السؤال
السلام عليكم.
تشاجرت مع أخي الصغير الذي يبلغ من العمر 12 سنة، وأنا عمري 19 سنة، لكننا في نفس الطول تقريبا، وحصل ذلك في رمضان، وقبل ذلك كثيرا أيضا.
المشكلة أنني أفتري عليه بالضرب وهو يتحمل، مع الدفاع عن نفسه بركلات خفيفة أو أنه يدفعني ليبعدني عنه، وأحيانا يغضب فيلكمني لكمات قوية، وأنا دائما أدافع بطريقة الخدش بالأظافر، فتتكون آثار على جسمه، وعندما تظهر هذه الآثار على جسده من الخدش، تراه أمي بهذه الحالة فترفع يديها إلى السماء وتدعو علي، وأنا أبكي كثيرا، مع أن أخي هو سبب المشكلة، وهو دائما الذي ينرفزني بتصرفاته، وأحيانا يستفزني، وأنا لا أتمالك نفسي، فأهجم عليه بتوحش ثم أندم وهكذا، ودائما أحاول أفسر لأمي سبب ضربي لأخي، لكنها لا تسمع مني، وتقول دائما: تضعين عقلك بعقل أصغر منك؟
ماذا أفعل بالله عليكم، والله تعبت كثيرا، لا أدري ما هي الطريقة التي أتعامل بها مع أخي الصغير، أحس أحيانا أن ربي سيسلط علي أحدا يضربني، أحيانا أمسك نفسي، ولكن بعد فترة أحس بأنني ضعيفة، فكيف لطفل أصغر مني يضربني وأنا لا أضربه وأنا الأكبر؟ وهل ضربي له في رمضان يجرح صيامي؟ وكيف أتوب إلى الله وأنا لا أضمن نفسي، فقد تحدث مشكلة مرة أخرى وأضربه؟
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ إيمان حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
نرحب بك -ابنتنا الفاضلة- في موقعك، ونسأل الله أن يلهمك السداد والرشاد، وأن يستخدمك فيما يرضيه، ويجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم، وهنيئا لنا ولك بشهر الصيام، وننصحك – ابنتي الفاضلة – بأن تحرصي على إرضاء الوالدة، وحاولي أن توضحي لها الصورة في غير وقت الشجار، وبيني لها أنك ينبغي أن تشفقي على الصغير فعلا كما طلبت، وأن يكون عقلك أكبر، لكن في نفس الوقت ينبغي أن يتربى الصغير على احترام من هو أكبر منه، وعلى تقدير من هو أكبر منه، خاصة الأخت الكبيرة له، فعليه أن يحترمها.
وأرجو أن تنتبه الوالدة وأهل البيت؛ لأن مثل هذا التشجيع للولد على العدوان لن يكون لمصلحته، فعليها أن تكون واضحة معه، ولكن لن تستطيعي أن تصلي إلى هذه المرحلة إلا بعد أن تكسبي ثقة الوالدة، وذلك بعد أن تبيني لها أنك مظلومة، وتعرف منك الشفقة عليه.
وأرجو كذلك أن تحسني إلى هذا الأخ الشقيق، فإن الإحسان سيغير هذه الحياة، سيغير هذه الحالة التي عنده، وسيشعر بالأخوة فعلا، لذلك أرجو أن تشبعيه من الشفقة والعطف والحنان، فهو بحاجة إلى عطفك واهتمامك، فحاولي أن تساعديه في الأمور الصعبة، حاولي أن تتحمليه حتى لا يكون سببا في إغضاب الوالدة عليك رغم أنه مخطئ.
فإذن هو محتاج إلى نوع من التعامل بالحكمة، وأنت أيضا تحتاجين إلى نوع خاص من التعامل، فاحرصي على أن تعامليه بإحسان، وأن تتلطفي به، وأن تشفقي عليه، وأن تتركي الانتقام منه لأجل أنه صغير حتى لا تغضب الوالدة.
