السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا طالبة جامعية، عمري 23 سنة، واجهت الكثير من المصاعب في حياتي الجامعية كي أنجح، لكن الحمد لله نجاحي دائما متأخر عن صديقاتي ولا أعترض.
أنا يا شيخ أعمل في الإنترنت في مجال الدعوة الإسلامية وأحاول أن أنشر الإسلام بكل الطرق ولي شعبية كبيرة جدا.
لكن مشكلتي أني صاحبة قلب طيب، انجرف وراء مشاعري، فيفسر الآخرون تصرفاتي اهتماما بهم ويحاول الشباب استمالتي عن طريق الإنترنت، وهذا لا أحبه لأنه يغضب الله، وأريد أن ألبس الجلباب لكن أمي تمنعني وتقول لي: إلى أن تتزوجي، وأخاف أن أموت قبل ذلك.
تقدم لي الكثيرون من الرجال، لكن أمي ترفض دائما، فهي تنظر للشكل والمظهر، وأنا أسكت كي لا أغضبها ومخافة أن أغضب الله، ولكنني أحس بوحدة قاتله جدا لا يعلمها إلا الله، وأريد الزواج وأطلب دائما من الله، ولكن أحس (أستغفر الله العظيم) أنه لا يستجيب لي، وأخشى أن يكون القطار قد فأتني، وأبقى أسيرة وحدتي خاصة إن صديقاتي يعشن بسعادة كبيرة جدا، وأنا وحيدة بالرغم من وجود الأصدقاء والناس.
أرجو أن تكونوا فهمتم قصدي، وأرجو الرد علي بأسرع وقت، وأعلم أنكم ستقولون لي اصبري، لأنني أنا دائما أساعد اللذين يلجئون إلي، وأحس أني لا أقدر على مساعدة نفسي لكن الحمد لله.
لكم مني كل الاحترام والتقدير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أميرة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحابته ومن والاه.
نرحب بك -أبتنا الفاضلة-، ونشكر لك هذه المشاعر النبيلة، وهذا الحرص على الخير، ونقول لا يمكن أن تكون وحيدة من عرفت طريقها اللجوء إلى الله، ولا يمكن أن تكون وحيدة من شغلت نفسها بالدعوة إلى الله تعالى، ولا يمكن أن تفقد السعادة من عرفت ربها وحرصت على كل أمر يرضيه، نسأل الله أن يديم عليك هذه النعم، وأرجو أن تنظري في هذه النعم، فأنت في خير كثير، والله تعالى قال للنبي صلى الله عليه وسلم: {ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه} والحياة زهرة، والزهرة عمرها قصير، وهي جميلة في خارجها لكنها من داخلها إذا فركت نمت الرائحة ثم قال بعد ذلك: { ورزق ربك خير وأبقى} من الدين والصلاح والتوفيق والخير والدعوة إلى الله خير وأبقى، فما أحوجنا إلى أن نعرف مقدار هذه النعم، فانظري إلى من هم أسفل منك في العافية والتوفيق والسداد، ولا تنظري إلى ما من هو فوقك لتزدري نعمة الله عليك.
لذلك نحن نوصيك أولا: أن تبدئي بالشكر لله تعالى؛ لأن الإنسان بشكره ينال المزيد، وبالشكر تحافظي على هذه النعم فلا تزول ولا تضيع، ونحييك على هذه المجهودات الدعوية، ونحن نتمنى دائما لبناتنا الفضليات أن تجعل مجهودها لدعوة أخواتها من النساء، فالنساء هن بحاجة أكثر، وفي ذلك أيضا نجاح لها؛ لأنها أعرف بطبيعة ونفسيات بنات جنسها أو دعوة الرجال، والانطلاق هكذا بلا قيود فإن هذا فعلا قد يدخل آخرين، لأن الشيطان له مصائد، والشيطان يستدرج الرجال ويستدرج النساء، فاشغلي نفسك بأمر يرضي الله تعالى، وجنبي نفسك دعوة غير النساء، وإذا قابلك رجل وشعرت فيها ميل ورغبة إلى الخير فحوليه إلى مواقع شرعية أو اطلبي من إخوانك الرجال أو من الدعاة الفضل أن يتابعوا مسارة الهداية والإرشاد، وأنت تكوني بذلك نلت أجر الدلالة على الخير، ومن دل على هدى كان له مثل أجر فاعله، فنسأل الله تعالى أن يديم عليك التوفيق.
