السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أشكركم على جهودكم ونصائحكم التي من خلالها نتغير للأفضل بفضل الله تعالى..
صديقتي لديها مشكلة، وهي أنها تحب شابا منذ سنتين أو أكثر، ولقد تقدم لخطبتها أكثر من مرتين، ولكن أبوها كان يرفض الشاب لأنه ليس من الأقارب، وصديقتي لا تريد أن تقطع علاقتها بهذا الشاب، علما بأني قد نصحتها، ولكنها تقول لي بأنها لن تيأس، وربما هذا اختبار من رب العالمين.
وبما أننا مقبلون على الشهر الفضيل، وأتمنى الهداية لصديقتي، وهي لا تريد غيره، وهو أيضا كذلك، وتقول بأنها لن تتزوج غيره، وستصبر، فما هو الحل؟ فأنا أفكر فيها، وبمصلحتها، وأريد لها الخير.
وهل على أبيها ذنب؟ وهل سيحاسب لأنه يرفض الشاب دون سبب؟ فهي دائما تصلي الاستخارة حين يتقدم لها الشاب، وتقول بأنها ترتاح، ولكن الأب يرفض.
فما هي نصيحتكم لصديقتي؟ وما هو دوري كـصديقه؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مريم حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحابته ومن والاه..
فلا شك أن هذا الأب أساء وتجاوز عندما وقف في طريق ابنته دون أن يكون هناك سبب شرعي، وإذا كان الشاب صالح الدين، صالح الأخلاق، فإنه لا يجوز للأب ولا لغيره أن يقف في طريق الفتاة، وأبلغ دليل على ذلك أن النبي - عليه الصلاة والسلام – أخبر أن البكر لا تزوج حتى تستأذن، والثيب حتى تستأمر، وكذلك أيضا حديث الأنصارية التي زوجها أبوها من رجل وهي كارهة، فرد النبي - صلى الله عليه وسلم – نكاحها وجعل أمرها بيدها.
وعموما فالشريعة تجعل أمر الزواج بيد الفتى والفتاة، ودور الأب، ودور الأولياء، ودور الأهل هو دور إرشادي توجيهي، يحق لهم أن يتدخلوا، ويجوز لهم أن يمنعوا إذا كان هناك خلل شرعي، بأن كان الخاطب تاركا للصلاة، عاصيا لله، بأن كان مدمنا للمخدرات أو نحو ذلك من الموبقات، فإنهم يتدخلون عند ذلك رعاية لمصلحة فتاتهم وبنتهم.
أما إذا كان الشاب طيب الدين، وطيب الأخلاق، ورضيت به الفتاة، فلا يجوز للأب أن يقف في طريقها، والشريعة تسمي مثل هذا الأب (عاضل)، وإذا كان هذا العضل بلا سبب كما ذكرنا، فإن الشريعة تنقل الولاية من الأب إلى الأخ، أو إلى الذين يلونهم حسب الترتيب الشرعي، من أجل أن تتزوج الفتاة.
ولكننا ننصح هذه الفتاة بأن توقف هذه العلاقة أولا، وأن تتوجه إلى الله تبارك وتعالى، لأن هذه العلاقة إلى الآن ليست علاقة رسمية، ولا يجوز للفتاة أن تتواصل مع أي شاب إلا بعلاقة رسمية، يأتي فيها الشاب إلى بيت الفتاة من الباب، ويقابل أهلها الأحباب، فالفتاة ما ينبغي أن يكون لها علاقة مع رجل أجنبي – مع أي رجل – إلا في إطار الزوجية، أو في إطار المحرمية، فهذا الرجل ليس من محارمها، وليس كذلك زوجا لها، ونصيحتك للفتاة في مكانها، ولعل أيضا هذا التجاوز المخالف لأمر الله في تأسيس العلاقة هو السبب الذي حال بينها وبين ما تريد، فإن ما عند الله لا ينال إلا بطاعته، ونحن نتمنى أن تتوب ويتوب الشاب، ثم بعد ذلك يكرر المحاولات، ويتوجهوا جميعا إلى رب الأرض والسموات، وسيأتي اليوم الذي يأتيهم فيه الفرج - بإذن الله تبارك وتعالى -.
