بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ مهند حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:
الحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله, وعلى آله وصحابته ومن والاه.
نسأل الله تعالى أن يوفق الجميع لما يحب ويرضى, ونرحب بك وبزميلك في الموقع, ونتشرف بخدمة شبابنا وأبنائنا الكرام من أمثالكم، ونسأل الله أن يرزقنا وإياكم سلامة الصدور، وأن ينزع ما في صدورنا من غل وحقد وحسد, هو ولي ذلك والقادر عليه.
لاشك أن الإنسان ينبغي أن يحدث بنعمة العظيم سبحانه، (وأما بنعمة ربك فحدث), ولكن هذا الحديث بفضل الله وبنعمته له شروط:
منها أن لا يكون على سبيل التفاخر والتعالي والتكبر على عباد الله تعالى, فلا يأتي الإنسان أمام الراسبين ويقول: أنا ناجح, كأنه يريد أن يغيظهم أو نحو ذلك، وليس من الضروري أن يكون هذا الحديث كلاما, إنما يظهر هذه النعمة فيعترف بفضل الله تعالى؛ لأن الممنوع هو أن يقول الناجح مثلا: أنا لم أنجح، وأن يقول الغني: أنا مسكين وأنا فقير، أو أن يقول من يملك الأموال ليس عندي شيء, هذا هو الممنوع، ولكن ينبغي أن يظهر أثر النعمة عليه، شكرا لله وحمدا لله تبارك وتعالى، وإذا سئل فيجيب بالحقيقة, والكذب لا يجوز, وينبغي أن يقول: نجحني الله, وهذا من فضل الله, وهذا من توفيق الله تعالى, فلا يجوز له أن يغيب أصل النعمة, ولكن لا مانع إن نجح أن لا يحدد المجموع، وأن يقول: عندي خير كثير دون أن يحدد المبلغ, فإن تحديد المبلغ وتحديد هذه الأشياء هو الذي قد يجلب له الحسد - كما قلت - من ضعاف النفوس، ولكن حتى هذا فمن الضروري أن يبين إذا سئل فيستعين بالله ويقول: نجحت ونسبتي كذا, أو جاءني كذا من الخير إذا سئلت, وما ينبغي يكذب, ولكن الأصل - كما قلنا - هو أن الإنسان ينبغي أن يجتهد في كتمان أموره, كما قال يعقوب لأبنائه (لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة), ثم قال بمنهج الإيمان –(وما أغني عنكم من الله من شيء) لأن الأمر أولا وأخيرا بيد الله ولله تبارك وتعالى، لكنه يأمر بأخذ الأسباب, فقد كان عددهم كبيرا, وأجسامهم جميلة ضخمة, فأن يدخلوا من باب واحد فهذا مجلبة فعلا للإصابة بالعين, أو نحو ذلك؛ ولذلك أمرهم أن يدخلوا من أبواب متفرقة، ثم بين لهم أن هذا مجرد سبب, والإنسان يفعل الأسباب, ولكنه لا يعول عليها؛ ولذلك قال: { وما أغني عنكم من الله من شيء} لأن الأمر لله وبيد الله أولا وأخيرا، فليس هناك تعارض فعليه أن يحدث بنعمة الله, وكل من أنعم الله عليه بنعمة يحدث بها, والله يحب أن يرى أثر نعمته على عباده سبحانه وتعالى، والإنسان ينبغي أن يشكر نعم الله, والشكر هذا ينبغي أن يتحول إلى عمل بالنعمة, واستخدام للنعمة في الطاعة, وشكر لله على النعمة, ونسبة النعمة للواهب؛ لأن الشكر ظهور أثر نعمة الله على لسان عبده ثناء واعترافا, وعلى جوارحه انقيادا وطاعة، وعلى قلبه شهودا ومحبة، كما قال ابن القيم رحمة الله عليه.
ولكننا لازلنا نصر على ضرورة ترك الكذب, وإذا كان يخاف من إنسان معين أو يخاف أن يصيبه ضرر فعليه أن يعطي العموميات, فإن ألح فعليه أن يبين ويستعين بالله تعالى, ولأن الله يقول: (لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا), فهو يستعين بالله, والعين بنفسها لا تؤذي إلا إذا بتقدير الله تبارك وتعالى، فالإنسان ينبغي أن يأخذ هذه الاحتياطات, ولكن قبل ذلك وبعده لابد أن يتوكل على الكريم الوهاب سبحانه وتعالى، ونسأل الله تعالى لكم جميعا النجاح والسداد والتوفيق في حياتكم, وأرجو أن يعلم المسلم أن رعاية مشاعر إخوانه أيضا من الأمور الهامة؛ لأن الصديق إذا عرف أنه كذب عليه فسوف يترك ذلك أثرا في نفسه, وسيحمله ذلك على مزيد من الحقد والحسد والكراهية, لكن الإنسان إذا سئل فعليه أن يبين, وإذا لم يسأل فيكتفي بالعموميات بأنه نحج - ولله الحمد -, وأن عنده الخير - ولله الحمد - إذا كان ذلك على سبيل الشكر لله - كما قلنا - ليس على سبيل التعالي والتفاخر على عباد الله تعالى، وبهذا لا يصبح هنالك تعارض, فالمسلم مطالب أن تظهر أثر النعمة عليه, فلا يقول بعض الناس: ما عندنا شيء ويلبس ثوبا ممزقا وكذا فهذا مرفوض, وبعضهم يتعالى ويفتخر ويقول: نحن عندنا, ونحن أفضل منكم, وهذا أيضا مرفوض, لكن يظهر أثر هذه النعمة فيشكر الله بهذه النعمة, ويحمد الوهاب على هذه النعمة, وينسب النعمة إلى الله تعالى, ويستخدم النعمة فيما يرضي الله, ويتواضع لخلق الله تعالى.
نسأل الله أن يفقهنا وإياكم في الدين, وأن يديم علينا النعم, وهو ولي ذلك والقادر عليه.
وبالله التوفيق والسداد.