السؤال
السادة في الموقع الرائد في مجال الاستشارات على الإنترنت: السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
كما تعلمون أن هذا العصر الذي نعيش فيه صار عصر فتن، وأصبحت الصداقات بين الجنسين عادية، والكارثة أنهم يرون ذلك عاديا لعدم معرفتهم بدينهم، وكثرة متابعتهم للأغاني والمسلسلات الماجنة.
فأريد منكم أن تدلوني على طريقة مفيدة لأنصح الشباب بأهمية الالتزام بآداب الدين من: غض البصر، وعدم الحديث بين الجنسين، وترك الحديث بالهاتف، بعضهم لأنهم أجنبيون عن بعضهم.. وغيره من الأشياء المحرمة عليهم.
وشكرا، ودمتم متألقين!
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ خالد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحابته ومن والاه.
نرحب بك ابننا الكريم في موقعك، ونشكر لك هذا التواصل مع موقعك، ونسأل الله أن يكثر من أمثالك، وأن يلهمك السداد والصواب، هو ولي ذلك والقادر عليه.
أنت لا تعرف كم نحن سعدنا بهذه الفكرة وبهذه الاستشارة، التي تأتي من شباب يريد أن ينصح إخوانه، فنسأل الله تبارك وتعالى أن ينفع بك البلاد والعباد، وأن يجعلك ذخرا لهذه الأمة، هو ولي ذلك والقادر عليه.
وقد أحسنت؛ فإن الشباب الذي يتوسع في المكالمات والصدقات المحرمة التي تجر ما وراءها، شباب لا يعول عليه، شباب يضيع وقته وحياته، بل شباب يضحي بسعادته كاملة، فإن هذه العلاقات العاطفية التي لا تحكمها أطر شرعية هي السبب في البلاء والكوارث التي حلت في كثير من البلاد بكل الأسف، والتي جلبت السعادة من كثيرين فأصبحوا تعساء في حياتهم، بل هي المسؤولة عن الفشل حتى في الحياة الزوجية مستقبلا وعما فيها من برود عاطفي وفشل بين الزوجين، لأنهم توسعوا في الحرام، وهذا ليس كلاما نظريا ولكن دراسات حتى في البلاد الغربية تقول: أن العلاقات العاطفية قبل الزواج هي المسؤولة عن خمسة وثمانين بالمائة من نسبة الفشل، والنسبة الباقية (خمسة عشر بالمائة) لا يعني أنهم سعداء، ولكنهم أيضا في تعاسة وشقاء، لكن يستمروا لأنهم يرون أنه لا حل لهم آخر، ولأن هناك مصالح أخرى فيستمروا في جحيم.
فلا يمكن للإنسان أن يسعد في هذه الحياة إلا إذا التزم بهذا الشرع فغض بصره، إلا إذا التزم بهذا الشرع فابتعد عن البنات، وبعدت البنات عن الشباب، وغض بصره، فإن غض البصر يجلب السعادة، ويجلب الطمأنينة، ويجلب الراحة، لا تعدلها راحة، ولا نستطيع أن نصفها بالكلمات، ولكن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، ومن غض بصره وجد حلاوة ذلك في قلبه إيمانا ورضى وسعادة وراحة بال.
أما الذين يطلقون أبصارهم والذين يتوسعوا في العلاقات والمكالمات لا ينامون إذا نام الناس، ولا يسعدون إذا سعد الناس، بل كل مكالمة لا تزيد الأمر إلا سعارا واشتعالا، فهم في تعاسة وشقاء، وهم في خوف قبل المعصية، وفي خوف في أثنائها، وفي خوف بعدها، ولذلك قال الله تبارك وتعالى: {إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة} فقط الذي يفرح بمثل هذه التجاوزات {لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون} هذا العذاب الأليم جزء أساسي التاسعة التي يجدها الإنسان، فالفتاة تلاحظ أن الفتى يتقلب عليها ويتغير عليها وأنه ينظر لأخريات، تتعب نفسيا، تعاني الويلات، فإن عبث بها فهي كالعلكة سيرميها غدا ولا يهتم بها.
