السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
شكرا جزيلا لكم على مجهوداتكم الملحوظة، ونصائحكم المفيدة، ونسأل الله أن تكون في ميزان حسناتكم، وشكرا أيضا لقضاء بعض من وقتكم في قراءة أسئلتي والرد عليها... أما بعد:
ردا على أسئلتكم التوضيحية الواردة في ردكم على الاستشارة رقم (2142474) فأنا وصديقي -إن شاء الله- متحابان في الله، وبيننا ود ومحبة كبيرة، ومضى على صداقتنا حوالي 4 سنوات، وصديقي قلبه أبيض، ولكن من عيوبه الأنانية والتكبر على كلام الشكر والاعتراف بالجميل، ولكنه أحيانا إذا فعلت معه موقفا يلمح تلميحا فقط، وصديقي حالتهم المادية ليست مئة في المئة، ولكنه في الحقيقة في أحيان كثيرة يبحث عن العمل ويشتغل بجد، ولكني أحس أنه من النوع المادي زيادة؛ لأنه يرغب دائما أن أجلب معي مال، وأن أصرف على كل شيء وحدي، وأحيانا نادرة بعد أن لمته على فعله كان يصرف القليل من المال، ويشركني فيه، وهو أيضا مسرف نوعا ما، فأي مبلغ لا يكفيه! ولا يعرف كم أتعب لأتحصل على المال، ولكنني ولكي لا نغضب من بعض وتستمر صداقتنا ولا أريد أن تفصل بيننا أمور مادية فإنني ألبي له بعض رغباته، وأستمر مرات كثيرة في الصرف عليه وليس عندي مشكلة في ذلك؛ لأنني لا أرغب في أن أراه محتاجا، وأنا أستطيع تدبر المال، ووضعي المادي أحسن منه، وهو أيضا دائما يقف معي ويؤازرني ويعاونني في مصاعبي، ويأخذ بخاطري، ولكن أنا أريد أن أبين له ولو بطريقة غير مباشرة أن لا يعتبرني مثل البنك، وأن أحسسه بقيمة التعب في الحصول على المال، وأريد أن ألتقي به في بعض المرات وأنا ليس في جيبي ولا مليم، وأن لا تحدث مشاكل، وأن نقضي أوقاتا ممتعة وحتى من غير مال.
وبخصوص تجاوبه معي، فأحيانا يكون متعاونا جدا، وأحيانا يتباطأ، ولكنني متأكد من نيته الطيبة.
في انتظار ردكم الكريم، ولكم كل الاحترام.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ إبراهيم حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فمرحبا بك في موقعك، ونشكر لك هذا التوضيح الذي يحمل ويدل على نفس نبيلة وراغبة في الخير، ويدل أيضا على صفات تميز ذلك الصديق، ولذلك نحن ندعوك أن تؤكد العبارة التي ذكرتها من أن العلاقة فوق الماديات وفوق هذه الأموال، ولكن مع ذلك فمن النصح لك وله ألا تلبي سائر الطلبات بالنسبة له؛ لأن هذا ليس من مصلحته طالما كان مسرفا، وطالما كان يضيع هذه الأموال، ولا يعرف قيمتها، وعليك أن تنصح له، وأن تبين له هذه الأمور، وتعينه على المحافظة على أمواله وأموالك أيضا؛ لأن هذا هو الجانب المهم عندنا الآن، فطالما كان الرجل طيبا وله مواقف، ويقف معك ويقدرك ويحترمك، لكن عنده هذا الخلل في الإسراف أو هذا الإحجام –أحيانا– عن إنفاق المال أو نحو ذلك، فإن هذه الأمور ينبغي أن تنصح له فيها؛ لأن وجود الصداقة يترتب عليه ضرورة النصح له وإرشاده إلى مثل هذه الأمور حتى يعود إلى صوابه، وحتى ينتبه لخطورة الإسراف، وفعلا الإسراف مضيعة للمال، وكما قال معاوية: (ما رأيت سرفا إلا بجواره حق مضاع) فالإنسان الذي يسرف يضع المال في غير محله، وبالطبع من الطبيعي أن يحتاج إلى المال فلا يجد، وأن يحدث خلل في صرفه وإنفاقه، لذلك ينبغي أن تنصح له، وأن تبين له خطورة ما يحدث، وأن عليه أن يحافظ على الدرهم والدينار، سواء كان الدرهم الذي يأخذه منك أو الدرهم الذي يكسبه، فتبين له أهمية المحافظة على المال؛ لأن المال نعمة من الله تبارك وتعالى.
