السؤال
أذنبت ثم تبت لكني أعود مرة أخرى للذنب! حلفت بالله ألا أعود ثم عدت! لا أريد العودة للذنب لكني أحس بداخلي أنني تعودت على الذنب واستقليته؛ فأصبحت أقول لماذا أكبر الموضوع؟ لماذا لا أستمر عليه وأرتاح!
أنا خائفة من تعودي على الذنب، وهناك في داخلي ما زلت أكره هذا الذنب؛ لكن أخاف بمرور الوقت أن يصبح عاديا فلا يؤنبني ضميري!!
سؤالي: كيف أعظم الله في قلبي؛ حتى لا أستهين بهذا الذنب أو بغيره؟!
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ someone حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحابته ومن والاه.
نرحب بك في هذا الموقع، ونشكر لك هذه المشاعر النبيلة، وأحسنت، فإن الإنسان لا ينبغي أن ينظر إلى صغر الخطيئة، ولكن ينظر لعظمة من يعصيه، فأنت تعصين الله وهو يراك، تعصين الله الذي لا تخفى عليه خافية، فانتبهي لنفسك، واعلمي أن العظيم يمهل ولا يهمل، وأنه سبحانه وتعالى يستر على العاصي، ويستر عليه، ويستر، فإذا لبس للمعصية لبوسها فضحه وهتك ستره وحال بينه وبين الرجوع إلى الله تعالى، وقد يحال بينه وبين التوبة – عياذا بالله تبارك وتعالى – {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم}.
نحن حقيقة سعداء بهذا الشعور الذي دفعك لكتابة هذه الاستشارة، وسعداء بالروح التي تحمل هذه الاستشارة، ولكننا نشدد عليك بأن تحولي هذه الروح إلى ممارسة، فتهجري المعصية، وتهجري بيئة المعصية، وتهجري رفقة المعصية – إن كان لها رفقة – وتهجري كل ما يذكرك بهذه المعصية، لأن الإنسان إذا قال تبت إلى الله وقلبه يحب المعصية متعلق بذكرياتها محتفظ بآثارها فتلك – عياذا بالله – توبة الكذابين، الذين يتوب الواحد منهم بلسانه لكن قلبه يظل متعلقا بالمعصية، يتذكر أيامها، يتشوق إلى ممارستها، هذا أمر ينبغي أن يوضع له حد، والأمر بيدك.
ونشكر لك مرة أخرى وثالثة ورابعة هذه المشاعر النبيلة، ونحذرك من الاستهانة بالذنب، ومن التعود على الذنب، من اعتبار الذنب صغيرا وأنه أمر عادي، هذا كله من الشيطان الرجيم، فلا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار.
فاحذري من التمادي في هذه المعصية حتى ولو كانت صغيرة، فإن ذلك الجبل الكبير يتكون من حصيات صغيرة، (لا تحقرن صغيرة، إن الجبال من الحصى) وكان السلف - عليهم من الله الرضوان – يقولون: (إنكم لتعملون أعمالا هي في أعينكم أدق من الشعر كنا نعدها على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم – من الموبقات).
واعلمي أن التهاون بالذنب واحتقار الذنب وعدم الخوف من الذنب، هذه من صفة أهل النفاق – عياذا بالله تبارك وتعالى – لأنه كما قال ابن مسعود: المؤمن إذا تذكر ذنوبه يخاف كأن جبلا يريد أن يسقط عليه، أما المنافق فيستهين بالذنب، يفعل الذنوب ويخيل إليه كأن ذبابة جالسة على أنفه يوشك أن يشير لها بيده هكذا فتطير.
فاحذري من الاستهانة بالذنب، وتذكري كما قلنا عظمة من تعصيه، وتذكري أنه سبحانه وتعالى يمهل ولا يهمل سبحانه وتعالى، وتذكري أن الإنسان ينبغي أن يدرك أنه يعصي الله وهو يراه، ولذلك لما قال الشاب لابن أدهم: لا أستطيع أن أتوب؟ قال له: إذا أردت أن تعصي الله فلا تأكل من رزقه. قال: كيف والأرزاق كلها من الله؟ قال: أما تستحي من الله تأكل من رزقه وتعصيه. قال: إذا أردت أن تعصي الله تعالى فلا تسكن في أرضه. قال: وأين أسكن والأرض كلها لله؟ قال: أما تستحي من الله تعصيه وتأكل من رزقه وتسكن على أرضه. قال: إذا أردت أن تعصي الله تعالى فادفع عنك ملك الموت إذا جاءك؟ قال: كيف؟ قال: أما تستحي تعصي الله ولا تستطيع أن تدفع عنك الموت وأنت تأكل من رزقه وتعيش في أرضه وتحت سمائه. قال: إذا أردت أن تعصي الله فابحث عن مكان لا يراك الله فيك. قال: وكيف والله لا تخفى عليه خافية؟ قال: أما تستحي من الله تعصيه وهو يراك وتأكل من رزقه وتعيش في أرضه وتحت سمائه.
إننا ندعوك إلى استحضار هذه المعاني العميقة، فالعاصي الذي يختفي من الناس يعصي الله، والله ناظر إليه، مطلع عليه، لا تخفى عليه خافية، وقد قال سبحانه: {يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم} وقال: {ألم يعلم بأن الله يرى}.
فاحذري – يا بنتنا الفاضلة – من التمادي في هذا الخطأ، من الاستمرار على هذا الذنب، من الاستهانة بالذنب، لأن هذه هي الأمور الخطيرة، فمن صفات أهل النفاق – كما مضى معنا – الاستهانة بالذنب، لكن المؤمنة تتذكر عظمة من تعصيه فتخاف من الله تبارك وتعالى وتتقيه.
نسأل الله أن يتوب علينا وعليك، وأن يلهمك السداد والرشاد، وأرجو أن تدركي نفسك، الآن لابد من توبة صادقة، الآن لابد من نية صالحة للتوبة، لابد من متابعة هذه النية، وإذا ذكرك الشيطان بالمعصية فكرري التوبة، وتعوذي بالله من الشيطان، واذكري مالك الأكوان، وعندها ستعاملي هذا العدو بنقيض قصده، فإن الشيطان يحزن إذا تبنا، ويندم إذا استغفرنا، ويبكي إذا سجدنا لربنا، واحرصي على فعل الخيرات، فإن الحسنات يذهبن السيئات، ذلك ذكرى للذاكرين.
نسأل الله تعالى أن يتوب علينا وعليك لنتوب، وأن يلهمك السداد والرشاد، وأستغفر الله لي ولك.