أرى نفسي ناقصًا دون الناس بسبب أمراضي النفسية؛ فهل أستمر على الأدوية؟

0 359

السؤال

إخواني: ساعدوني ودلوني، فماذا أفعل؟

مشكلتي باختصار: أنا شاب في السابعة والعشرين من عمري, أصبت وأنا صغير - في عمر السبع سنوات - بمرض نفسي - نوبات قلق متباعدة, أحيانا تكون لبعض الظروف التي مرت بي, وأحيانا وساوس -.

المرة الأولى كنت أتقيأ, ولم أكن أستطيع الأكل ولا النوم, وهذه الوساوس والمخاوف كانت تأتيني على شكل نوبات, تستمر لأسابيع وتختفي.

بعد أن أصبحت في عمر المراهقة خف تأثير الوساوس والمخاوف علي؛ بحيث أصبحت أتمكن من الأكل والنوم, لكن الشيء الجديد الذي حدث كان الاكتئاب, وعندما وصلت الثامنة عشرة أصابني وسواس في العقيدة, وبدأت العلاج عند طبيب, وأعطاني بروزاك, وبسبار, واكزانكس, وتحسنت حالتي بعد شهور, وبعد ذلك تخلصت من وساوس العقيدة, لكنه بقي القلق العام, والوساوس, وشيء بسيط من الاكتئاب بسبب القلق الدائم, وتوقفت عن الدواء بشكل تدريجي – أستمر التدرج مدة شهرين - وكانت الأوضاع جيدة إلى أن عادت الأعراض من جديد؛ فذهبت إليه وأعطاني بروزاك وبسبار.

المشكلة تكمن أنه أصابني إحباط ويأس من هذه الأدوية؛ لأنها تعمل مثل المخدر الموضعي, وأرى نفسي ناقصا دون الناس ودون الأصدقاء.

والمشكلة الأخرى تكمن في أن علاقاتي بالأصدقاء ساءت كثيرا, حتى أن أقرب أصدقائي - والذي تربيت معه - قال لي: إني شخص ممل, ناهيك عن باقي الأصدقاء الذين بدأوا يقولون لي: إني شخص معقد, فبدأت أعتزل الناس.

والمشكلة الأخرى هي: علمي أن أحد أعمامي أصيب بالجنون, وأخاف أن أصبح مثله بالوراثة, وهذا وارد, ناهيك عن وجود أحد إخواني الذي يريد أن يطردني من المنزل بسبب فتاة, ناهيك عن رغبتي بالزواج, وأتساءل: أي فتاة سترغب بالزواج من مريض نفسي.

والحقيقة أني بدأت أصاب برهاب اجتماعي منذ سنة تقريبا, وبدأت أخشى الاجتماع بالناس؛ خوفا من وقوع شجار وعدم القدرة على التصرف؛ لأني عادة ما أكون مرهقا, وأصاب بدوار.

القلق عكر حياتي, وأصبحت في تفكير دائم بالمستقبل, وعدم قدرة على حل المشاكل, تجمعت كل الهموم معا, وأنا لم أستخدم أي دواء منذ ثمانية أشهر, وأنا مثقل بالهموم من كل جهة.

أرشدوني: هل أعود إلى الدواء الذي أشعر أني بحاجة إليه أم أبقى هكذا - أحاول الإقلاع عنه -؟

علما أنني عندما أتناول الدواء وأكون في حالة جيدة أتجنب الاختلاط بالناس؛ بسب شعوري بالنقص والدونية؛ لأنني مريض نفسيا, والناس عاديون, وأنني اخبئ أسرارا في أعماقي, ماذا أفعل؟ هل أعود إلى تناول الدواء أم لا؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ ahmed حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:

فأشكرك على رسالتك التي أؤكد لك أنني قد تدارستها تماما، ومن خلال ما اطلعت عليه, وبالنمط وبالصورة والترتيب الذي سردت به حالتك, أقول لك - وبكل ثقة واطمئنان -: إنه ليس هناك سبب يجعلك تشعر بالدونية، فأنت إنسان له كيانه, وله وجدانه, ولديك فكر وتناسق في الأفكار، وهذا يكفي.

