السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شكرا لمجهوداتكم الجبارة، والخدمات التي يستفيد منها المجتمع المسلم، وخاصة الشباب، فأنا حقيقة مذ دخلت على الموقع لم أفارقه يوما، وتحولت حياتي إيجابيا، والفضل لله ثم لكم.
أنا شاب ملتزم 25 سنة، تخرجت من الجامعة وعزمت بعد تخرجي أن أبدأ في الدعوة إلى الله، فكيف أكون مقبولا في المجتمع مع من حولي، وأن يحبني الناس حتى يستمعوا إلي؟ وما هو الأسلوب الذي أطرح به الدعوة؟ وهل للمظهر والهيئة أثر في ذلك؟
أفيدوني في ذلك، جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ ود إبراهيم حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحابته ومن والاه..
نرحب بك ابننا الكريم في موقعك، ونسأل الله أن يلهمك السداد والرشاد، هو ولي ذلك والقادر عليه، وكم سعدنا بهذا السؤال، وقد سألت – يا ابني – والله عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله تبارك وتعالى عليه، ونسأل الله تعالى أن ييسر علينا وعليك الهدى، وأن يثبتنا على الهدى، وأن يزينا بزينة الإيمان، وأن يجعلنا سببا لمن اهتدى، وأن يجعلنا هداة مهتدين، وبشرى لك، فلأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم، كما صح عن نبي الهدى، عليه صلاة الله وسلامه.
الدعوة إلى الله هي أشرف المهام، والدعوة إلى الله تطيل الأعمار، فالإنسان قد يدعو الآخرين ويموت، لكن يستمر ذلك في موازين حسناته، إذا صلى الذين دعوناهم أو صلوا لله كان لنا مثل الأجر دون أن ينقص ذلك من أجورهم شيئا، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا).
هنيئا لك بهذه الرغبة، وشكرا لك على التواصل مع الموقع، وشرف لنا أن نستقبل أمثالك، ويسعدنا أن نكون في خدمة الشباب الطامح الذي له دور، يريد أن يكون رقما، يريد أن يقدم الدعوة إلى الله تبارك وتعالى من أمثالك، فبشرى لك، فهذه مهمة الأنبياء - عليهم صلوات الله وسلامه – وهي أشرف مهمة، كيف وقد قال الله: {ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين}.
سؤالك جميل، جزاك الله خيرا - ابننا الكريم – لأنك سألت عن الوسائل المعينة في الدعوة إلى الله تبارك وتعالى، ولا شك أن الداعية المحبوب وهو الداعي الناجح، كما كان رسولنا - عليه صلوات الله وسلامه – وكما أخبر بذلك الله تبارك وتعالى في كتابه: {ولو كنت فظا غليظ القلب لنفضوا من حولك} لأن الناس إذا أحبوا الإنسان قبلوا كلامه وقبلوا ما يأتي منه، والإنسان لا يستطيع أن يبلغ قلوب الناس أولا إلا بإخلاصه لله وبتوحيده لله تبارك وتعالى، لأن قلوب العباد بين أصابع الرحمن يقلبها، والإنسان لا يبلغ ذلك إلا بالعمل الصالح، فإن الإنسان إذا أصلح عمله وصدق مع الله تبارك وتعالى أمر جبريل أن ينادي في السماء أن الله يحب فلانا فيحبه أهل السماء، ثم يلقى له القبول في الأرض، قال تعالى: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا} يعني محبة في قلوب الخلق.
كذلك مما يوصل الإنسان إلى قلوب الناس ومحبة الناس: أن يحسن إليهم، قالوا: {إنا نراك من المحسنين} لنبي الله يوسف عليه وعلى نبينا صلوات الله وسلامه، لما انزعجوا بحثوا عمن يحبون وعمن يحسن إلى الناس، قالوا: {نبأنا بتأويله إنا نراك من المحسنين}، وهذا وسام لكل داعية أن يكون من المحسنين، والإنسان لن يكون من المحسنين إلا إذا قدم للناس مساعدات، ابتسم في وجوههم، سامحهم على جهلهم وتطاولهم، أحسن إليهم، كان في خدمتهم، زهد فيما عندهم، هذه وسائل تحبب الإنسان إلى قلوب عباد الله تبارك وتعالى.
