ما هو أرقى أسلوب في فن الخطابة؟

0 609

السؤال

ما هو أرقى أسلوب في فن الخطابة؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ قاسم النور حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله, وعلى آله وصحابته ومن والاه.

نرحب بك - أستاذنا الكريم - في موقعك، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يلهمك السداد والرشاد، هو ولي ذلك والقادر عليه، ونشكر لك الاهتمام بهذا الجانب، ونشكر لك هذا السؤال.

نحب أن نبين لك أن أرقى أنواع الخطابة هو ما كان على هدي الرسول - صلى الله عليه وسلم – الذي كان أفصح الناس, وأخطب الناس, وأحلم الناس, وأفضل الناس – عليه صلاة الله وسلامه – وكان إذا خطب الناس علا صوته, وانتفخت أوداجه، وقال للناس: (أنا النذير العريان), وقال: (صبحكم ومساكم), كأنه ينذر ويبشر ويتوعد – عليه صلاة الله وسلامه – وهذا يدل على انفعال النبي - صلى الله عليه وسلم – في الخطابة وتفاعله معها، وكان هديه في الخطابة أنه يحبب الناس في الله, ويعرفهم بالله, ويرغبهم في الله تبارك وتعالى، ولم يكن - عليه الصلاة والسلام – يفعل كما يفعل الخطباء من الكلام عن الدنيا, وأنها فانية, وأنها كذا، فيخرج الإنسان ولم يعرف إلا أنه سيموت ويدفن وتوزع أمواله وأعماله, بل كان النبي - صلى الله عليه وسلم – يحيي في الناس معاني المحبة في الله, والرغبة في طاعته, والإنابة إليه، وكان في الخطابة أيضا يتعرض للأمور الأساسية العامة، فيتحدث عن التقوى, وعن حرمة الدماء, وعن وحدة الصف، ويوصي بالنساء خيرا، ويوصي بهذه المعاني الكبيرة.

إذن فقد كان هديه - صلى الله عليه وسلم - هو أكمل هدي، وكان يخطب على مكان مرتفع، وقد خطب على جذع، وحن الجذع له، وكان له منبر يصعد عليه، وكان - عليه الصلاة والسلام – يصعد المنبر في أكمل هيئة، وهذا هديه - صلى الله عليه وسلم – فإن جمال هيئة الخطيب له أثر كبير على الخطابة.

الخطبة الناجحة هي التي ينبغي أن يكون لها ما يميزها في مقدمتها من حسن الاستهلال, والمدخل الحسن, وتوحيد المشاعر مع الناس، والاهتمام كذلك أن تكون هذه المقدمة مشرقة ومشوقة متناسبة مع الخطبة طولا وقصرا، والإنسان يستطيع أن يبدأ بحسن الاستهلال, وهو أن يدل مطلع الخطبة على محتواها، أو أن يشير إلى عكس ذلك, بحيث يجتهد المستمع في معرفة موضوع الخطبة التي يريد أن يؤديها، كذلك قد يبدأ بقصة، أو يبدأ باستفهام.

أما فحوى الخطبة ومحور الخطبة ولب الموضوع: فينبغي أن تكون الآيات متناسقة وصحيحة, وكذلك الأحاديث، وأن تكون العناصر مرتبة بأن يبدأ بالمقدمات، وينتهي بعد ذلك بالنهايات، وأن يستخدم أسلوب الالتفات والاستفهام والدعوة للتأمل، ويستخدم الإشارة، ويواجه الناس ببصره، ويقبل عليهم، ويعمل مسحا بصريا للمصلين الذين أمامه، ويتحكم في نبرات صوته علوا وهبوطا؛ لأن هذه من المسائل الأساسية التي تشد الانتباه، ثم عليه كذلك أن يتحكم في الإشارات – وهي مهمة – فقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم – يستخدم الإشارة، فيرفع يديه ويقول: (أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين), أو يقول: (فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج هكذا), ويحلق بالإبهام والتي تليها، والإشارة ينبغي أن تكون قليلة أولا، ويكون توقيتها صحيحا, ومقدارها صحيحا، ويراعي فيها كذلك أن تكون صحيحة في مقدارها، فلا يقول كهاتين ويشير بأصابعه الخمسة – أو هكذا –.

بعد لب الموضوع تأتي الخاتمة، وخاتمة الموضوع لا تقل أهميتها عن المقدمة، فهي الخلاصة الذي يذهب بها المصلي؛ ولذلك ينبغي أن تكون مختصرة أيضا، فيها تلخيص للموضوع، أو تركيز على أهم عناصره، أو تحديد وظيفة للمصلين يفعلونها بعد تلك الخطبة، كذلك قد تكون الخاتمة بالدعاء، وفي هذه الحالة لا بد أن يكون كل الدعاء منصبا حول موضوع الخطبة التي تكلم فيها، فإذا تكلم عن العلم فكل الدعاء عن طلب العلم، أما إذا كان الدعاء متنوعا بالدعاء للأمة والرزق وغير ذلك، فهو يحتاج إلى خاتمة، وقد تكون الخاتمة فيها تشويق وإعلان لما بعدها، وهذا مفيد في الموضوعات التي لها اتصال ببعضها، مع ضرورة أيضا أن توافق الخطبة الزمان والمكان والحال، وأن يكون هذا الخطيب قد تهيأ لهذه الخطبة, وأحسن تحضيرها، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه، وأن يرزقنا وإياك العلم النافع والعمل الصالح، هو ولي ذلك والقادر عليه، وأستغفر الله العظيم لي ولك.

مواد ذات صلة

الاستشارات