كذلك هذا الشاب الذي يجري وراء الغاديات الرائحات يعتب نفسه، ويعرض عرضه للخطر، فإن الإنسان إذا تعرض لأعراض الآخرين بسوء كان عرضه في خطر، فإن صيانتنا لأعراضنا تبدأ من صيانتنا لأعراض الآخرين، وليت هؤلاء الشباب فكروا، هل يرضى مثل هذا العمل لأخته؟ هل يرضى مثل هذا العمل لبنته مستقبلا؟ هل يرضى مثل هذا العمل مع لعمته أو لخالته؟ قطعا كلنا سيرفض هذا، ولكن لماذا لا نحب للآخرين ما نحب لأنفسنا، لماذا لا نكره للآخرين ما نكره لأنفسنا؟
إن هذا التعلق الزائف معظمه يوصل إلى الفشل ويوصل إلى التعاسة والشقاء، فقد يتعلق الشاب بفتاة ثم بعد ذلك يفاجئ أن الأسرة رافضة لها، وأن فكرة الزواج شبه مستحيلة، وأمام الزواج عقبات وعقبات، فيكون في تعاسة وشقاء، وتظل هي في تعاسة وشقاء. حتى لو فرضنا أنهم تزوجوا فإن الشيطان الذي جمعهم على المعصية والشيطان الذي جمعهم على المخالفات، يأتي مرة ثانية ويقول (كيف تثق فيها وقد كانت تكلمك؟ كيف تثق فيها وقد حصل منها كذا وكذا؟) ثم يأتي للفتاة فيقول: (كيف تصدقيه، هذا المجرم الذي كلمك كان ينظر إلى فلانة، وكان له علاقات مع فلانة، ما المانع أن يكون له علاقات مع أخريات؟ ألا تتأكدي أن هناك من هو أجمل منك؟ كيف تأمينه؟) وعند ذلك تبدأ الشكوك ويبدأ سوء الظن، ويبدأ الأذى من الطرفي، حتى يفجر الشيطان هذه العلاقة مرة أخرى فتصل إلى تعاسة وشقاء.
إذن هؤلاء الشباب لابد أن يعرفوا أن إطلاق البصر فيه ضرر على مستقبلهم، فيه ضرر على دراستهم، وفيه ضرر على نفسياتهم، وفيه ضرر على علاقاتهم الاجتماعية، وفيه ضرر على علاقاتهم الأسرية، وهي هموم وغموم لا حصر لها، لها أول وليس لها آخر. لابد أن يدركوا أن هذه العلاقات لا ترضي الله تبارك وتعالى، والله وعد المخالفين فيقول: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم}.
وعلى الجميع أن يشعروا أن الله تعالى مطلع عليهم، وأن الله ناظر إليهم، وأن الله تبارك وتعالى يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وأنه يعلم السر وأخفى، وأنه يعلم الجهر من القول ويعلم ما تكتمون، وأنه لا تخفى عليه خافية، وينبغي أن يعلم الشباب أن هذه الضحكات وأن هذه العلاقات ما هي إلا تمثيل، ما هي إلا إظهار للحسنات وإخفاء للسيئات، فالشاب ينخدع مع الفتاة، وهي تنخدع معه.
وأرجو أن تعلم الفتيات أيضا – وكل فتاة – أنها المتضرر الأول، فإن الشاب الذي يعلن إعجابه بثيابها وبهيئتها وبشكلها سيتركها غدا، لأنه يريد أن يستمتع، ولن يرضاها أما لعياله، ولن يرضاها حارسة لبيته، فإن أفسق الشباب إذا أراد أن يتزوج يبحث عن الصالحة التقية التي لم تلوث سمعتها، ولم تلوث سيرتها، ولم تتوسع في العلاقات العاطفية، فيبحث عن صاحبة الدين والأخلاق، وسيترك هذه التي ظل معها سنوات، وهذا ما قالته فتاة جامعية صارخة في جامعة عربية كبيرة: (إنهم يخدعوننا، إنهم يثنون على جمالنا، إنهم يبتسمون لنا لكنهم يتزوجون بغيرنا) وهي حقيقة واضحة ينبغي أن تكون واضحة أمام أبنائنا والفتيات، حتى لا يتوسعوا في هذه العلاقات فتكون العاقبة وخيمة.
نسأل الله أن ينفع بك، وأن يجعلك من الصالحين، وأن يثبتك على الخير، وأن يهدي شبابنا إلى ما يحب ويرضى.