بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ mohamedfathi حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب, فأهلا وسهلا ومرحبا بك, وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت, وعن أي موضوع, ونسأل الله تعالى أن يغفر ذنبك, وأن يستر عيبك, وأن يتجاوز عن سيئاتك, وأن يمتعك بالصحة والعافية, وأن يذهب عنك كيد شياطين الإنس والجن, وأن يعافيك من هذا الوسواس, وأن يرد إليك عقلك وصوابك, وأن يربط على قلبك كما ربط على قلب أم موسى, وأن يرزقك الهدى والعفاف والغنى, وأن يجنبك كيد الشيطان ونزغاته, إنه جواد كريم.
وبخصوص ما ورد برسالتك - أخي الكريم الفاضل - من أنك تعاني من وسواس قهري, وتتناول عقارا, وهذه الوساوس غالبا متعلقة بالكعبة, وتريد أن تسأل عدة أسئلة عن الكعبة وتاريخها, وتقول إنك علمت أنها قد هدمت, وأنها بنيت, وشعرت أن البناء بناء عادي, وقد أفقدك هذا الإحساس بقدسيتها, وهذا من الشيطان, وتسأل عن البناء فوق قواعد سيدنا إبراهيم, وهل هي التي يجوز هدمها وبناؤها عدة مرات.
أحب أن أقول لك: قال الله تعالى" وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا" يذكر بعض أهل العلم أن هذه الكعبة قد بنيت قديما, ولكن هناك خلاف: هل بنتها الملائكة, أم آدم عليه السلام, وهذ أمر لم يثبت يقينا بسند أو بدليل قاطع, ولكن المهم أنها بنيت ثم جاء الطوفان على عهد نوح عليه السلام فغمر الأرض كلها, ومما غمره بنيان الكعبة, وبدت كذلك إلى أن جاء إبراهيم عليه السلام فأمره الله تعالى بمساعدة جبريل أن يعيد بناء الكعبة, ونزل جبريل عليه السلام فحدد له مكانها - القواعد التي كانت عليها قبل حادث الطوفان - فأزاح إبراهيم عليه السلام الأتربة والحجارة التي كانت متراكمة عليها ثم بدأ إبراهيم عليه السلام في رفع بنيان الكعبة مع ولده إسماعيل.
والحجارة التي بنيت بها الكعبة هي الحجارة التي كان يأتي بها إسماعيل عليه السلام من الجبال المجاورة, وهذا كله كان بتأييد من الله تعالى, وإلهام وتوفيق, وهي حجارة عادية من الجبال المجاورة, إلا الحجر الأسود فإنه من الجنة بيقين، وقام إبراهيم عليه السلام ببنيان الكعبة مع ولده اسماعيل, وقامت كما هي الآن, وحدثت لها وكأي بنيان في التاريخ بعض التصدعات والتشرخات؛ ولذلك قالوا: كان الناس إذا ما وجدوا الكعبة قد أوشكت على الانهيار قاموا بنقض حجارتها وأعادوا بنيانها مرة أخرى بنفس الحجارة" ولذلك فهذه الحجارة التي ما زالت موجودة هي نفس الحجارة التي كانت قد بنيت بها على عهد إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام؛ لأن الناس لم يكونوا في حاجة إلى إضافة حجارة جديدة, خاصة وأن مساحة الكعبة محددة, وارتفاعها معلوم منذ الأزل, وجوانبها الأربعة محيطها الخارجي وقطرها الخارجي كل ذلك معلوم, إلا أنهم - كما ذكر العلماء - تركوا الجزء الذي يسمى بحجر إسماعيل عندما عجز أهل مكة عن إكمال البنيان بصورة كاملة؛ نظرا لقلة المال الحلال؛ لأنهم كانوا قد اشترطوا - رغم جاهليتهم ورغم عدم إيمانهم بالله تعالى الإيمان الحق- أن لا يدخل في بنيان الكعبة مال بغي - أي زانية - ولا مال ربا، وإنما مال من أطيب أموال العرب.
وهذا الشرط جعل النفقة تقصر عن إكمال الكعبة على قواعد إبراهيم عليه السلام - أي بإدخال هذا الجزء المقطوع الذي يسمى بحجر إسماعيل - فبنوا الكعبة بهذا البنيان الذي هي عليه الآن, وظلت كذلك حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فوجدها على ما هي عليه, ولم يشأ النبي صلى الله عليه وسلم أن يهدمها, وأن يعيد بناءها مرة أخرى حتى لا يلعب الملوك والسلاطين ببناء الكعبة, ونظرا لأن العرب كانوا متعلقين ببيت أبيهم إبراهيم, فإذا ما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يغيرها, وأن يعيدها على قواعد إبراهيم الأولى, فلعل ذلك أن يحدث فتنة لدى العرب, ولذلك آثر النبي صلى الله عليه وسلم عدم القيام بهذا الدور.
ولما جاء عبد الله بن الزبير رضي الله عنه هدم الكعبة وأقامها على ما أراده النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث, ولكن بني أمية وجدوا أن هذه المسألة سياسية فقاموا بهدمها مرة أخرى, وإعادتها على ما هي عليه, كما كانت على عهد قريش, بل إن أمير المؤمنين في عصره نفسه قال: لو أعلم أن هناك حديثا أستدل به الزبير لما هدمتها بعد بنيانه لها؛ لأنه علم بأن عبد الله بن الزبير إنما طبق حديث النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لو أعلم بذلك لما هدمتها لأنهم كانوا يحترمون ذلك الأمر.
وفي عهد الإمام مالك بن أنس - رحمه الله - عرض عليه أمير المؤمنين أن يهدم الكعبة وأن يعيدها على قواعد إبراهيم كما أراد النبي صلى الله عليه وسلم، فنصحه بأن لا يفعل ذلك, وذلك لئلا يلعب الملوك والسلاطين عبر التاريخ بهذا البنيان المقدس, فالذي أبشرك به أنها الآن على ما هي عليه, وأن هذه الحجارة هي الحجارة التي أحضرها إسماعيل عليه السلام من الجبال المجاورة, وهي البنيان الذي بناه إبراهيم عليه السلام.
وبالنسبة لمقام ابراهيم فإن الله تعالى قال" واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى" وتذكر كتب التاريخ أنه كان مجاورا للكعبة, ولكنه كان يشغل الناس, ويضيق على الناس الطواف, فقام أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه بإرجاعه إلى الوراء قليلا, ثم في الفترة المتأخرة قامت هيئة كبار العلماء ومؤتمر المجمع الفقهي بإقرار المملكة العربية السعودية على رده إلى الوراء قليلا حتى يتمكن الناس من الطواف بسهولة ويسر, نظرا لكثرة عدد الطائفين, كما ترى, فإن الطائفين في العهد القديم قليل, أما الآن فقد أصبح يطوف بالبيت في رمضان قرابة الأربعة ملايين مسلم, فأرى أن تقر عينا وأن تهدأ بالا بأن الذي أنت تراه الآن هو مقام إبراهيم.
وبالله التوفيق.