أما بالنسبة لغضب الوالدة عليك وأنت مظلومة، فإن هذا لا يضرك، ولكن دائما نحن ينبغي أن نسعى لتفادي غضب الوالدة، لأن الله يعلم السر وأخفى، الله تبارك وتعالى يعلم ما هو السبب الذي يجعلك تضربينه وأنك مظلومة، ولكن أيضا لا ينبغي أن يكون أخذ الحق بهذه الطريقة، لأن خدش الأظافر يشوه صورة الإنسان ويؤثر عليه، ومهما كانت الضربات حاولي أن تعاقبيه عقوبة لا تكسر عظما ولا تخدش جلدا، مع أننا في الأصل لا نتمنى حصول هذه العقوبة، وحصول هذا العدوان منك عليه، أو رد العدوان والإساءة بمثلها، هذا أيضا لا ينهي المشكلة وإنما يعقدها أكثر، وسيظل هذا الطفل يستمر في الانتقام والعدوان، أما التسامح، أما الاحتمال ولو مرة أو مرتين وبيان ذلك والاقتراب منه وبيان حقيقة ما يحصل، فإن هذا سيخفف من عدوانية هذا الأخ الشقيق الصغير.
كذلك أرجو أن تعلمي أن تفادي أسباب غضب هذا الطفل، يعني أكيد أن هناك أسبابا، هناك أمور لا يحتمل التدخل فيها، أو لا يحتمل الكلام عنها، فنحن لا نتصور أبدا أن يكون هذا العدوان من غير سبب، هذا بعيد جدا، فغالبا يكون له أسباب، ومن الحكمة أن يتفادى الإنسان الأسباب التي تجلب له الشجار، وتجلب له المشاكل، من الحكمة أن يتفاداها، حتى لا تحصل المشكلة بتفادي أسبابها، وهذا يعتبر حلا أساسيا، يعني أكيد هناك أمور تثير غضب هذا الأخ، وتجعله يعتدي عليك، وإلا فلماذا لا يعتدي على الآخرين؟!
فإذن تنتبهين لمثل هذه الأمور، وينبغي أن تعلمي أنك بحاجة إلى محاورته وليس إلى ضربه، بحاجة إلى أن تأخذي معه وتعطي، إلى أن تناقشيه، إلى أن تستفهمي منه، أن تحاولي أن تتعرفي على وجهة نظره، على أسباب عدوانه، وهذا كله يأتي من خلال الحوار وليس من خلال مبادلة العقوبة بمثلها أو مد اليد عليه أو القيام بخرش جسده وتشويه جسده، وترك آثار وآلام على جسده، وهذا طبعا هو الذي يغضب الوالدة.
عموما نحن نتمنى أن تقتربي من الوالدة أيضا حتى لا تتاح أي فرصة لأي إنسان ليحول بينك وبين الوالدة، فقربك من الوالدة ومعرفة الوالدة لحقائق الأمور سيخفف عنك الضغط وسيجعل الوالدة تدعو لك بدلا من أن تدعو عليك، وأرجو كذلك في لحظات الهدوء أن تنصحي للوالدة بأن هذا الأسلوب سيشجع هذا الأخ على العدوان، ليس عليك فقط وإنما على الآخرين، فإن الطفل إذا وجد من يحميه، من يشجعه، من يدافع عنه، من يناصره إن كان محقا أو كان غير محق فإن هذا سيدفعه إلى أن يستمر في العدوان، فهو بحاجة إلى سماع كلمات واضحة من الوالدة، والشرع يأمرك بأن تشفقي على الصغير، ولكن الشرع أيضا يأمر الصغير أن يحترم الكبير، ويبالغ في تقديره، هذه شريعتنا التي ينبغي أن ننظر إليها بهذا الكمال وبهذا الجمال.
وإذا كان الأب موجودا أو كان هناك إنسان يستطيع أن يؤثر أو يتدخل فأرجو كذلك أن تستفيدي من تدخله، وأن توصلي له الصورة كاملة، حتى يتكلم مع أخيك بالكلام ويردعه ويزجره عن العدوان عليك، فإذا كانت الوالدة تغضب فيمكن للوالد أن يقول: (يا فلان انتبه، هذه أختك الأكبر منك، وينبغي أن تراعيها وتحترمها، وسوف أزعل منك أو أغضب إذا أنت تجرأت وأخطأت على أختك).
فاتخذي هذه السبل، وتجنبي الخدش والعدوان عليه أو مقابلة الإساءة بمثلها، لأن هذا لا يوصل إلى نتيجة، وسيزيد العدوان ويغضب الوالدة.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يديم بينكم الألفة والمحبة، وأن يلهمكم السداد والرشاد.
وأيضا أنت ولله الحمد صائمة, ونسأل الله أن يعينك على الصيام والقيام، وأن يستخدمنا جميعا في طاعته، هو ولي ذلك والقادر عليه.