السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كنت أكلم ابن خالتي في الجوال، ونتحدث فترة طويلة، وأبعث له برسائل عادية من باب الاطمئنان والنقاش، وكنت أدعو الله بأن يزوجني إياه.
ثم عاهدت الله أن لا أكلمه في الجوال ولا أرسل له رسائل، وأترك الأمر لله، وأدعوه بأن يزوجني إياه، بعد فترة أخبرني بأنه يريد أن يتزوجني، فنقضت العهد مع الله وكلمته في الجوال أكثر من مرة، ثم قال لي: بأن مشاعره تغيرت نحوي، فأحسست إن هذا حدث بسبب نقض عهدي مع الله، فهل هذا صحيح؟
أنا نادمة جدا لنقضي العهد، وأريد أن أتزوج بابن خالتي، ما الحل؟ إني أتألم لأن الله استجاب ووضع المحبة في قلبه ثم رفعها.
وبعد فترة قصيرة أرسل لي برسالة على جوالي بأنه يريدني زوجة له، وأنه حلف بالله أنه يحبني، وأنا أثق بابن خالتي كثيرا، لكن يا شيخنا نقضت العهد مع الله وكلمته وأرسلت له رسائل، ثم عرفت بمرضه، حيث قال لي: أنه مصاب بمرض القرنية المخروطية، وبعد أن أنهيت مكالمتي معه، قلت لربنا: أنه لو أعلم يا ربنا إن به هذا المرض ما دعوت بأن أكون زوجة له! وبعد يوم واحد أرسل لي وتأسف وقال لي: إن مشاعره تغيرت نحوي، وأنا أعرف بأن الله هو الذي يضع المحبة ويزيلها، فأحسست أنه بسب ندمي على الدعاء ونقض العهد.
ماذا أفعل حتى يتوب الله علي؟ وما هو الدعاء الذي أقوله حتى يعود ويخطبني من جديد؟ علما بأنه تعهد بخطبتي بعد أن ينهي علاجه في مصر؟
وهل إذا تبت إلى الله سوف يرجع ابن خالتي لي ويخطبني أم لا؟
أرجوك يا شيخنا أن تدعو لي بأن يزوجني إياه، وأن يرزقني الوظيفة، وأن يشفيه من مرضه.
وشكرا لك.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أمل حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبارك فيك، وأن يثبتك على الحق، وأن يغفر ذنبك، وأن يستر عيبك، وأن يقدر لك الخير حيث ما كان، وأن يرزقك الرضا به، وأن يمن عليك بزوج صالح طيب مبارك يكون عونا لك على طاعته ورضاه.
وبخصوص ما ورد برسالتك - أختي الكريم الفاضلة – فمما لا يخفى عليك أن الله تبارك وتعالى قدر المقادير، وقسم الأرزاق قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، كما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم – حيث قال: (إن الله قدر المقادير قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة) ومن هذه المقادير: الأزواج، والأولاد، والأموال، والصحة، والأعمار، والجمال، والطول، والعرض، والبياض، والسواد، كل هذه أمور قدرها الله تبارك وتعالى قبل خلق السموات والأرض، وهذا الذي قدره الله لا يمكن أن يتغير ولا يتبدل من قبل الناس أبدا، لأن الله قال: {ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد}.
وإذا أراد العبد أن يغير شيئا من أقدار الله تبارك وتعالى فلقد علمنا الله تبارك وتعالى السبيل والطريق للتغيير، ومن هذه السبل أو تلك الطرق إنما هو الدعاء، إذ إن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: (لا يرد القضاء إلا الدعاء) وقال أيضا – صلوات ربي وسلامه عليه -: (ليس شيء أكرم على الله من الدعاء) وقال كذلك أيضا: (إن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، فعليكم عباد الله بالدعاء) معنى (ينفع مما نزل) يعني يغير الواقع الذي نحن فيه، ويغير المستقبل بإذن الله تعالى.
فهذا سبيل من سبل تغيير أقدار الله تعالى، لأن الدعاء من قدرالله، فإذا أراد الله تبارك وتعالى للعبد أن يحقق له رغبة أعانه على الدعاء وجعله من قدره، كما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم – بقوله: (ما يزال القضاء والدعاء يعتلجان
ما بين الأرض والسماء).
