا يحصل من نتائج، فإن العاقبة للصابرين، وستنالين المنزلة الرفيعة عند هذا الزوج إذا شعر أنك تقدري أهله وتحترمينهم وتصبرين عليهم، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يؤلف بينك وبين زوجك، وأن يصلح لك الأحوال، وأن يهدي الجاهل من المسلمين إلى ما يحبه ويرضاه، هو ولي ذلك والقادر عليه.