كذلك مما يحبب الإنسان إلى الناس: أن يكون مهتما بمظهره، مهتما بعطره، مهتما بحسن تعامله مع الناس، يجعل كبير المسلمين أبا، وصغيرهم ابنا، والأب ينبغي أن يحترم، والصغير ينبغي أن نرحمه، ويجعل من في سنه كأنه أخ له، يعامله بالمودة والعطف والرحمة والمحبة.
إذن المظهر أيضا له أثر كبير، والدعاة إلى الله تبارك وتعالى لابد أن يحسنوا مظهرهم حتى يكونوا قدوة لغيرهم، وما أجمل النبي - صلى الله عليه وسلم – كما قال البراء: رأيته في حلة حمراء مخططة بالسواد أو مخلوطة بالسواد، كما جاء في الآثار.
كذلك النبي - صلى الله عليه وسلم – كان يهتم بمظهره، كذلك الدعاة من الصحابة من أمثال مصعب بن عمير، من أمثال عبد الله بن عمر، من أمثال معاذ بن جبل، من أمثال عبد الله بن عباس، من أمثال عبد الله بن عمرو، وغيرهم ممن يدعون إلى الله تبارك وتعالى.
الناس يحكمون على الإنسان – يا ابني الكريم – قبل أن يتكلم، ولذلك كان الإمام مالك يتمثل بقول الشاعر:
(تجمل بالثياب ولا تبالي *** فإن العين قبل الاختبار)
يعني الناس يحكمون عليك قبل أن يختبروك بمظهرك، فلابد أن يكون مظهر الدعاة جذابا ولافتا وأنيقا ومرتبا، لأن هذا مما يعطي انطباعا جيدا قبل أن يتكلم الإنسان (تجمل بالثياب ولا تبالي، فإن العين قبل الاختبار) حتى قالوا – وهذا من الطرائف – (فلو جعل الثياب على حمار *** لقال الناس يا لك من حمار) وحاش الدعاة أن يكونوا كهذا المثال، لكن هذا يعطي انطباعا جميلا لما يكون الإنسان عنده اهتمام بمظهره، والعلاقة وثيقة أيضا بين الاهتمام بالمظهر وبين مخبر الإنسان، فإذا وجدت إنسانا يهتم بمظهره فهذا دليل على أنه يحمل نفسا كبيرة في داخله وفي جوانبه، والنفوس دائما تحب الإنسان الذي يهتم بمظهره ونظافته دون تكبر ودون تعال أو تفاخر على عباد الله تبارك وتعالى.
عليك أيضا أن تكون قدوة للناس، بحيث تدعو إلى الله تبارك وتعالى بمظهرك وبسمتك وبأخلاقك دون أن تتكلم، كذلك علينا لكي نقبل عند الناس أن نختار الوقت المناسب ببذل الدعوة إليهم، كذلك الأسلوب المناسب لإبلاغ الدعوة إليهم، نراعي هذه الجوانب عندما ندعوا إلى الله تبارك وتعالى، كذلك قبل ذلك ينبغي أن يكون عندنا إخلاص وصدق، فإن كلام المخلصين يدخل إلى قلوب الناس دونما استئذان.
مما يعين الناس على قبول الدعوة من الداعي إلى الله أن يكون ملتزما بما يقول، أن يكون قدوة في كلامه الذي يقوله، أن يصبر على الناس كذلك، ويحتمل منهم، ويحلم عليهم إذا تطاولوا أو جهلوا، حتى يعرفوا أنه على الحق وأنه على النور، وكل هذا كان هديا لرسولنا - عليه صلوات الله وسلامه – .
إذن إنما هي مواصفات كثيرة لابد لمن يدعو إلى الله تبارك وتعالى أن يتمثلها وأن يكون عندها، وإذا أردت أن تسير في هذا الدرب فنحن ندعوك أولا إلى قراءة سيرة النبي - عليه صلوات الله وسلامه – الداعي الأعظم، الذي بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وتركها على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، عليه صلوات الله وسلامه.
نتمنى أن نسمع عنك اسما وعلما كبيرا في عالم الدعوة إلى الله تبارك وتعالى والعلم الشرعي، وأن يجعلك من العلماء الربانيين، ونسأل الله لك السداد والثبات، هو ولي ذلك والقادر عليه.