أقصد بذلك أن حكمي عليك من خلال هذه الوسيلة البسيطة يجب أن يكون دافعا ومحفزا لك بأن تحس بالفعل أنك لست أقل من الناس، بل ربما تكون أحسن من الكثير منهم، فانزع هذا الفكر السلبي عنك.

النظرية السلوكية تقول: إن الأفكار السلبية قد تتساقط على الإنسان منذ عمر مبكر, وبصورة تلقائية، ثم بعد ذلك تظهر في شكل اكتئاب نفسي، وأعتقد أن هذا هو الذي حدث لك, فما حدث لك في عمر السابعة لا يمكن أن نعتبره مرضا نفسيا, فنوبات الخوف تأتي للأطفال, وكذلك شيء من الوساوس النمطية البسيطة، لكني في فترة المراهقة أتفق معك أن الحالات النفسية كالوسواس والمخاوف قد تظهر بصورة جلية, وتنطبق عليها المعايير التشخيصية لهذه الحالات.

أنا لا أقلل أبدا من قيمة وحجم معاناتك، ولكني مستبشر أنك يمكن أن تعيش حياة طيبة وفاعلة, لكنك محتاج لأن تسقط الفكر السلبي التلقائي من حساباتك، وتستبدله بما هو إيجابي, ولا تستسلم أبدا لهذه الأفكار، بل اطردها، وامنعها، ولا تجعلها جزء من حياتك.

كن إيجابيا، كن فعالا، ولديك - إن شاء الله تعالى – الوسائل والطرق التي توصلك إلى هذا.

العلاج الدوائي مهم في حالتك، والأدوية الحديثة أدوية سليمة وفاعلة ومختصرة الجرعات، يعني أن الإنسان بحبة واحدة أو اثنتين يستطيع أن يتخلص من جل أعراضه النفسية, والالتزام بالدواء هو أحد وسائل الاستفادة من العلاج، ومهما طالت مدة تناول الدواء فيجب ألا ينزعج الإنسان لذلك؛ لأن مواصلة الدواء ليس من الضروري أن تكون نتيجة لشدة المرض، بل قد تكون من أجل الوقاية من المرض فقط، وهذا هو الذي أعتقد أنك في حاجة إليه، فأرجو أن تقدم على تناول العلاج.

وهناك أيضا حقيقة مهمة جدا، وهي: أن هذه الأدوية النفسية - خاصة في مثل حالتك – حتى وإن لم تجعلك تحس بتحسن حقيقي, فإنها ستكون مانعة للتدهور، وهذا مهم جدا.

والذي استطعت أن أستخلصه من خلال رسالتك أن تجربتك مع الأدوية كانت جيدة جدا، وكانت إيجابية من نواح كثيرة، فأرجو ألا تحرم نفسك أبدا من العلاج، وأعتقد أن مقابلتك لطبيب نفسي أيضا سوف تكون ذات فائدة كبيرة، فمن خلال الحوار النفسي يمكن للإنسان أن يبني قناعات جديدة حول نفسه, وحول مستقبله، وهذا في حد ذاته مفيد جدا.

ليس هنالك ما يثقلك بالهموم، فانطلق بطاقاتك الشبابية الفاعلة، وتوكل على الله، وكن دائما في معية الله، وثق في مقدراتك فهي – في الحقيقة – موجودة، وقد تكون كامنة أو خاملة بعض الشيء، ومهمتك هو أن تستدرك أهميتها ووجودها وفعاليتها، ومن ثم تنطلق مستفيدا من هذه الطاقات.

الأدوية: البروزاك دواء جيد، دواء فاعل، وهنالك أدوية كثيرة أيضا ذات فائدة ممتازة جدا منها: (الديلوكستين), ومنها (الإفكسر), وكذلك (السبرالكس), فكلها أدوية فاعلة ومفيدة، وأنا أريدك أن تستمر على الدواء، وبعد أن تتحسن حالتك على العلاج الدوائي فيمكنك بعد ذلك أن تنقص الجرعة, وتستمر على علاج وقائي.

كن دائما متفائلا، كن دائما إيجابيا في تفكيرك، فهذا هو الذي يجعلك - إن شاء الله تعالى – تحس براحة نفسية وسعادة.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، ونسأل الله لك الشفاء والعافية, والتوفيق والسداد.

مواد ذات صلة

الاستشارات