هذا النصح يقتضي أن يكون الأسلوب جميلا، وتكون الطريقة جيدة، وأن تذكر له ما عنده من محاسن، وتبين له، فالصداقة تجعل الإنسان لا يجد حرجا في النصح لصديقه، كأن تقول: (أنت ما شاء الله تأتيك فلوس كثيرة لكنك تضيعها، فأتمنى أن تحافظ عليها، وتحافظ على النقود، وتحاول أن تضبط تصرفاتك وإنفاقك للمال وتعرف قيمة هذا المال) وليس من الضروري أن تكلمه عن أموالك أنت، لكن لتكن البداية عن الأموال التي كسبها، وأوجه الصرف التي أضاع فيها الأموال التي بيده؛ لأن هذا سيكون واضحا أن الغرض هو النصح، ولا تجعل هذا النصح واللوم والعتاب عندما يطلب منك، وإذا طلب منك فإن رأيت أن الوضع يحتاج وأنت أعلم بحاله فعند ذلك لا تتأخر في مساعدته، أما إذا طلب ليضيع أو كان هناك بديلا فعند ذلك من مصلحته ألا تلبي كل الطلبات، وألا تستجيب لكل ما يريد، ولكن ينبغي أن يكون إنفاقك بقدر، وينبغي أن توجهه ليحافظ على أمواله هو التي يكسبها فلا يضيعها، وعند ذلك سيعرف قيمة المال فعلا، ويعرف أن تضييع المال أصلا لا يرضاه الله تبارك وتعالى؛ لأن الله نهى عن إضاعة المال، كما في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم – فلا بد أن نحافظ على المال باعتباره نعمة، ونضع كل درهم في موضعه الصحيح؛ لأن الإنسان يسأل بين يدي الله عن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه.
والتدبير هو نصف المعيشة، لا بد أن يدبر ويخطط، ويفكر في مستقبله، يعني تنصح له في مثل هذه الأمور؛ لأن إنفاقك له والتمادي في إعطائك له بسخاء يلحق الضرر بك وبه، أما الضرر الذي يلحق به فهو أنه لن يعرف قيمة الأموال، ولن يحافظ على أمواله ولا على أموالك أنت، وأما الضرر الذي يلحق بك أيضا فإنك الآن تنفق ولكن هذا الإنفاق يكون سببا في إلحاق الضرر به من جهة أنه سيعتاد هذا الكسل والتساهل في الحياة، ولكن ينبغي أن تبين له وتنصحه وهو في مقام الأخ، والإنسان قد يمنع الأخ الشقيق لمصلحته، وقد يمنع أحب الناس إليه لمصلحته، والرسول - صلى الله عليه وسلم – كان يقول للصحابة: (إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلي) لأهداف ومصالح شرعية معتبرة، لأجل أن يسلم.
فإذن هذا الأمر ليس له علاقة بالحب، والصداقة الحقيقية هي التي لا تزيد بالعطاء ولا تنقص بالمنع، لأنها فوق الدرهم والدينار.
فإذن نحن نتمنى أن تستمر في العلاقة، مع الاستمرار في النصح، ومع المحافظة على أموالك، وتشجعيه على المحافظة على أمواله؛ لأن في هذا مصلحة لك وله، وهكذا ينبغي أن يكون النصح، ونسأل الله أن يلهمكم السداد والرشاد، ونكرر شكرنا لك على التواصل بموقعك، وبالإجابة على التساؤلات التي طرحناها، فطالما كان الوضع بهذه الطريقة نهنئكم على هذه الصداقة، وأرجو أن يكون فيها جانب كبير للنصح والتعاون على البر والتقوى، فإن الصداقة التي تقوم على الإيمان والتقوى هي التي يربح أصحابها، والصداقة الحقة هي ما كانت في الله ولله وبالله وعلى مراد الله، وأي صداقة لا تقوم على أساس الإيمان والحب في الله تبارك وتعالى والتواصي بالحق وبالصبر هي وبال على أهلها، قال تعالى: {الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين}.
نسأل الله أن يرزقنا وإياكم التقوى، وأن يلهمنا وإياكم السداد والرشاد، هو ولي ذلك والقادر عليه.