فإذن أنت تريدين ابن خالتك ليرتبط بك ويكون زوجا لك، أولا أنت تتكلمين عن الظاهر ولا تعلمين عن الغيب شيئا، والغيب بيد الله تعالى، وقد يحب الإنسان شيئا وفيه هلاكه وفساده، ولذلك قال الله تعالى: {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون} ولكن كل الذي عليك بارك الله فيك: أولا تقوى الله سبحانه وتعالى، والتزام شرع الله تعالى، وعدم الوقوع في المعاصي، لأن هذا التواصل الذي حدث بينك وبينه ليس تواصلا شرعيا، ولعل الذي حدث إنما هو نوع من العقاب لك وله، لأنكما تجاوزتما شرع الله تعالى، فشاء الله تعالى أن يفرق بينكما.
ولذلك عليك أولا بالتوبة النصوح، والحرص على طاعة الله، وأن تقدمي ما عند الله أفضل مما عندك، وأن تقدمي مراد الله سبحانه وتعالى، لأن الله تبارك وتعالى عنده كل وبيده كل شيء، فإذا كنت على علاقة طيبة مع الله وسألته سبحانه وتعالى شيئا وكان فيه خير لك فإن الله تبارك وتعالى يعطيك إياه لأنه على كل شيء قدير.
فسيدنا أيوب - عليه السلام - دعا الله تبارك وتعالى بالشفاء فشفاه الله، وسيدنا زكريا - عليه السلام – دعا الله تبارك وتعالى بالولد فرزقه الله، وسيدنا إبراهيم – عليه السلام – دعا الله تبارك وتعالى بأمور كثيرة فاستجاب له الله، وسيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم – دعا لبعض الصحابة فأكرمهم الله.
إذن علينا أولا حتى يتحقق لنا ما نريد أن نستقيم على منهج الله تعالى، وعلى قدر الاستقامة تكون الكرامة وإجابة الدعاء.
الأمر الثاني: أن نعلم أن ما عند الله لا يمكن الوصول إليه بمعصية الله، وإنما ما عند الله لا نصل إليه إلا بطاعة الله، فنحرص على الطاعة، ولا نتبع هوانا، ولا أنفسنا، ولا شهواتنا وملذاتنا، وإنما نلتزم شرع الله تعالى، والذي قدره الله سوف يكون لا محالة.
الأمر الثالث: أن نتوجه إلى الله تبارك وتعالى بالدعاء.
فعليك بهذه الأمور الثلاثة، وثقي وتأكدي أن هذا الشاب لو كان فيه من خير لك فلن يحرمك الله تبارك وتعالى منه أبدا، لأن الله تبارك وتعالى يحب عباده، ويحب المؤمنين، ويحب أن يكرمهم، ويفرح بما يعطيه لهم، سبحانه وتعالى جل جلاله، ولذلك وعدهم خيرا كثيرا، ومن محبة الله للعبد أن العبد قد يفعل شيئا قليل فيعطيه الله أجرا كاملا جزيلا عظيما، هذه كله من محبة الله تعالى،ومن محبة الله للعبد أن العبد لو أخطأ أو قصر أو وقع في بعض الذنوب ثم رجع إلى الله لغفر الله له وفرح به.
فعليك بقطع علاقتك نهائيا مع هذا الشاب، وعليك بالاستغفار والتوبة من هذه الرسائل التي تمت وغيرها، وعليك بالتوجه إلى الله تعالى بعدم تحديدك هذا الأخ بعينه، وإنما اسألي الله تبارك وتعالى أن يمن عليك بزوج صالح يكون عونا لك على طاعته ورضاه، ويعاملك بالحسنى، ويعاشرك بالمعروف. لأنك قد تظني أن هذا هو أفضل إنسان في العالم، والأمر يكون على خلاف ذلك، وقد يكون هذا الرجل متميزا جدا ولكن لا يصلح لك.
فعليك أن تسألي الله الخير، لأن الخير قد يكون في هذا الشاب وقد يكون في غيره، وقد يأتيك رجل أنت لم تسمعي به ولم تريه من قبل ويجعل الله سعادتك وسعادة أهلك على يديه.
فأتمنى بارك الله فيك أن تركزي دعائك في أن يمن الله عز وجل عليك بزوج صالح الذي يكون عونا لك على طاعته ورضاه، سواء كان هذا الشاب أو غيره.
أسأل الله تعالى أن يشرح صدرك للذي هو خير، وأن يوفقك لكل خير، وأن يمن عليك بزوج صالح طيب مبارك، إنه جواد كريم. هذا وبالله التوفيق.