أما بالنسبة لمسألة الوالدة وردها للخطاب ونظرا للأشكال والمظاهر الدنيوية فنحن ندعوك الاقتراب من الوالدة، الحرص على برها والإحسان إليه، ولكن إذا تقدم صاحب الدين المناسب الذي تجدين في نفسك ميلا إليه عند ذلك ينبغي أن تكلمي أقرب الناس إليك وأن تطالبيه وتبين لهأإنك حريصة على صاحب الدين وصاحب الخلق، وإنك لا تهتمي بمثل هذه المظاهر، وإذا كانت الوالدة تفكر بهذه الطريقة فأين الوالد أين الإخوان، أين الخالات وأين العمات، لا بد أن تجدي في هؤلاء من يتفهم وجهة نظرك، ومن يحرص على أن يدلك على الخير ويكون عونا لك على كل أمر يرضي الله تعالى .
فعلا نحن لا ننصح برد الخطاب، ولا ننصح الفتاة أن تسكت لمثل هذه الأمور، ولكن عليها أن تناقش الوالدة بهدوء، أما إذا جاء الشخص المناسب وصاحب الدين فليس للأم وليس للأب وليس للدنيا أن تقف في طريق الفتاة، لأن هذا الأمر الشريعة جعلته للفتاة أو الفتى، ودور الأولياء والأهل هو دور إرشادي وتوجيهي، ليس لهم إلا يدخلوا وينصحوا وأن لا يقفوا في طريق الفتاة، إذا شاهدوا أنها سوف تقع وتورط نفسها أمام سكران حيران تارك للصلاة لا خير فيه، عند ذلك لا بد من وقفة حازمة، أما إذا جاء صاحب الدين وصاحب الأخلاق، وأهم من هذا أنك وجدت في نفسك ميلا إليه، وهو الذي جاء يطلب يديك يطرق البيوت من أبوابها فعند ذلك لا ننصح بأن يكون هناك تأخر أو تردد.
ولذلك ونوصيك أيضا بأن تحشري نفسك مع الصالحات، وتواظبي على حضور المحاضرات، وتدخلي في هذه الأماكن التي فيها صالحات طيبات، واعلمي أن كل واحدة منهن تبحث عن أمثالك لوالدها أو لابنها أو لأخيها أو لمحرم من محارمها، الفتاة أيضا ينبغي أن تظهر لأخواتها ما وهبها الله من مفاتن ومن محاسن، وإذا كنت ولله الحمد محبوبة ومقبولة فإن هذا يبشر بخير كثير، فليس هناك داع للانزعاج. وعليك أن تفعلي الأسباب ثم تتوكلي على الوهاب، واعلمي أن الكون ملك لله، ولن يحدث في كون الله إلا ما أراد الله تبارك وتعالى، وسوف يأتي اليوم الذي يسعدك الله تعالى بفضله بالرجل المناسب الصالح الذي يكون سببا لإسعادك في هذه الحياة.
كذلك أيضا نوصيك بأن تواصلي الدعاء، واعلمي أن الإجابة من الله تعالى تتنوع، فإنه ما من مسلمة تدعو الله بدعوة إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث:
أما أن يستجيب دعوتها.
وإما أن يدخل لها من الأجر والثواب مثله.
وأما أن يرد عنها من البلاء والمصائب مثلها.
فالإجابة تتنوع، فلا تيأسي من الدعاء، وتذكري أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (يستجاب لأحدكم ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، ما لم يستعجل، قيل وما الاستعجال؟ قال يقول: قد دعوت وقد دعوت فلم أر يستجاب لي فيستحسر عند ذلك ويترك الدعاء).
واعلمي أن السلف كما قال ابن الجوزي: كانوا يسألون الله، فإن أعطاهم شكروه وإن لم يعطهم كانوا بالمنع راضين، ويرجع أحدهم بالملامة على نفسه فيقول: مثلك لا يجاب، وهذا منهج مهم، وعلى ذلك يراجع الإنسان نفسه بتجنب المعاصي والمخالفات التي تكون سبب لعدم الاستجابة، يقول لنفسه مثلك لا يرد، مثلك لا يجاب، ثم يبدأ برنامج إصلاحي، أو يقول أن المصلحة أن لا أجاب، أحيانا الإنسان قد يطلب شيئا من الله تعالى يمنعه هذا الشيء لمصلحته، فكم من فتاة أصرت على أن تتزوج من رجل معين ليكون شقى هذا الرجل على يديها، وكم من إنسان أصر وألح أن يشتري سيارة معينة ليكون موته عليها، ولذلك يقال: لعل المصلحة أن لا أجاب، ولكن أنت رابحة في كل الأحوال، فما إنسان يرفع كف الضراعة إلى الله إلا هو رابح، ونوصيك بالرضى بقضاء الله وقدره، فإنه أوسع أبواب السعادة.
ونسأل الله تعالى أن يقدر لك الخير حيث كان ثم يرضيك به، ونكرر ترحيبنا بك في موقعك.
وبالله التوفيق والسداد.