لكن أي تواصل الآن ليس له غطاء شرعي، ولا يقبل من الناحية الشرعية، وليس هناك مصلحة في كل الأحوال، لأن هذا التواصل يؤجج المشاعر، ولا يزيد المسألة إلا تعقيدا، وستزداد المسألة سوء إذا عرف الوالد أنها تتواصل مع الشاب من وراء ظهره، وأنها لا تزال تكون معه علاقة من خلفهم ودون علمهم، فإن هذا سيعقد المسألة، والأخطر من ذاك، أن هذا يجل غضب الله، لأن الله لا يرضى مثل هذا العمل ومثل هذا التصرف الذي تقوم به هذه الصديقة.
فواصلي النصح لصديقتك، ونحن نرفض تصرف الوالد، ولكن خطأ الوالد لا يعالج بخطأ، لأنها ستقف بين يدي الله وحدها، والوالد سيقف بين يدي الله تبارك وتعالى وحده.
وعليها أن تتفهم مخاوف الوالد، وما هذه المخاوف؟ وعليها كذلك أن تدخل الأعمام والفضلاء والعاقلات، والعمات، والخالات، ليتدخلوا في هذا الأمر حتى يتكلموا بلسانها، فإن المسألة قد يكون فيها جزء من العناد، والمسألة تحتاج إلى توضيح الصورة، إذا كان الشاب مقنع لهؤلاء جميعا، وأهله أيضا أهل فضلاء، وأيضا قد تكون الطريقة التي جاء بها الشاب، فهل جاء بأهله؟ وهل جاء إلى البيت من الباب؟ وما هي الطريقة التي خطبك بها؟ وهل الوالد على علم أنكم على علاقة قديمة؟ فهذه من الأمور التي تجعل الأمور تزداد تعقيدا.
ولذلك في كل الأحوال، إذا عرف السبب بطل العجب، وسهل بفضل الله وتوفيقه إصلاح الخلل والعطب.
فاجتهدي في بر الأب والاقتراب منه، واطرحي قضيتك ومشكلتك للوالدة أو للخالة من أجل أن تتكلم بلسانك، ونسأل الله تعالى أن يقدر لها الخير.
فإذن أنت توصيها بهذا الذي ذكرناه، واجتهدي في أن تقتربي منها، وبيني لها أن الاستمرار في هذه العلاقة بهذه الطريقة لا يجوز من الناحية الشرعية، ويجب أن توقف هذه العلاقة، ويجب على الشاب أن يكرر المحاولات، ويجب عليها أن تجتهد في إقناع أهلها، ومن مصلحتها أيضا أن تجمد هذه العلاقة، ونحن نعرف أنه قرار صعب وكبير عليها، ولكن الأخطر منه والأكبر هو الاستمرار في هذه العلاقة التي ليس لها غطاء شرعي، والتي لا تجر للطرفين إلا أسوأ المتاعب، وليس من العقل والكمال أن تصر الفتاة أو يصر الفتى على السير في اتجاه واحد يخالف فيه الجميع، ولأن هذا فيه ضياع لوقتهما، والفتاة هي المتضرر الأكبر من هذا الانتظار الذي لا تعرف له نهاية.
وكما قلنا: إذا كانت الصورة واضحة، وفي الأهل من يؤيدها، وتستطيع أن تطرح قضيتها على الجهات الشرعية، فإنها يمكن أن توصف، لأن ما يفعله الوالد مخالف لشريعة الله تبارك وتعالى، فإذا كان الشاب صالحا، مع أننا نتحفظ على تلك العلاقة التي كانت في الخفاء قبل سنوات، وهذا خطأ كبير يقع فيه الشباب والفتيات، فينبغي أن ندخل الأهل من البداية، ولا ننتظر حتى نكون علاقة في الخفاء، وتتحول هذه العلاقة إلى مشاعر وثيقة، ثم بعد ذلك نعلن ارتباطنا فيأتي الرفض، وتحل الكارثة، ويحصل الندم، ومن أحب غير الله أتعبه الله تبارك وتعالى به.
فعمري قلبك بحب الله تبارك وتعالى، واطلبي من هذا الشاب أن يتوقف، ثم عليه أن يكرر المحاولات، وأنت أيضا توبي إلى الله وارجعي إليه، وتوجهي إليه سبحانه وتعالى، فإن العلاقة التي كانت في الخفاء هي خطيئة تحتاج إلى توبة واستغفار وندم.
ونسأل الله أن يصلح لنا ولك الأحوال، وأن يوفق الجميع لما يحب ويرضى.